كثرت في الآونة الأخيرة المؤشرات التي تدل على تغير واضح في السياسة الخارجية التركية وميلٍ إلى إعادة تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي بعد توتر سياسي دام أكثر من خمسة أعوام.
آخر تلك المؤشرات جاءت الإثنين، إذ يصل وفد تركي رسمي إلى الكيان الإسرائيلي، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة بين الجانبين.
وقالت إذاعة إسرائيل إن الوفد التركي الذي يقوده رئيس مركز السياسات الاقتصادية التركية، جوفاك ساك، سيعقد اجتماعاً مع مسؤول شؤون التعاون الإقليمي للكيان، أيوب قرا، بهدف إقامة منطقة صناعية بالقرب من جنين بتمويل تركي وبدعم إسرائيلي وأمريكي وأوروبي.
وسبق أن أشارت شبكة إرم الإخبارية، إلى احتمال عودة قريبة للعلاقات بين تركيا والكيان الإسرائيلي، بعد أن أعربت مصادر إسرائيلية رسمية، الأحد، عن ارتياحها البالغ لتعيين فريدون سينيرلي أوغلو، المعروف بعلاقاته الواسعة مع القيادات الصهيونية، وزيراً للخارجية التركية.
وسبق أن شغل سينيرلي أوغلو، منصب السفير التركي لدى تل أبيب بين أعوام 2002-2007، وكان مسؤولاً عن المفاوضات بين الجانبَين حول تداعيات أزمة سفينة “مرمرة الزرقاء”.
ويبدو أن التطورات الإقليمية الأخيرة، دفعت الجانبَين إلى إعادة تقييم للعلاقات، ومنحها فرصة جديدة، وبشكل خاص بعد الاتفاق النووي، الذي تم توقيعه بين إيران، والدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة؛ الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، وفرنسا، وإنكلترا، بالإضافة إلى ألمانيا، ما دفع أنقرة وتل أبيب إلى تسريع مساعي الحل بينهما، “لمواجهة التهديدات المشتركة” وفقاً لسياسيين صهاينة.
وعلى الرغم من الخلافات السياسية، لم تتأثر العلاقات الاقتصادية خلال الأعوام الأخيرة، إذ استمرت التجارة المتبادلة بالتوسع.
وسبق أن صرح رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة مدينة “إزمير” غرب تركيا، أكرم دميرطاش، خلال استقباله قنصل الكيان الإسرائيلي في إسطنبول “موشيه كيمش” إن “حجم التبادل التجاري بين البلدين سجل زيادة ملحوظة… وإسرائيل تعتبر واحدة من أهم 11 شريكاً اقتصادياً لتركيا”.
وأضاف إن حجم التبادل التجاري بين البلدين كان يبلغ في العام 2011 نحو 4 مليارات و22 مليون دولار، في حين ارتفع هذا الرقم ليصل في العام 2013 إلى 4 مليارات و858 مليون دولار.
ويرى محللون أن العزلة الإقليمية التي تعيشها أنقرة، وحالة القطيعة مع محيطها العربي، قد تدفعها إلى إعادة فتح القنوات مع تل أبيب، لتطبيع العلاقات الإستراتيجية.
وسبق أن أكد وزير الخارجية التركي السابق، مولود جاووش أوغلو، يوم 25 حزيران/يونيو الماضي، أن مسؤولين أتراك وإسرائيليين، عقدوا اجتماعاً يهدف إلى نبذ الخلافات، وإعادة العلاقات على ما كانت عليه.
ولم تتمكن محاولات المصالحة السابقة بين الجانبَين من التوصل إلى اتفاق، على الرغم من قيام العديد من وفود الكيان الإسرائيلي بزيارة أنقرة.
ومع حرمان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا من التفرد في الحكم، بعد خسارته للأغلبية التشريعية، في الانتخابات النيابية، التي جرت يوم 7 حزيران/يونيو الماضي، ارتفعت أصوات معارِضين أتراك، للمطالبة بتغيير سياسة تركيا الخارجية، وإعادة فتح العلاقات مع الكيان الإسرائيلي.
وتأزمت العلاقات بين الجانبَين، إثر تحدي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بصفته الوظيفية آنذاك كرئيسٍ للوزراء، رئيس الكيان الإسرائيلي “شمعون بيريز” العام 2009، ودعمه لناشطي سفينة “مرمرة الزرقاء” التركية في محاولتهم لرفع الحصار عن غزة.
واندلعت الأزمة الدبلوماسية الحادة بين البلدين حول مقتل ثمانية مواطنين أتراك ومواطن أمريكي من أصل تركي، يوم 31 أيار/مايو 2010، من قبل قوات الكيان التي داهمت السفينة، ما أثار غضب أردوغان الذي أعلن منتصف أيلول/سبتمبر 2011 تجميد العلاقات العسكرية والتجارية مع الكيان الإسرائيلي.
كما خفضت أنقرة تمثيلها الدبلوماسي لدى تل أبيب؛ واشترطت لإعادة العلاقات بين الجانبَين إلى ما كانت عليه؛ اعتذار إسرائيل بشكل رسمي، ودفعها تعويضات من أجل الضحايا، ورفع الحصار عن غزة.
وبإصرار من الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قدمت حكومة الكيان الإسرائيلي اعتذاراً رسمياً، كما أعلنت أنها ستدفع تعويضات لعائلات الضحايا، وأعلن أحمد داود أوغلو، أن “المفاوضات بين الجانبين حول التعويضات، اكتسبت زخماً كبيراً في الآونة الأخيرة وهي في طريقها للحل”.