لا يمكن اعتبار الزيارة التي يقوم بها الرئيس الهندي براناب موخرجي للأردن حاليا اعتيادية أو بروتوكولية, فحسب وصف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لها فإنها “تاريخية” لأول رئيس هندي يزور الأردن منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ 65 عاما، كما تأتي وسط ظروف إقليمية شائكة لا تجعل الملف الاقتصادي يتربع على عرش الزيارة فحسب، بل تجعل ملف “مكافحة الإرهاب” ملفا موازيا ينبغي البحث فيه بعمق كما تكشف تصريحات الجانبين.
الأردن المحاط بالأزمات المشتعلة من كل جانب، بدءا بالعراق وسوريا وليس انتهاء بتصاعد الأحداث في الضفة الغربية والقدس التي يحظى الأردن بالوصاية على المقدسات فيها، يعاني من أزمات اقتصادية متلاحقة زاد من حدتها عبء اللجوء السوري، بات ينتهج سياسة “تنويع الخيارات” وغادر بقوة مربع العلاقات الاقتصادية التقليدية التي ارتبطت غالبا بمواقفه السياسية ما جعله يتجه شرقا وبقوة نحو الصين والهند حيث بات هذان البلدان يحتلان المرتبة الثانية والثالثة على سلم البلدان التي ترتبط بعلاقات اقتصادية مع الأردن.
كما لفت الأردن بوصفه “واحة الأمان والاستقرار” وسط إقليم مضطرب أنظار العالم إليه كجزء من الحلول ابتداء من قنبلة اللاجئين التي انفجرت في وجه أوروبا وصولا لقضايا رعايا الدول المختطفين في العراق وسوريا كما جرى في حادثة خطف الرهائن اليابانيين والهنود المختطفين حاليا في العراق حيث ناشد الرئيس الهندي إطلاق سراحهم من خلال المنصة الأردنية.
الملف الاقتصادي بالأرقام
استحوذ الملف الاقتصادي على جزء كبير من الزيارة حيث أطلق الجانبان شارة البدء لتشغيل مصنع الشركة الأردنية الهندية للأسمدة (جيفكو) لإنتاج حامض الفسفوريك جنوب الأردن، الذي يعد أكبر وحدة متكاملة لإنتاج هذا الحامض على مستوى العالم.
الكاتب والمحلل السياسي نبيل غيشان أكد في حديثه لـ” إرم” أن البعد السياسي حاضر بقوة في الزيارة ممثلا بملف مكافحة الإرهاب الذي بات يمثل هماً عالميا مشتركا، ويفسر غيشان مناشدة الزعيم الهندي بإطلاق الرهائن الهنود المختطفين لدى داعش انطلاقا من الأردن بالقول إن “الهند تسعى للاستفادة من الخبرة الأردنية الأمنية في مجال التعامل مع هذه التنظيمات حيث يحظى الأردن بسمعة عالية ومميزة بهذا المجال” ، لافتا إلى أن الهند تسعى أيضا من خلال الزيارة للانفتاح على العالم العربي ومنه الأردن الدولة الهامة اليوم.
وتعد الهند ثالث شريك تجاري للأردن وأكبر مستورد للفوسفات والبوتاسيوم في العالم حيث يتميز الأردن بوفرة كبيرة في هذا الجانب، وارتفع حجم التبادل التجاري بين الهند والأردن إلى 1.43 مليار دولار في 2012 وتخطى 1.5 مليار دولار خلال عام 2013، وتتطلع الهند إلى الوصول إلى خمس مليارات دولار في العام 2025.
وبينما تشكل الأسمدة المركبة والفوسفات الخام أهم الصادرات الأردنية إلى الهند، تشكل المواد الغذائية والجلود والأقمشة والملابس واللحوم والمنتجات الزراعية أبرز مستوردات المملكة من السوق الهندية.
ويفسر الكاتب والمحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي أسباب الانفتاح الاقتصادي الأردني على دول الشرق الكبرى كالهند والصين بحاجة الأردن الماسة لفتح أسواق جديدة بعد إغلاق السوق العراقية والسورية
ويلفت الدرعاوي في حديثه لـ”إرم” إلى أن 50 % من الصادرات الأردنية كانت تذهب للعراق التي تمثل الشريك العربي الأكبر له سابقا قبل سيطرة تنظيم داعش على المناطق الحدودية مع الاردن حيث أدى ذلك إلى ضرب الاقتصاد الأردني خاصة مع فقدان نحو 500 مليون دولار كانت ترفد الخزينة الأردنية من السوق السوري .
سياسيا..مكافحة الإرهاب والهنود المختطفين في الصدارة
ولم تخلو الزيارة من التطرق للملف السياسي في منطقة ملتهبة حيث انتهز الزعيم الهندي وجوده في الأردن الذي يتمتع بكفاءة أمنية عالية للمناشدة بإطلاق سراح 39 هندياً اختطفهم تنظيم داعش في العراق قبل شهور.
وأكد موخرجي أن بلاده “تتطلع قدما إلى تقوية التعاون الأمني مع الأردن، نظرا لوجود قواسم مشتركة، تخص المخاوف الأمنية للبلدين، ولإيصال رسالة، مفادها أن الهند والأردن تقفان سوية في القتال ضد الإرهاب العالمي”.
وكان الرئيس الهندي وصل الأردن صباح أمس السبت في زيارة رسمية تستمر 3 أيام، يجري خلالها تكريمه من الجامعة الأردنية ومنحه درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية بعد أن يلقي فيها خطابا اليوم الأحد، كما يقوم خلال زيارته برعاية حفل إطلاق اسم أحد الشوارع غربي العاصمة الأردنية على اسم الزعيم الهندي السابق المهاتما غاندي.