اعتبر رئيس الوزراء الجزائري الأسبق ورئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، أن التعديلات الدستورية المقترحة “ليست إلا محاولة من قبل النظام لإلهاء الرأي العام عن مشروعه الحقيقي وهو إطالة ديمومته قدر الإمكان وإعداد المسرح السياسي وتهيئته لساكن قصر المرادية الجديد خلفا لبوتفليقة، وهو ما كنا نتوقعه”.
وأوضح السياسي والمعارض الجزائري البارز، بن فليس، أن المعارضة تعمل على تحديد الخطوات التي ستتخذها خلال المرحلة المقبلة.
وقال: إن من يتصورون أن المعارضة لا تملك غير بيانات الشجب لخطط النظام السياسي، وتحديدا التعديلات الدستورية، فهم “مخطئون بلا جدال”. وأشار السياسي الجزائري إلى أن “هيئة التشاور المعارضة ستعقد لقاء نهاية مارس المقبل، لتقييم الوضع السياسي وتطوراته واتخاذ المواقف اللازمة تجاه تلك التطورات”، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
وشدد بن فليس (71 عاما) على أن المعارضة مجمعة “على رفض ليس فقط تلك التعديلات، وإنما أيضا كل ما آلت إليه أوضاع البلاد من أزمات ومشاكل، وفي مقدمة ذلك قضيتا شغور الرئاسة نتيجة لمرض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة واستيلاء قوى متنفذة غير دستورية على السلطة”.
ووقع بوتفليقة، السبت الماضي، المرسوم الرئاسي المتضمن استدعاء البرلمان للاجتماع بغرفتيه يوم غد الأربعاء، لعرض مشروع القانون المتضمن تعديل الدستور، وذلك بعد إعلان المجلس الدستوري أن مشروع التعديل “لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن والحريات، ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية”.
وأوضح بن فليس أن المعارضة تعمل على تحديد خطواتها للمرحلة المقبلة “وتحديد كيفية تحقيق الهدف من خلال الانتقال من منظومة سياسية مبنية على شخصنة الحكم إلى منظومة سياسية ديمقراطية بشكل تدريجي وتوافقي”.
وحول الطريقة التي ستنتهجها المعارضة لتحقيق التغيير، قال: “نحن دعاة تحول سياسي سلمي ولسنا دعاة قفزة نحو المجهول، كما أننا لسنا مفجري مغامرات تزيد أزمات البلد، ندعو للتعبئة الوطنية السلمية ولحوار وطني شامل يضع أطرا لتحقيق هذا الانتقال الديمقراطي”.
وأشار بن فليس إلى أنه قد تكونت لديه ولدى الكثيرين قناعة “بأن صاحب الصلاحيات الرئاسية الدستوري لم يعد يمارسها بنفسه، وحلت محله في مركز صناعة القرار الوطني قوى سياسية غير دستورية، اتخذت منه غطاء لتسويق تدابير تهدف لتحقيق مصالح خاصة بها”.
وحدد المعارض الجزائري هذه “القوى غير الدستورية” بأنها “تتشكل من رباعي من ذوي القربي والزبانية السياسية وأصحاب المال المشبوه، إضافة إلى أجزاء عريضة من الإعلام الخاص استولت عليها قوى المال الفاسد”.
وأرجع بن فليس “خلو التعديل الدستوري من أي إصلاح حقيقي”، بحسب وصف المعارضة، إلى “تراجع وطأة الثورات العربية وما آلت إليه الأوضاع في بعض الدول التي شهدتها”.
وقال: “لقد شكلت تلك الثورات في بدايتها هاجس رعب للنظام الذي كان يخشى انتقال عدواها للبلاد، وكانت السبب الرئيس في البداية للحديث عن تعديلات دستورية”.
ورفض ما يوجه للمعارضة من انتقادات لعدم مشاركتها في مشاورات التعديل الدستوري وهو ما أتاح للنظام أن يحتكرها، مبينا أن “ما سمي عبثا، بمشاورات واسعة، حول مشروع التعديل الدستوري لا تعدو عن كونها مسعى حاورت السلطة من خلاله نفسها وتشاورت فيه مع نفسها”.
وأضاف بن فليس: “وكيف لمؤسسة رئاسية شاغرة وقوى غير شرعية أن تبادر بتعديل دستوري دون أن تعرض دستور الجمهورية بأكمله إلى الطعن والتشكيك في حرمته؟، لقد أصبح ينظر لهذا الدستور على أنه دستور نظام سياسي بعينه وليس كأسمى قانون للجمهورية بأكملها”.
وسخر مما روجه النظام عن منحه المعارضة هامش تحرك أوسع بالتعديلات المقترحة، مضيفا: إن “كل ما فعله المشروع هو أنه حول بعض التدابير التي كانت موجودة في القانون الخاص بالأحزاب إلى تدابير دستورية، وقد تم التلاعب بهذه التدابير عندما كانت قانونية، فهل ستحميها صفتها الدستورية؟، الدستور نفسه لم ينج من عمليات السطو والاغتصاب”.
ووصف بن فليس تضمن تلك التعديلات تحديدا لعدد الولايات الرئاسية باثنتين فقط، بعدما كان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ألغى هذه الفقرة في الدستور السابق، بـ”العبث الدستوري”، موضحا أن “العودة إلى مبدأ العهدتين الرئاسيتين على يد من قاموا بإبطاله بأنفسهم، هي عبث فادح بالدستور”.
وبينما عدّ كثيرون اعتماد التعديل الدستوري للأمازيغية، لغة وطنية ورسمية للبلاد أمرا إيجابيا، رأى بن فليس أن القرار “جاء متأخرا وصوريا”.
وقال، إن “القرار منقوص بالرغم من أنه جاء متأخرا كثيرا دون مبرر، فالأمازيغية جزء من عناصر الهوية الوطنية ومن غير المعقول أن يتم التعامل معها بصفة منقوصة”.
وفي معرض رده على أهم التعديلات التي تحتاجها الجزائر ولم يتضمنها التعديل، شدد بن فليس على أن “مرض المنظومة السياسية الوطنية لا يكمن في الدساتير وإنما في نظام الحكم نفسه، فطالما لم تتغير الطبيعة الشمولية لنظام الحكم فالدستور مهما بلغ من دقة وصرامة وحسن التدبير، لا يمكن له أن يؤثر على الواقع السياسي، المهم هو تقيد الحاكم بالدستور واحترامه”.
وعلى صعيد الوضع الاقتصادي، انتقد بن فليس قانون المالية الجديد، عادا إياه “بابا جديدا لمنح الامتيازات غير الشرعية وغير المستحقة لقوى المال المشبوه”.
وأوضح: “لقد حمل القانون ثقل التعديلات التي تفرضها الأزمة الاقتصادية الحالية للفئات الشعبية الأكثر هشاشة عبر الضرائب ورفع تسعيرة الكثير من المواد والخدمات وإطلاق العنان لتدهور قيمة العملة الوطنية، دون أن يمس بشبكات كبار المستثمرين أصحاب العلاقة والمصلحة مع النظام”.
ورأى بن فليس أن التداعيات الاقتصادية سيكون لها آثار اجتماعية لا يمكن التنبؤ بخطورتها خاصة مع ارتفاع معدل البطالة واستدامة الأزمة السياسية.
وتعليقا على توسع الأنشطة الإرهابية لتنظيم داعش في عدد من الدول، قال: إن “الأرقام المكشوف عنها من قبل السلطات تقدر عدد الجزائريين الذين انضموا إلى صفوف التنظيم في حدود 150 إلى 250 فردا، وهذا العدد المحدود نسبيا يدل على محدودية تغلغل هذا التنظيم في المجتمع الجزائري والضعف اللافت لصداه على خلاف دول أخرى بالجوار”.
وشدد بن فليس على أن “هذا المعطى، حتى وإن كان مريحا إلى حد ما، لا يمكن أن نستنتج منه أننا في مأمن كامل خاصة في ظل زيادة عدد التنظيمات الإرهابية وتوسع عملياتها”.
ورفض الخوض كثيرا في تقييمه لعملية الإطاحة بأكثر من شخصية عسكرية مؤخرا، قائلا: إن تضارب المواقف والتصريحات بشأن المؤسسة العسكرية عامة وجهاز الاستخبارات خاصة أمر مؤسف للغاية، فهاتان المؤسستان يجب أن تكونا من المحرمات على اللعبة السياسية”.
ويرى بن فليس أن “النظام السياسي بالجزائر يسير بمنطق -إن لم تكن معي فأنت ضدي- وهذا ما يفسر حملات التطهير السياسي بسبب اللاموالاة التي طالت المشهد السياسي والاقتصادي والإعلامي، وكذا صفوف المجتمع المدني”.
وحول حصول حزبه على ترخيص من الدولة، التي يصفها بأنها تمارس تمييزا ضد خصومها، قائلا: “لم نحصل عليه إلا بشق الأنفس، فالجهاز السياسي والإداري عدد ونوع العراقيل والمضايقات في وجهنا مراهنة منه على نفاد صبرنا وإضعاف عزيمتنا، لكننا تحلينا بالصبر والحزم، وجعلنا من الرأي العام شاهدا على تجاوزاته وتعسفاته؛ ما حمله على احترام حق من حقوقنا المكفولة دستوريا”.
واستنكر بن فليس تصوير البعض لقاءاته بعدد من السفراء الأجانب على أنها محاولة منه للاعتماد على الدعم الأجنبي وليس الشعبي.
وقال: “للأسف، أصبحت مسألة التواصل مع الدبلوماسيين الأجانب على العلن توظف لتخوين المعارضة السياسية ولفبركة تهم بالتخابر، ولكنها محاولات خائبة لا يصدقها أحد، فأحزاب الموالاة هي الأخرى تلتقي نفس الدبلوماسيين وسط تهليل واحتفاء من قبل الإعلام الرسمي”.
وأضاف رئيس الوزراء الأسبق: “من واجبي المهني أن أقوم بالتعريف بالحزب وببرنامجه واستقبالاتي كلها معلنة ومتوجة ببيانات توضح للرأي العام فحواها”.