ألقى قرار محكمة طرابلس بإعدام رموز نظام القذافي، وبخاصة رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي، يوم أمس الثلاثاء، بظلاله على الساحة السياسية في تونس، وأثار جدلاً سياسياً وأخلاقياً وتبادل اتهامات حول المسؤول عن تسليم المحمودي إلى ليبيا.
وتم تسليم رئيس الوزراء الليبي في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، يوم 24 يونيو 2012، في عهد حكومة الترويكا برئاسة حمادي الجبالي، ورئاسة محمد المنصف المرزوقي.
قضية ضد الجبالي
وكأول ردّ فعل على الحكم بإعدام المحمودي، حمّلت هيئة الدفاع عن البغدادي المسؤولية لحكومة الترويكا برئاسة حمادي الجبالي، وقال المحامي مبروك كورشيد: “إنّنا نحمّل المسؤولية كاملة لحكومة الترويكا برئاسة الجبالي مسؤولية المحاكمة غير العادلة لموكله لأنها قامت بتسليمه إلى جهة ليبية مشبوهة وغير قانونية.”، بحسب تعبيره.
وأضاف كورشيد في تصريح لشبكة “إرم” الإخبارية، أنّ “هيئة الدفاع سترفع قضية عدلية ضد الجبالي، وكل من سيكشف عنه البحث.”، معتبراً أنّ المحاكمة التي بسببها حكم على موكله بالإعدام “غير عادلة” ، “غير شرعية”، مشيراً إلى أنها “تمت في ظروف غير قانونية بالمرة، حيث جرت في ثكنة عسكرية، وفي غياب تام لهيئة الدفاع.”.
وقال كورشيد، إنّ: “الحكم بإعدام البغدادي المحمودي رمياً بالرصاص جائر وصادم.”.
على الحكومة التونسية التدخل
من ناحيته ندّد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عبد الستار بن موسى، بالحكم بإعدام رموز نظام القذافي، داعياً الحكومة التونسية الحالية برئاسة الحبيب الصيد بالتدخل لمنع تنفيذ هذه الأحكام.
وقال بن موسى، في تصريح لشبكة “إرم” الإخبارية على أنّ قرار الحكم بالإعدام “مسيّس”، و”لا يستند إلى معايير المحاكمة العادلة، ذلك أنّ البغدادي المحمودي اتهم بجرائم القتل والاغتصاب.”، مشدداً على أنّ “هذه التهم غير موجودة في ملفّ تسليم المحمودي إلى ليبيا، والذي أبرم بين الحكومة التونسية وجهات ليبية غير معروفة.”.
وحمّل المسؤولية كاملة إلى حكومة الترويكا في تسليم البغدادي المحمودي الذي تعرض إلى التعذيب، وها هو يحكم عليه الآن بالإعدام.
قرار قضائي وليس سياسياً
أكد وزير العدل الأسبق، في حكومة الترويكا برئاسة حمادي الجبالي، نور الدين البحيري، أنّ قرار تسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا “كان قراراً قضائياً وليس سياسياً.”، مشدداً على نفي أي صفقة مالية مثلما يشاع.
وأوضح في إفادته لشبكة “إرم” الإخبارية، أنّ “هذه الهجمة على حركة النهضة أساساً لا غرض منها سوى التشويه، والكلام الذي يقال فضفاض ولا أساس قانونياً، وهو عار عن الصحة.”، مضيفاً “لقد سبق أن أثير هذا الموضوع”.
وأكد البحيري أنه “لا يجب التدخل في الشأن الداخلي لليبيا، وأنّ الحكم الصادر لا يهمّ إلا الشعب الليبي.”، مشدداً على أنّ شروط المحاكمة العادلة يجب أن تتوفر لكل متّهم.
وعاد البحيري للتأكيد على أنّ “قرار التسليم قد تم اتخاذه في فترة الحكومة الثانية بعد الثورة، أي في عهد رئاسة الباجي قائد السبسي، والذي تمّ تفعيله في عهد الترويكا اعتبار إلى أنّ الدولة تستمر مع أي حكومة.”.
رفضت الموافقة على التسليم
مباشرة بعد القضاء بإعدام رموز نظام القذافي ومنهم البغدادي المحمودي، أصدر الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي بياناً، اطلعت عليه شبكة “إرم” الإخبارية، وجاء فيه “أولاً، أذكّر بأني خلال أداء مهامي كرئيس للجمهورية رفضت الموافقة على تسليم البغدادي المحمودي حتى ضمان شروط محاكمة عادلة، وأنّ تسليمه تمّ بدون علمي ودون موافقة لا مكتوبة ولا شفوية وذلك من طرف رئيس الحكومة والوزراء المباشرين للقضية وهو ما أدى إلى أزمة في منظومة الحكم حينها أوشكت خلالها على تقديم استقالتي.”، مضيفاً “كنت تقدمت حال علمي بالتسليم بشكوى إلى المحكمة الإدارية ضد إجراءات العملية وقضت المحكمة ببطلان الإجراءات وصواب موقفي.”.
وأضاف المرزوقي “بصقتي مناضلاً حقوقياً، ناضل لفترة طويلة ولا يزال ضد عقوبة الإعدام، أندد بهذه الأحكام.”، داعياً السلطات الليبية “لعدم تنفيذ الحكم لتبعاته السلبية الكثيرة على صورة ليبيا وعلى حظوظ حوار وطني نسأل الله أن يخرج به ليبيا الحبيبة من محنتها وأن يفتح صفحة جديدة في تاريخها لكي تصبح الدولة المدنية الديمقراطية الواحدة الضامنة للعدل وللحقوق والحريات التي استشهد من أجلها الشهداء البررة.”.
قرار سابق فعّلته حكومة الترويكا
وقال القيادي في حركة النهضة، سمير ديلو، وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في عهد حكومة الترويكا، برئاسة الجبالي، إنّ: “حركة النهضة ليس لها أيّ دخل أو مسؤولية في موضوع تسليم البغدادي المحمودي، ولكن حكومة الترويكا وقتها وكامل مجلس الوزراء الذي اتخذ قرار التسليم طبقاً لما ينصّ عليه القانون التونسي.”.
وقال ديلو في تصريح لشبكة “إرم” الإخبارية، إن :”قرار التسليم تم اتخاذه قبل وصول حكومة الترويكا إلى الحكم، ولكن الحكومة فعّلته.”.، مشدداً على أنّه “ضد حكم الإعدام على السياسيين والناشطين الحقوقيين.”، لكنه قال في ذات الوقت: “إن البغدادي المحمودي متّهم بجرائم قتل وتحريض على الاغتصاب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.”.
تورّط أخلاقي
وعقب لقائه بالرئيس الباجي قائد السبسي، يوم أمس، قال الهاشمي الحامدي، رئيس تيّار المحبّة: “إنّ كلّ من شارك في تسليم البغدادي المحمودي الى ليبيا مورّط أخلاقياً في صدور حكم غير عادل لأنّ ليبيا في فترة تسليم المحمودي ليس بها أيّ مناخ للقانون.”، مؤكداً أنه “حذّر في تلك الفترة وأدان عملية التسليم التي تمّت بطريقة لا تشرّف الدولة التونسية خاصة وأنّ المحمودي لم يكن يريد اللجوء في تونس بل كان متجهاً إلى الجزائر.”.
وأعلن عن القبض على البغدادي المحمودي في الثاني والعشرين من سبتمبر 2011، في قرية تمغزة من محافظة توزر، على الحدود التونسية الجزائرية، وكان ينوي الفرار إلى الجزائر وهو يحمل أوراقاً ثبوتية مزوّرة.