بقلم الاعلاميه / دلال القاضي
على وقع تتابع الأحداث في العالم، تتهاوى النّظريّات الاقتصاديّة، الاجتماعيّة والثّقافيّة واحدة تلو الأخرى، مؤذنةً بهشاشة القيم الّتي حكمت العالم منذ أكثر من قرن.
الأخلاق معيار أبلج، واضحٌ يدمغ الحقّ في موضعه، ويُلْبِس الباطل صكًّا مبرمًا لأعتى الأمصار مهما تزاحمت إفرازاتها “اللّاثقافيّة” متى لزم الأمر.
هناك في الجرود، على تماسٍ صارخٍ مع السّماء، يُقيم الرّاعي مع قطيعه عرسًا كلّ شمس، ويعزف المزارع أبهى معزوفات الوجود على رأس كلّ مسكبةٍ أو ثلم، إمبراطوريّة الإنتاج والعمل، تنساب فيها الأخلاق مع مياه السّواقي المنطلقة من أعالي الجبال نحو الأنهار المتوزّعة شرايين حياة في بلادنا، لا يعيقها نفيق الضّفادع، ولا ضراوة الطّبيعة، ولا حتّى نوايا الطّامعين، هي أشبه بحسام الحقيقة مسلّط على دونيّات العيش.
فقط الأخلاق تحيا لتُحيي، وتُبْذَر لنحيا، وتنساب لنبقى، هي حتميّة الارتقاء في كنف المادّة المستشرية من حولنا، تصكّ سبيكة الضّمائر بنبراس الأمانة، توزِّع زادها بعدلٍ بين البشر، وتطفو في ساح العقل، مكرّسةً المحبّة نهج حياة.
لا محبّة بدون أخلاق، ولا متّحد بدون محبّة، ولا اجتماع بشريّ بدون المتّحد الاجتماعيّ المُحُبّ، ولا تشكيل اجتماعيّ يلبّي طموحات شبابنا بدون تراصف قوام المحبّة والأخلاق، هكذا خطّ الأوّلون شريعة الحياة، مُذ كان “أرونمو” و “لبت عشتار” و “حمورابي” إلى أن صاغت “المغناكارتا” عُرف السّلام في أوروبّة بعد أن عاشت مئات السّنين على وقع “صكوك الغفران” المبنيّة على الخداع!!
الكلّ بالكلِّ، والجزء بلا شيء، هذه هي قاعدة الأخلاق الأكثر جذريّة، فكلّ نظام، عمل ومجتمع لا يحيا ويرتقي إلّا بالأخلاق، وتفنى أعظم منظومات العالم وأشدّها فتكًا بغياب الأخلاق، هكذا يخبرنا التّاريخ والحاضر، وهكذا سيخبرنا المستقبل.
يحتاج علامنا إلى تظافر كامل بين الأخلاق والمحبّة، وإلى انتزاع فتيل الكراهية، والشّواهد جمّة ومتشعّبة في عالمنا، لا تبدأ بالتّمييز على أساس اللّون والعرق والجندر، كما أنّها لا تنتهي بالجنسيّة وتصنيف دول العالم بين دولٍ متقدّمة ودول عالم ثانٍ وثالث.
مخطِئ من يفصل العصبية الوطنيّة عن الإنسانيّة، كخطأ مَن يفصل بين الإنسان والإنسان بسبب لون بشرته ودمغة عينيه