“” رؤيه بين الماضى و الحاضر ” “

 
الإنسان كائن تاريخى يتذكر ماضيه ويعى حاضره حتى يستطيع أن يصنع مستقبله ، لذلك يجب علينا أن نقرأ التاريخ جيدا وكيف تقدم غيرنا ولماذا وكيف تاخرنا ؟ ، فالتدهور الذي حل بمصر بداية ثمانينات القرن الماضى كان نتيجة تفكيك الدولة المصرية وإلغاء دورها الأساسى فى البناء الوطني المستقل حيث أننا نزدهر ونقوى عندما تكون الدولة قوية ، ولنذكر محمد على باشا الحاكم المستبد المستنير حكم مصر هو وأسرته فى الفترة ما بين 1805-1951م كان شعاره (الغاية تبرر الوسيلة) ، بنى مصر الحديثة على الطراز الأوروبي ، لم يشغله إلا طموحه فى رؤية مصر من أقوى البلاد ، تمرد على الكثير وتمرد عليه الكثير ، حيث ضرب القوى الشعبية ببعضها ليصل إلى الحكم ، عاملا على كسب ثقة الشعب فكان على ثقه أن من يكسبها لن يهزم إلا بأمر الله ومن تخلى عنها صار ضده .
تميز بالذكاء الشديد .. فقد بدأ فى فرض الضرائب على الشعب المصرى وإلغاء فكرة الإلتزام وتملك جميع الأراضى ولما إعترضت عليه الزعامة الشعبية وقتها لم يشعر بالحكم المطلق فقرر أن يتخلص منها ونفى عمر مكرم إلى دمياط .
وقد جمع جميع طبقات الشعب من فلاحين وحرفيين وبدأ بالتخطيط لبناء مصر الحديثة وشعر أنه لن يستطيع النهضة إلا بإقتصاد جيد ، كما سخر الفلاحين لشق الترع والقنوات ومات العديد تحت ترابها وأعاد النظر إلى بناء الجيش بإعتباره الركيزة الأساسية في أحداث التوسعات ، ويكفينا أن نشعر بنهضة محمد على لمصر وقوة جيشه بأن جميع الدول الأوربية كانت في حالة من الترقب لما يحدثه فقد كون أول جيش نظامي وكان بداية العسكرية المصرية .
وقد تمكن محمد علي أن يبني فى مصر دولة عصرية على النسق الأوروبى وإستعان فى مشروعاته الإقتصادية والعلمية بخبراء أوروبيين أمضوا في مصر سنوات فى الثلاثينات من القرن التاسع عشر ، وكانوا يدعون إلى إقامة مجمع نموذجي على أساس الصناعة المعتمدة على العلم الحديث ، وكان أهم دعائم دولة محمد علي العصرية هي سياستة التعليمية التثقيفية الحديثة ، فقد آمن بأنه لا يستطيع أن ينشىء قوة عسكرية على الطراز الأوروبي المتقدم ويزودها بكل التقنيات العصريه وأن يقيم إدارة فعالة وإقتصاد مزدهر يدعمها إلا بإيجاد تعليم عصري يحل محل التعليم التقليدي ، فأرسل البعثات التعليمية إلى مدن أوروبا ، ولم يغلق أبواب مصر بل فتحها على مصراعيها لكل وافد وإنفتح على العالم ليجلب خبراته لتطوير مصر ، ولأول مرة يصبح التعليم منهجيا فأنشأ المدارس التقنية ليلتحق خريجوها بالجيش ، وأوجد زراعات جديدة كالقطن وبنى المصانع وإعتنى بالري وشيد القناطر الخيرية على النيل عند فرعي دمياط ورشيد ، وربط القاهرة بالأقاليم ووضع سياسة تصنيعية وزراعية موسعة وضبط المعاملات المالية والتجارية والإدارية والزراعية لأول مرة فى تاريخ مصر .
  وهناك وجه شبه بين معاناة محمد علي باشا ومعاناة الرئيس عبد الفتاح السيسي فكلاهما يريد بناء دولة حديثة ، وواجه كل منهما معارك شديدة الشراسة فى بدايه حكم كل منهما ، فقد كان الصراع على السلطة عنيف بين محمد علي باشا والمماليك ومحاصرتهم له وإستعانتهم بالإنجليز وتشجيعهم على غزو مصر … وهذا نفس المخطط الحالي الذي ينفذه كل أعداء الوطن بنفس طريقة المخطط المملوكى – الأجنبي ، فالرئيس يواجه الآن نفس القوى المتمثلة في الإرهاب الداخلي في سيناء وغيرها والمخطط الإخواني العالمي ثم التدخل الأجنبي المتمثل في تركيا وقطر وغيرها … هذا مثلث الشر الخطير الذي يهدف إلى نفس الهدف وهو عرقلة الرئيس وعدم تنفيذ مخططه لإعادة بناء مصر ، فكلا الحاكمين رفعا شعار الوطنية والوقوف ضد الإستيراد ، محمد علي رفضه تماما بإستثناء معدات الإنتاج ، والسيسي بفرض مزيد من الجمارك والإشتراطات عليه  . 
ولكن هناك إختلاف وتفاوت بين العهدين محمد علي منع الإستيراد ولكن وفر الآلات وساعد الناس على العمل ولكن فى الوقت الحاضر الآلات ومعدات المصانع وقطع الغيار مستوردة ومرتفعة الأسعار مع إرتفاع الأسعار وتعويم الجنيه مما يساهم أيضا فى إرتفاع المنتج المحلي البديل ، فالإختلاف هنا إختلاف في المبدأ الذي قام عليه هدف النهضة في العهدين ، فكان محمد علي مؤمنا بأن قوة مصر الأساسية في الزراعة فهو بذلك أقام نهضة زراعية واكبها إهتمام بالمدارس وإنشاء مدارس علمية للزراعة والهندسة والطب خدمت النهضة ، ولكى نصل إلى نفس النتيجة لابد من الإهتمام بالتعليم والزراعة قبل الإهتمام بالتصنيع  .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *