كلمة بريا كهندل ابنة السجين السياسي صالح كهندل القابع في سجن كوهردشت الرهيب. بريا غادرت ايران قبل شهور وهي تكلمت في مؤتمر في باريس عقد بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة الاعدام عن السجون والمعتقلات في ايران والعذابات التي يتحملها السجناء وعوائلهم و عن مقاومة السجناء ضد نظام الملالي..
السلام عليكم
تحية لعزيزتي الأخت مريم والأخ مسعود الذي أنا مطمئنة أنه يسمع كلامي اليوم.
وأوجه التحية لكم أنتم أيها الأصدقاء الأعزاء جميعا.
كما أوجه التحية للمناضلين في ليبرتي والتحية لكل أبناء بلدي ممن يسمعون كلامي.
اني بريا، بريا كهندل. خرجت من إيران قبل عدة أشهر.
أبي هو سجين سياسي، صالح كهندل قابع في سجن كوهردشت الرهيب. إني فقدت في 8 نيسان/إبريل 2011 خالي أكبر وخالتي مهدية العزيزة في هجوم قوات المالكي على أشرف.
الأخت مريم العزيزة،
إني أحمل معي تحيات وسلامات جمة.
تحيات آلاف السجناء السياسيين القابعين في سجون إيران، تحيات أمهات تفيض مدامعهن من الانتظار لتسيل دموعهن على بلاط قاعات السجن.
تحيات أطفال العمل وبأيدي مكلكلة ينتظرون بفارغ الصبر ليستنشقوا هواء طيبا على غرار ما تستنشقونه أنتم أي نسيم الحرية والخلاص.
تحية اولئك الذين يقبلون منصات الاعدام في سجون كوهردشت وايفين وكهريزك. وسلامي قد اخترق الأسلاك الشائكة المحيطة بسجن كوهردشت والجدران السميكة ل سجن ايفين وعنابر سجن قرجك. تلك السجون التي انحصرت نزهتي منذ الطفولة بين الغبار المتصاعد داخل قاعاتها للقاء فقط.
وأنا هي الزائرة الاسبوعية التي كانت تزور سجني كوهردشت وايفين وأنا هي البلبل العذب اللحن للوالد حسب تعبير أبي والتي عاشت 20 دقيقة كل اسبوع فقط. نعم اني هي الزائرة الاسبوعية التي زرت سجن كوهردشت وعشت كل اسبوع 20 دقيقة من خلف الزجاج الملطخ بالغبار وكل أملي كان أن يحملق أبي اليّ. عندما كان يتحدث عن الحرية لم يطق صبرا واني لم أكن أعرف منهله في عزة النفس والإباء.
أعود إلى الوراء، إلى ليلة 4 مارس/ آذار 2007 عندما كنت طفلة تناهز الثمانية من عمري لا قرار لي.
كنت غارقة في أفكاري والدموع تنهمر. احتضنني والدي وتكلم معي إلى حد غلبني النوم. تلك الليلة كانت آخر ليلة كنت في حضن أبي لأنه في الصباح اقتحم جلاوزة وزارة المخابرات منزلنا ووضعوا السلاح على رأسي واقتادو أبي معهم.
وقبل ذلك كان أبي قد قضى عاما ونصف العام في السجن وهذه المرة ادين بالحبس لمدة 10 سنوات لأنه رفض أن يطل في مقابلة تلفزيونية ضد مجاهدي خلق وقبع في سجن كوهردشت الذي يشبه الجحيم.
كل هذه السنوات العشر أصبحت رأسمالي وزادي لاختيار هذا الدرب.
قبل عدة أشهر وبالضبط قبل امتحان القبول للجامعة بعشرين يوما غادرت إيران وتحدثت إلى نفسي وقلت يا بريا انك تستطيعين الآن أن تحصلي على كل ما كان محظورا عليك في إيران. كل الأمنيات والطموحات الملونة. قيادة الدراجة النارية التي كانت أكبر حلمي وتستطيعين أن تواصلي رياضة الباركو والجمباز والدراسة في الفرع المفضل عندك أي الفيزياء. ولكن ما تركته خلفي في إيران لم يكن يتركني. بقيت في حيرة من أمري، فهل أتابع ما كنت أحلمه؟ أم أناضل لتحقيق أحلام كل الأطفال الذين هم مكبلون في إيران وحلم صديقتي العزيزة وفتيات من أمثالها؟ أيهما؟ لم أكن أعرف!
وفي لحظات اختياري، تذكرت آخر لقائي بأبي عندما واكبنا صبي في عمر 9 سنوات في طريق اللقاء وعبر ذلك النفق المظلم والرهيب الذي طوله كيلومتر واحد. كان يحمل بيده رسما. وعندما ألقيت نظرة إلى رسمه فداهمني الغيظ انه كان قد رسم نفسه وأبيه يدا بيد.
أخذني الخيال إلى أيام طفولتي عندما كنت في عمره. كنت على أحر من الجمر وكنت أبكي عند أبي وكنت أقول يبدو أن هذا الطفل كان يحمل رسالة.
اني جئت اليوم مع خواطري في أيام الطفولة حيث تقول انك لم تكوني الراحلة الوحيدة في هذه الطرقات ولم تكوني أنت الرحالة الوحيدة في هذه الأنفاق. بل كان قبلك مئات من الأطفال كما هناك مئات الأطفال الآخرون بعدك محكوم عليهم بقطع هذه الطرقات والدهاليز طالما هذا النظام يحكم بلادنا.
… عاودتني لحظات الانتخاب والاختيار مرة أخرى!
تذكرت أنا العم علي. قصدي علي صارمي. انه كان أفضل عم في العالم. تذكرته عندما كان يضع رأسه على القضبان المائلة لمقصورة اللقاء وعندما رأني فانبسطت أسارير وجهه وابتسم وكأنه أراد أن ينقل اليّ رسالة لأنني وبعد أسابيع سمعت خبر إعدامه. ورحل خير أعمامي.
وبدا لي أن عليّ أن أعتاد على هكذا رحلات لأن العم عبدالرضا رجبي كان قد استشهد قبل سنوات تحت طائلة التعذيب.
وتكررت لحظات الحزن عليّ في استشهاد العم محسن دكمه جي وجعلني عنصرا لا قرار له.
وجدت العم محسن نحيفا وهزيلا بسبب عدم تلقيه العناية الطبية فيما كان ربعة القامة وقويا ولكنه مازالت محبته كانت تتوغل في أعماق داخلي وكانت سطوته تهز حتى أفراد الحرس.
هؤلاء كلهم كانوا ينادوني برسالة في آخر لحظات حياتهم. وفي تلك اللحظة استشعرت بأنني أتحمل مسؤولية على عاتقي لأكون صوتهم وشاهدهم وانعكاس نظرات الأعمام علي والأعمام محسن وهذا هو طموحي ومسؤوليتي الخطيرة.
عندئذ رأيت انني لا أستطيع، لا أستطيع أن أفكر في أحلامي فقط. أحلامي الملونة تشكل جانبا صغيرا من حياتي. انني مدينة بأسرتي وبالسجناء وبأعمامي الشهداء وفي نهاية الأمر بأبي المناضل لأنني حرة وطليقة.
عندما لدى بنات إيران أحلام كثيرة بعيدة المنال فان تحقيق أحلامي الفردية يعتبر أنانية. لذلك اني تركت، تركت تلك الرغبات الحقيرة أسوة بآلاف الأشرفيين الآخرين. وأصبح حلمي الكبير حلم إسعاد الأطفال لكي لا يعبروا اطلاقا ذلك النفق إلى سجن كوهردشت وأصبحت أمنيتي تحقيق أمنيات اولئك البنات والأطفال الذين يبيعون الحلويات في حارتنا.
الأخت العزيزة مريم،
صعب عليّ! أحسست أنه من الصعب عليّ أن أكون مثل «مهدية» فدبّ فيّ الخوف، ولكن سرعان ما وجدت في نظرتك وثقتك ومحبتك شعار «من المستطاع ويجب» نعم بالامكان ويجب القيام بذلك.
اني أحمل راية «مهدية» على عاتقي. واني أقسم هنا اليوم أمام الجميع بأني سأمضي قدما في مسلك خالتي وخالي الشهيدين وأبذل قصارى جهدي حتى آخر رمق من حياتي لكي أهدي الاحساس والعواطف الخالصة الصادقة دون أجر إلى الجميع وليس ببعيد ذلك اليوم كون المجاهدين هم احتلوا القلوب.
والآن وأنا واقفة أمام هذا الحفل الكريم، حشد من الساعين من أجل الحرية أسمع دوي صوت أبي حينما كان يقول: يا بريا اني ارتشفت من شراب عتيق وأنت لم تستنشق حتى رائحتها وصدق أبي في كلامه.
ومن هنا أوجه خطابي إلى كل السجناء المقاومين الذين كنت أراهم كل اسبوع من خلف الزجاجات الملطخة بالغبار وأقول اني تعلمت منكم، تعلمت أن الصمود والمقاومة هو اختيار وانتخاب لا يستطيع أحد أن ينتزعه منا. وأقول للأخ مسعود العزيز، اني بريا كهندل قد اتخذت قراري لأبقى مجاهدة وأعمل كمجاهدة وأموت مجاهدة. حاضرة، حاضرة، حاضرة.