ينما تطبق القوات العراقية على تكريت، يقوم من تبقى من السكان بتمزيق الأقمشة البيضاء لصنع رايات الاستسلام، لخشيتهم من مقاتلي الميليشيات الشيعية الذين يستعدون لتحريرهم أكثر من خوفهم من مسلحي تنظيم “داعش” الذين يحتلون المدينة السنية، حسب ما جاء في تقرير لوكالة “رويترز”.
وفر معظم سكان تكريت في الشهور التي تلت سيطرة التنظيم المتطرف على المدينة في يونيو الماضي. ولاذ من بقوا بالفرار أيضا في الأيام القليلة الماضية، لكن عددا قليلا اختار البقاء في انتظار مصيره.
ومع تقدم وحدات الحشد الشعبي الشيعية المسلحة ووحدة صغيرة من المقاتلين السنة، قال أبو سيف (37 عاما)، الذي وجد ملاذا له في كركوك بعد فراره من تكريت: “بعض الناس يقولون إنهم يفضلون الموت في بيوتهم”.
انتقام “الحشد الشعبي”
وتباطأ تقدم القوات الزاحفة من الشمال والجنوب والشرق بسبب انفجارات القنابل ورصاص القناصة. ولم تدخل القوات المدينة نفسها حتى الآن، لكنها قد تشن هجمات وشيكة على بلدتي الدور والعلم المجاورتين.
وفي هذا السياق، قال أبو سيف: “الوضع مرعب.. نخاف أكثر من الحشد الشعبي لأنهم يسعون للانتقام”.
وأضاف أن تعزيزات تقدر بآلاف المقاتلين من تنظيم “داعش” تدفقت على المدينة من مناطق أخرى وهؤلاء المقاتلين يستعدون للقتال حتى الموت، حسب تعبيره. وتوقع أبو سيف أن تكون المعركة طويلة ودامية.
ومن جهته، قال عمر التكريتي (32 عاما) الذي هرب من بلدة العلم منذ بضعة أيام مع سبعة من أفراد أسرته: “نحن بين المطرقة والسندان.. إما سنحترق بنيران متشددي الدولة الاسلامية أو بنيران الميليشيات”.
وتعهد بعض مقاتلي الميليشيات بالانتقام لمقتل 1700 جندي شيعي قتلهم متشددو “داعش” عندما اجتاحوا تكريت في يونيو الماضي بدعم من بعض السكان المحليين.
إلا ، المتحدث باسم “مجلس عشائر صلاح الدين”، اعتبر أنه لا يوجد أي خوف من قوات الأمن أو أفراد الحشد الشعبي، مشيراً إلى أن “داعش” يحاول ترويع السكان لكسب تأييدهم ضد القوات العراقية. وشدد جبارة على أن نحو 4000 مقاتل سني يشاركون في الحملة لاستعادة تكريت.
وبدورهم، أكد مقاتلون شيعة يزحفون من الشرق أنهم يتقدمون برفقة سكان محليين من السنة على اتصال بسكان تكريت لطمأنتهم على ضمان سلامتهم إذا رفعوا الأعلام البيضاء عندما يدخل المقاتلون المدينة.
لكن سكانا عبروا عن قلقهم من تدخل إيران التي تؤيد بعض الفصائل المسلحة المشاركة في القتال. وشوهد القائد البارز بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في الجبهة الشرقية وهو يوجه العمليات فيما يبدو.
ولا يتوقع أحد من المدنيين الفارين الذين تحدثت إليهم وكالة “رويترز” العودة إلى المدينة في المستقبل المنظور، ما لم تتول قوات محلية حكم المدينة. وفي هذا السياق، قال أبو سيف: “إذا سيطرت الفصائل المسلحة، لن يعود أي منا” إلى المدينة.
دروع “داعش” البشرية
يذكر أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” أعلنت، أول أمس الأربعاء، أن المدنيين في تكريت يواجهون “خطرا حقيقيا” من مقاتلي “داعش” والقوات الحكومية على حد سواء. وقال جو ستورك، نائب مدير المنظمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “على كل القادة في تكريت التأكد من أن قواتهم تقوم بحماية المدنيين والسماح لهم بالفرار من منطقة القتال”.
وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قد حثّ، الأحد الماضي وهو يعلن بدء الهجوم، المدنيين على مغادرة تكريت، لكن السكان أكدوا أن المسلحين حاولوا إرغامهم على البقاء.
وقال طارق الجبور (25 عاما)، الذي كان يدرس العلوم السياسية بجامعة تكريت وفر من بلدة العلم منذ بضعة أيام: “إنهم يريدون استخدامنا دروعا بشرية.. الناس الأبرياء سيقتلون مما يقوي موقف الدولة الاسلامية في الموصل والرقة”، مشيرا إلى أن المسلحين سيسعون لاستغلال وفيات المدنيين لاجتذاب تعاطف الناس معهم.
وتوجه الجبوري إلى مدينة سامراء القريبة، التي تسيطر عليها الحكومة، لكنه يريد الآن مغادرة العراق بالكامل.
وأعلنت الأمم المتحدة، أول أمس الأربعاء، أنها تساعد 24 ألف شخص نزحوا الى منطقة سامراء وحدها بسبب القتال في صلاح الدين.
ويقول مدنيون آخرون انهم يحاولون جهدهم للخروج لأن الطرق مغلقة وبعضهم لا خيار أمامه سوى الانتقال إلى مكان آخر داخل الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” إلى الشمال والغرب من تكريت أو جبال حمرين الواقعة الى الشرق.
وغادر أبو خالد (29 عاما) تكريت قبل فجر السبت الماضي حتى لا يوقفه مسلحو “داعش” الذين كانوا يقيمون عددا من نقاط التفتيش على الطرق آنذاك.
وقطع أبو خالد نحو 1000 كيلومتر في مسار دائري عبر ست محافظات للوصول إلى الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال. وهذا المسار الدائري أخذ بأبي خالد لأنحاء من الأنبار وكربلاء وبغداد وديالى مروراً بصلاح الدين وأخيرا أوصله لكركوك.