كشف المعتقل السياسي الإيراني الهارب منذ أشهر، فرزاد مدادزيد، عن تعرضه للضرب لمدة تصل إلى 16 ساعة يوميا في أحد السجون الإيرانية فضلا عن صعقه بالكهرباء ولكمه من قبل ثلاثة حراس قبل إعادته إلى زنزانة انفرادية صغيرة، وذلك بسبب حديثه علنا ضد النظام الإيراني.
وأوضح فرزاد البالغ من العمر 30 عامًا: “كنت أتعرض لكافة أنواع التعذيب النفسي والجسدي، فضلا عن استمرار التحقيق والضرب على مدار الساعة، كل لحظة أكون في انتظار حدوث شيء إما جلسة تعذيب جديدة أو الإعدام، كنت معزولا تماما عن بقية العالم، الصوت الوحيد الذي كنت أسمعه هو صوت الموت”.
وأكد أن حراس السجن جلبوا المواد المخدرة بما في ذلك الهيروين للسجن للتشجيع على الإدمان ما يعطى الفرصة للمحققين بتعذيب السجناء جراء أعراض سحب المخدر من الجسم، وتحدث فرزاد بعد هروبه من البلاد منذ شهرين وقبل لقائه في باريس للمشاركة في الاحتجاج على زيادة عمليات الإعدام في إيران برفقة صديقته باريا كوهانديل (18عاما) والتي لا يزال والدها سجينا سياسيا خلف القضبان في إيران
وأعلنت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، أن إيران حققت العام الماضي ثاني أكبر عدد من عمليات الإعدام في العالم بعد الصين، وتعتبر إيران من أكبر السجانين للمدونين والصحافيين والناشطين عبر وسائل الإعلام الاجتماعية.
وولد فرزاد في جلفا شمال غرب إيران، وأصبح ناشطا سياسيا بعد مشاهدة قناة تلفزيونية غير شرعية تديرها منظمة مجاهدي الشعب الإيراني وهي حركة معارضة تدعو إلى الإطاحة بجمهورية إيران الإسلامية.
وأنشأ فرزاد وغيره من الشباب خلية معارضة وبدأوا في توزيع المنشورات واللافتات والمشاركة في الاحتجاجات وتعبئة الشباب، وشارك فرزاد في رسم جرافيتي مناهض للنظام على الجدران وجمع المعلومات للمقاومة للاحتجاج دون عنف.
واعتقل فرزاد في شباط/ فبراير 2009 وحكم عليه بالسجن لمدة 5 أعوام لدعم منظمة مجاهدي الشعب الإيراني التي تعتبر جماعة إرهابية في الولايات المتحدة منذ عام 2012 ويعتبرها الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية منذ عام 2009، وكذا قبل وقت قصير من انتفاضة 2009 حيث اندلعت مظاهرات جماهيرية عقب فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية التي يعتقد الكثيرون بتزويرها، وكانت هذه أكبر موجة احتجاجية شهدتها البلاد منذ الثورة عام 1979.
وأخذ فرزاد أولا إلى السجن الإيراني الأكثر شهرة ويدعى”إيفين”، وقال: “قضيت هناك 10 أشهر في زنزانة 209 التي تسيطر عليها الاستخبارات وكانت أبشع زنزانة في إيران بأكملها، وتم تعصيب عيني وبدأت التحقيقات على الفور من الثامنة صباحا وحتى الحادية عشر مساء أو حتى منتصف الليل، وإذا قلت أشياء لم تعجبهم أو رفضت تأكيد بعض الأشياء يبدأ الضرب بمنتهى القسوة، ثم تم نقلي إلى الحبس الانفرادي في منتصف الليل وفي اليوم التالي يستمر نفس الوضع”.
وأخبر أحد المحققين فرزاد أن عقوبة السجن 5 أعوام في ظل عدم وجود أي محاكمة له، واحتجز في زنزانة انفرادية مساحتها 1.5 × 2 متر لمدة ستة أشهر، وسمح له بزيارة واحدة من أقاربه خلال أربع أشهر في السجن.
وأضاف فرزاد: “عندما جاءت أمي وأبي وشقيقتي لزيارتي فإنهم لم يستطيعوا التعرف علي من شدة الضرب، كانوا يعذبون السجناء بالصدمات الكهربائية والهراوات وتم حرق الكثيرين بالسجائر على ظهورهم، وتعرض أحد الأشخاص للضرب على أذنه حتى أصيب بالصمم، وأعاني من مشاكل في السمع بسبب الضرب على الأذنين ولم يكونوا يسمحوا للطبيب لزيارتنا، كانوا يعذبون السجناء عن طريق حرمانهم من أي علاج طبي”.
وأفاد بأنه حُكم على اثنين من أصدقائه من السجناء السياسيين الذين شاركوا في الانتفاضة بالإعدام، وأخبره زملاؤه في السجن أن المحققين قاموا بخلع أظافر السجينين، ما دفع السجينين للإدلاء باعترافات كاذبة حيث تعرضهم أحدهم إلى كسر في ظهره أثناء الاستجواب ولم يتلقى علاج طبي بينما تعرض الأخر للاغتصاب بواسطة أحد الحراس الذكور.
واستمر استجواب فرزاد لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر وكان يُسأل باستمرار عن الحركة المعارضة ومؤخرا طُلب منه الحديث ضدها علنا، مضيفا: “أسوأ شيء في السجن هو أنه يأخذ أفضل أصدقائك ويعدمهم، لا يمكنك أن تتخيل مدى قسوة الأمر عندما تستيقظ في الصباح وتجد صديقك مشنوقا، وكانت كل تهمة البعض هي إيمانهم بالديمقراطية أو ذهابهم إلى معسكر أشرف”.
وكان المعسكر في العراق موطن لمنظمة مجاهدي الشعب الإيراني حيث قتل شقيق وشقيقة فرزاد في نيسان/ أبريل عام 2011، وداهمت قوات الأمن العراقية المخيم ما أسفر عن قتل 36 شخصا من المواطنين العزل واستخدمت القوات معهم الدبابات والأسلحة الثقيلة حسبما أفاد فرزاد.
وكان فرزاد في ذلك الوقت في سجن ” جوهردشت ” بالقرب من طهران حيث تورط اثنان من أصدقائه أعمارهم 13 و 14 عام في حادث قتل عرضي وكانوا في انتظار الإعدام عندما يصبح عمرهم 18 عام، وحينها شهد فرزاد إحضار المخدرات مثل الهيروين والكراك والكريستال إلى السجن.
ولفت فرزاد إلى “أن وزارة الاستخبارات وحراس السجن كانوا يوزعون المخدرات بشكل معتمد لتشجيع السجناء على الإدمان، وعند مرحلة الإدمان كانوا يجبرون على فعل أي شيء يرغبه المحققون ويتوقفون عن المقاومة، وفي حالة تعاطيك 30 جرام من هذه المخدرات في الشوارع يحكم عليك بالإعدام، لقح حاولوا جلب المخدرات لي وأنا رفضت”.
وواصل فرزاد عمله كناشط سياسي من وراء القضبان حتى الإفراج عنه رغم التهديد بالضرب، وعند سؤال عن سبب ذلك أوضح ” إن الصمت خيانة وإذا أصبحت صامتا سيكون هذا أحقر شيء فعلته”، وفي اليوم الذي كان من المقرر إطلاقه سراحه فيه في شباط/ فبراير 2014 انتظرت أسرة فرزاد خارج السجن لمدة 10 ساعات في البرد القارس إلا أنه تم تمديد فترة سجنه ليومين إضافيين دون أي أسباب.
ويعتقد بوجود المئات من السجناء السياسيين رهن الاحتجاز في سجون إيران، وأشار تقرير أصدره مركز توثيق حقوق الإنسان الإيراني هذا العام إلى معاناة السجناء من الازدحام الشديد وسوء النظافة ونوعية المياه وعدم كفاية المرافق الطبية والعنف الذي يستهدف سجناء الرأي السياسي فضلا عن الاعتداء المزمن من قبل السلطات.
ولم يسمح لفرزاد مغادرة إيران لكنه فر من البلاد سرا ووصل إلى أوروبا في آب/ أغسطس من هذا العام بينما بقي الكثير من أقاربه في البلاد لكنه لا يتواصل معهم حتى لا يواجهون أي تداعيات، وذكر فرزاد ” أحيانا أستيقظ في منتصف الليل خوفا من التعرض للاعتقال، أنا أعلم أنه ليس أمرا حقيقيا ولكني أسترجع الإحساس القاسي أحيانا، أنا أعرف أن هذه الذكريات المؤلمة لن تتركني، إنها لن تذهب إلا عندما يذهب النظام”.
وأشار إلى أنه يتحدث لوسائل الإعلام حتى يكون صوت من لا صوت لهم مثل أولئك الذين لقوا حتفهم بسبب النظام، كما تحدثت “باريا” التي هربت برفقة فرزاد من إيران، وولدت باريا الناشطة السياسية في طهران ووالدها هو السجين السياسي “صالح كوهانديل” الذي سُجن للمرة الأولى عندما كان عمرها 4 أعوام، ويقضى والدها حاليا حكما بالسجن لمدة 10 أعوام في سجن جوهردشت بتهمة معارضة النظام وزارته باريا خلال اعتقاله.
وسًجن صالح لأول مرة لمدة خمسة أشهر وسجن للمرة الثانية عندما كان عمر ابنته 6 أعوام، وزعمت ابنته أنه في عمر 9 أعوام اقتحم الحرس الثوري الإيراني منزلهم ووجهوا المدرس إلى رأسها قبل القبض على والدها للمرة الأخيرة.
وأوضحت باريا أن جلسة محاكمة والدها كانت منذ دقائق فقط مشيرة إلى أنه لم يعدم وفقا لما ذكرته والدتها، وفي عام 2008 غادرت والدة باريا وشقيقتها الكبرى إلى معسكر أشرف قبل فترة وجيزة من قتل عمها وعمتها هناك.
وأضافت: ” منذ عمر 12 عاما وحتى الآن أزور والدي في السجن وحدي، وكان أمرا صعبا على لأنه لم يكن معي أحد، شاهدت أطفال يرون أبائهم لأول مرة خلال 5 أو 6 أعوام، وكنت واحدة منهم، وفي عمر 10 أعوام احتضنت والدي وصافحت يده ثلاث مرات فقط”.
وتابعت باريا: “كان السجن مزدحما وأرسل لنا والدي خطابا موضحا أنه اضطر غلى النوم في المرحاض في إحدى الليالي”، وشاركت باريا نفسها في انتفاضة عام 2009 في سن مبكرة وشجعت زميلاتها على المشاركة في المظاهرات.
وأجابت عند سؤالها عما إذا كانت خائفة عند هروبها من إيران، ” نعم كنت خائفة ولكن في عقلي ليس هناك أبشع من النظام لقد شاهدت ما حدث لأبى وغيره من الناس”، وتخشى باريا أن يعدم والدها أو يموت خلف القضبان.
ولفتت الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران إلى القبض على 6000 شخص على الأقل منذ انتخابات عام 2009 بسبب التظاهر السلمي تعبيرا عن آرائهم السياسية ذات التوجهات الإصلاحية، وزعمت المنظمة أن التعذيب يتم بصورة روتينية منهجية وعلى نطاق واسع فضلا عن استخدام الحبس الانفرادي والانعزال عن العالم الخارجي بالإضافة إلى الحرمان من الحصول على المشورة القانونية.
وكشفت المنظمة عن زيادة حملة الإعدامات منذ عام 2009، كما زعمت أن النساء تتعرض للتمييز القانوني بما في ذلك التزامها بطاعة زوجها والقيود المفروضة على سفرها وحقها في العمل، ويتم تغريم النساء أيضا عند مخالفة الزى الإسلامي في حين عدم ارتداء الحجاب الإلزامي بشكل صحيح في الأماكن العامة.
وبيَّنت باريا: “في إيران يعتبر الحجاب القسري هو أكبر مشكلة تواجه النساء”، وأفادت بأنها شاهدت صديقة تُضرب في الشارع بسبب الطريقة التي ترتدي بها الحجاب.
وتثير الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران مخاوف بشأن التمييز العرقي والديني والحرية الدينية وحرية التعبير والحق في التعليم بين عدة قضايا أخرى، ويحضر فرزاد وباريا حشدا في مناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام في قصر Palais Brongniart في الساعة 2:30 مساء السبت، ومن المقرر أن تكون Pumla Makaziwe ابنة مانديلا بين الحضور.