عندما لاتكون قدسية إلا لكتاب الله يتوحد المسلمون

لقد كرم الله بني آدم بالعقل القادر على التفكر والتدبر والمقارنة والمراجعة وهو واجب على كل إنسان يبحث عن الحقيقة حتى قيام الساعة. فإذا أردنا الإعتراض بإبداء رأي مخالف لفكر الآخر لابد من ذكر نقاط معينة تعارض هذا الفكر وتناقشه وبذكر الأدلة على عدم صحتها أو خطأها ولا يكون الحوار بمقالات إنشائية جدلية مرسلة بدون أدلة علمية منهجية تواجه كل نقطة على حدة بفكر مقابل لها,
فلا يوجد في الإسلام نص مقدس غير قابل للنقاش إلا القرآن الكريم والسبب لتقديسه أنه كلام الله عز وجل الذي حفظه لنا من التحريف. وكل يوم نكتشف في هذا النص من المعجزات التي تؤكد أنه كلام الخالق العظيم بلا تبديل ولا تغيير ولا تحريف.
وهنا لابد ان نتطرق للصّحيحين البخاري ومسلم لما لهذين الكتابين من أهمّية بالغة لدى أهل السنّة والجماعة حتّى أصبحا عند بعض المسلمين المرجعين الأساسيّين والمصدرين الأوّلين في كلّ المباحث الدينية وأصبح من العسير على بعض الباحثين أن يصرّحوا بما يجدوه من تهافت وتناقض فيتقبّلونها على مضض ولا يكاشفون بها قومهم خشيةً منهم أو خشيته عليهم. لما في نفوسهم من احترام وتقديس لهذين الكتابين، والحقيقة أنّ البخاري ومسلم ما كان يوماً يحلمان بما سيصل إليه شأنهما عند علماء النّاس وعامّتهم.
ونحن إذا قدمنا على نقدهما وتخريج بعض المطاعن عليهم أليس ذلك إلا لتنزيه نبيّنا (صلى الله عليه وآله) وعدم الخدش في عصمته. وإذا كان بعض الصّحابة لم يسلم من هذا النقد والتجريح للغرض نفسه، فما البخاري ومسلم بأفضل من أولئك المقرّبين لصاحب الرسالة.
وما دمنا نهدف إلى تنزيه النّبي العربي (صلى الله عليه وآله) ونحاول جهدنا إثبات العصمة له وأنّه أعلم وأتقى البشر على الإطلاق ونعتقد أن الله سبحانه وتعالى اصطفاه ليكون رحمة للعالمين وأرسله للنّاس كافة من الإنس والجنّ، فلا شك أنّ الله يطالبنا بتنزيهه وتقديسه وعدم قبول المطاعن فيه، ولذلك نحن وكلّ المسلمين مطالبون بطرح كلّ ما يتعارض والخلق العظيم الذي اختصّ به، وطرح كل ما يتعارض مع عصمته أو ما يمسّ شخصه الكريم من قريب أو بعيد، فالصّحابة والتّابعين والأئمة والمحدّثين وكلّ المسلمين وحتى النّاس أجمعين مدينون لفضله ومزيّته، فالمنتقدون والمعارضون والمتعصّبون سوف تثور ثائرتهم كالعادة على كل ما هو جديد عليهم، ولكن رضا الله سبحانه هو الغاية ورضا رسوله (صلى الله عليه وآله) هو الأمل، وهو الذخر والكنز والرّصيد يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فمن السذاجة افتراض بأن العلماء الأولين كانوا من الخوارق ولا يمكن لأحد أن يضيف بالبحث والعلم فعطاء الله عز وجل ليس محظورا بل التقنيات الحديثة بفضل الله تمكن الدارس من الوصول لعلوم لم تكن متاحة لكل هؤلاء مجتمعين والأجدر بنا الآن تصحيح هذه الموروثات التي تم دس الكثير فيها وحذف الكثير منها. وبالتالي فهناك أخطاء من هؤلاء ثم تم الدس والحذف والتحريف باسمهم في كتبهم.
وبعد هذِ الأهمية البالغة في التدقيق والتحقيق في كتب الأولين إنبرى المحقق العراقي والمرجع الديني السيد الصرخي الحسني "دام الله فيض علمه" إلى التحقيق والتدقيق في أمهات الكتب لكشف الأخطاء من هؤلاء ومادُسَ وحُذِفَ وحُرِفَ باسمهم في كتبهم
جاء ذلك في محاضرتهِ السابعة عشرة من بحثه ( السيستاني ماقبل المهد إلى مابعد اللحد ) ضمن سلسلة محاضرات تحليل موضوعي في العقائد والتأريخ الإسلامي والتي القاها مساء يوم السبت الموافق 20 محرم 1438 هـ – 22_10_2016 مـ
دعا المرجع الديني العراقي السيد الصرخي الحسني "دام ظله المبارك " عموم العقلاء أن يحكموا عقولهم في التعامل مع المصادر الإسلامية في نقل الروايات والأحاديث ومنها البخاري لما فيه من روايات مستخفة بالنبي "صلى الله عليه وآله " وأمهات المؤمنين والصحابة "رضوان الله عليهم " وبذلك أما أن يكون التسليم بما جاء من رواية والقبول بالاستخفاف بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله بحجة أن البخاري صحيح ولايمكن الطعن بأي رواية تصدر فيه ولا يمكن تقييمه مع العلم بأن البخاري أو من كتب أو دلس على البخاري يلجأ كثيراً لأسلوب البتر والاخفاء في الكثير من الروايات والتي هي مثبتة في غيره من المصادر وإلا كيف يمكن قبول رواية محاولات النبي صلوات الله عليه وآله بالانتحار عندما عرضت النبوة عليه حتى كاد أن يلقي بنفسه من جبل شاهق ما هذا إلا استخفاف وتقليل بالرسول الأكرم الأقدس صلوات الله عليه وآله وسلم ؟!
فلا يوجد إلا أن يتم تحكيم العقل بعدم القول بتمامية كل ما موجود في البخاري أو أي مصدر آخر فلايوجد كتاب مقدس على اطلاقه غير قابل للتقييم والنقاش والاعتراض والتحقيق إلا كتاب الله العزيز الحكيم
حيث دعا المرجع العقلاء إلى تحكيم العقل في عدم التصديق بكل ماجاء في البخاري والتسليم به تسليماً مطلقاً وإلا فذلك سيعني القبول بمرويات عديدة فيها استخفاف وتقليل من مقام النبوة ومنها رواية الانتحار من قبل النبي صلى الله عليه وآله
فقال سماحة المرجع ما نصه :
أقول: يجب التسليم لحكم العقل والعقلاء، فلا مناص من الخروج من فتنة وشبهة الانتحار المزعومة إلا باتباع حكم العقل وبعدم وجود صحة وقدسية مطلقة إلا لكتاب الله العزيز الحكيم، أما باقي الكتب فهي قابلة للدراسة والتقييم، والنقاش والطعن والتضعيف وهذه خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح نحو فكر منطقي وسلوك عقلائي واقعي منصف أمين يحترم الإنسان وعقله، فتعين على البعض دفع شبهة محاولات الانتحار بالقول: إنّ ليس كل ما في البخاري صحيحًا بل يوجد تفصيل، بل أدعوا أن القول بصحة كل ما في البخاري من الخطأ الفاحش، وتكمن أهمية هذه الخطوة بلحاظ أنّ القول بعدم صحة كل ما البخاري يعتبر وما زال من النفاق (الذي يقول بعدم صحة كل ما في البخاري يكفر) والارتداد والكفر والطعن بالسنة النبوية وبالنبي الأمين وأهل بيته وأصحابه وأمهات المؤمنين عليهم الصلاة والسلام، فتقع الفتن وتسفك الدماء وتنهك وتنتهك الأعراض وتسلب وتنهب الأموال. (إذًا من قال ذلك؟ من أشار إلى ذلك؟ من انتهج ذلك النهج؟ من غير النهج وابتعد عن خط التقديس الخاطئ، التقديس الغالي، التقديس الفارغ؟ يوجد الكثير ومنهم سنذكره هنا)
وأعطى المرجع شواهد عديدة لمن خالف التقديس المطلق للبخاري وناقش وخطّأ ما جاء فيه وصنف وذكر صراحة وجود القطع والحذف والبتر والزيادة
ومن هؤلاء
الشيخ الالباني وهو القائل ( هذا العزو للبخاري خطأ فاحش؛ (أي تصحيح كل ما جاء في البخاري خطأ فاحش) ذلك لأنّه يوهم أنّ قصة التردي هذه صحيحة، (أي القول بصحة كل ما في البخاري يوهم بأنّ قصة التردي، قصة الانتحار صحيحة)
أي قصة ونقل رواية من أن النبي صلى الله عليه وآله كاد أن يتردى من فوق جبل شاهق فأذا سلمنا بتصحيح كل ماجاء في البخاري فمعنى ذلك القبول برواية التردي والانتحار وهو مالايمكن قبوله
وابن حجر العسقلاني أيضاً :
حيث ذكر في مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري يقول: الثالث في بيان الحكمة في تقطيعه للحديث واختصاره وفائدة إعادته للحديث وتكراره .
وعلق المرجع على ذلك قائلاً : (هو يقرّ ويسلم بأن البخاري يقطع الحديث ويختصر الحديث، إذًا يتصرف في الحديث ويبتر الحديث، ينقص الحديث، يقطع الحديث، يقتطع من الحديث بما شاء، بما يريد، حسب ما يشتهي، حسب ما يبني وما يعتقد به، إذًا كم من المقاطع حذفت، كم من المقاطع دلست بناءً على ما يريد، بناء على ما يعتقد، بناء على ما يجتهد، هذا ليس بكتاب حديث، هذا كتاب رأي، كتاب فقهي، كتاب أحكام، لا يمكن أن يعتمد ككتاب حديث، لأن فيه التقطيع، فيه الاختصار، فيه التصرّف الشخصي، فيه الاجتهاد.. ) .
المصدر: https://goo.gl/6Wep8d
وأخيراً نقول إن إهمال هذه القضايا الخطيرة المأثورة هو سبب البلبلة وانقسام المسلمين إلى طوائف ومذاهب , ومن يرفض إعادة التفكر والبحث في كل منقول وينادي بتوقف الاجتهاد وعبادة النصوص والأشخاص أياً كانوا فهو مناف للمنهج الرباني الذي أمر بالتفكر وعدم الإتباع الأعمى للأولين , وفي هذا العصر والزمان وانقسام المسلمين بسبب هذه البلبلة وكثرة الأكاذيب والتحريف إلى طوائف ومذاهب فلن يتوحدوا إلا إذا عضوا في أصل الشجرة واعتصموا بحبل الله ولم يتفرقوا وهذا الحبل هو كتاب الله وهو الكتاب الذي أجمع عليه كافة المسلمين بكل طوائفهم أما الكتب الأخرى فكلها قابلة للنقد البناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *