مما لاشك فيه, ولا يمكن أن يختلف عليه اثنان, أن أمريكا تتمتع بنسبة من الذكاء, أوصلها إلى مرحلة إن تكون هي من يتحكم بزمام الأمور في كل منطقة مهمة في العالم, وها هي اليوم وبسبب صراعها مع محور الشرق المتمثل بإيران و روسيا تخوض غمار الحرب مع داعش في سوريا و العراق حتى وصل بها الأمر إن تحشد العالم الغربي لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي.
وقد استخدمت أساليب عدة من أجل الحصول على دعم عالمي في هذه الحرب, ولعل الأسلوب الأخير الذي اتبعته من خلال بث فيديو حرق الطيار الأردني " الكساسبة " وبصورة حصرية على إحدى قنواتها الفضائية هذا من جهة ومن جهة أخرى التصريح الأخير للسيناتور الأمريكي " تيم كاين " لــcnn والذي قال فيه …
{ إن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، كان متأثرا بشكل كبير بمقتل الطيار معاذ الكساسبة بأيدي تنظيم داعش، وقال له إن هذه معركتنا ضد داعش…}. وهذا التصريح هو بمثابة إعطاء دفعة معنوية إعلامية لملك الأردن من اجل أن يدخل بصورة مباشرة في الحرب مع داعش.
وكذلك يكشف تصريح السيناتور الأمريكي إن أمريكا وبخطوات ذكية بدأت تتنصل من مهامها التي هي بداية تولتها وأخذت تزج بالدول خصوصا العربية في الحرب ضد داعش وهذا لأمرين حسب تصوري :
الأمر الأول: هو الاستنزاف المالي والتدهور الاقتصادي الذي يمر به العالم وخصوصا أمريكا بعد هبوط أسعار النفط, هذا من جهة, ومن جهة أخرى, هي محاولة ضبط الأمن الداخلي الأمريكي وتحويل الانتباه والتركيز والصرف على هذا الجانب وهذا ما كشفه وزير الأمن القومي الأمريكي يوم الأحد 8 / 2 / 2015 م حيث قال إن أمريكا مهددة من الداخل.
الأمر الثاني: محاولة توسيع النفوذ العربي في العراق وسوريا بعد أن أصبحت إيران هي صاحبة السطوة العسكرية على الأرض, وبهذا تشبك العرب بإيران وإدخالهم في صراع قومي وهي تضمن تواجدها في العراق وسوريا دون أن تقدم أية خسائر, وبوادر ذلك الأمر هو تسليح العشائر العربية السنية وكذلك الدفع بالأردن -كدولة عربية أولى – تدخل بصورة مباشرة وعلى الأرض في قتال مع داعش.
لكن أمريكا لم تحسب حساب موقف الشعوب العربية هذا من جهة ومن جهة أخرى موقف الحكام والملوك العرب فهو غير مضمون ولا يمكن الاعتماد عليه فهم حريصون على الكرسي ولا يستطيعوا أن يقدموا على خطوة تدفع بشعوبهم للاستعانة بداعش – خصوصا إن تأثير داعش أصبح أكثر تأثيرا من الإعلام الأمريكي- أو القيام بربيع جديد في المنطقة, ويضاف إلى ذلك إن كل هذا الذي تقوم به أمريكا يستنزف منها أموال كثيرة وطائلة وهذه الأموال تهدر على شيء لا توجد فيه ضمانات تامة, والأمر الأخر الذي يكشف نسبية ذكاء أمريكا هو إنها لم تخطط بشكل جيد سابقا من اجل تواجدها في العراق ولم تحسب الأمور بالحاسب الصحيح الأمر الذي دفع بها للقيام بما ذكرناه سالفا.
وهنا استذكر ما قاله المرجع الديني العراقي العربي الصرخي الحسني في الحوار الصحفي مع وكالة أنباء العرب بتاريخ 13 / 1 / 2015م والذي تكلم فيه عن ذكاء أمريكا النسبي,حيث قال ..
{…5- والذكاء النسبي الأميركي اقصد به إن أميركا تعتقد حاليا إنها تحقق استنزاف وإضعاف إيران ، وكذلك اِستنزاف وإضعاف الدولة الإسلامية (داعش) ، واستنزاف وهتك وتحطيم وتدمير الشعب العراقي ، إضافة للاِستنزاف الاِقتصادي للدول الخليجية الداعمة ماليا ، وإضافة لذلك كلّه فان قبضة أميركا وتدخلها في شؤون دول المنطقة قد ازداد وقوي وتضاعف بسبب الإرباك الفكري والأمني والمجتمعي الذي أصاب حكومات المنطقة وشعوبها… لكن ليس كل ما تعتقده وتتمناه أميركا سيتحقق ومن هنا قلت انه ذكاء نسبيٌّ …}.