يعيش حزب نداء تونس، الحزب الحاكم في البلاد، أزمة حقيقية، تهدّد بإمكانية انقسامه، من خلال صراع داخلي مستمرّ بين شقّين متباعدي التاريخ والرؤى المستقبلية.
الشقّ الأول، يمثله “اليسار” داخل نداء تونس، وعلى رأسه الأمين العام للحزب محسن مرزوق، والوزير المستقيل الأزهر العكرمي، ووزير الخارجية الطيب البكوش، والناطق الرسمي بوجمعة الرميلي، والقيادي عبدالمجيد الصحراوي، ومنذر بلحاج وبشرى لحاج حميدة، وغيرهم.
أما الشق الثاني، يمثل “الدساترة”، وهم يمثلون امتداداً لرؤية وسياسة الرئيس الأسبق لتونس، الحبيب بورقيبة، والتسمية تعود إلى “الحزب الدستوري”، الذي حكم خلال فترة بورقيبة، ويتزعم هذا الشق، نائب رئيس الحزب، حافظ قائد السبسي، (ابن الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي)، وقيادات أخرى من بينها رئيس كتلة الحزب في البرلمان، محمد الفاضل بن عمران، والمستشار في ديوان الرئاسة رضا بلحاج، وغيرهم.
اجتماع جربة
واجتمع حزب نداء تونس، يومي الجمعة والسبت الماضيين في جزيرة جربة، أو شقّ منه، اعتباراً إلى أنّ الاجتماع التأم في ظل غياب الأمين العام محسن مرزوق، وكذلك رئيس البرلمان محمد الناصر، والوزير المستقيل الأزهر العكرمي، وهو ما يؤكد أنّ الأزمة حقيقية، وقد تعصف بحزب نداء تونس، وتؤدي به إلى الانقسام.
وإذا كان حافظ قائد السبسي، قال: “إنهم يحاولون إنقاذ الحزب من التلاشي”، في هذا الاجتماع، فإن الوزير المستقيل الأزهر العكرمي، أكد بالقول: “لن نكذب على منخرطينا، فالحزب بصدد الانقسام”.
وأكد القيادي في نداء تونس، فوزي اللومي، أنّ اجتماع جربة، الذي دعا له حافظ قائد السبسي “غير رسمي وقراراته ملغاة”، داعياً إلى “مقاطعته”.
وفي ظل هذه التجاذبات، التي تحوم أساساً، حول قيادية الحزب، وزعامته، في ظل غياب باعثه، الباجي قائد السبسي، اختتم اجتماع جربة بجملة من التوصيات للهيئة التأسيسية، من أهمّها “دعوة الهيئة التأسيسية للانعقاد وتنظيم المؤتمر التأسيسي للحزب في ديسمبر/كانون الأول 2015، وتثبيت الهياكل الحالية التي ستنجز لاحقاً مؤتمراً انتخابياً”، إلى جانب “اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المخالفين لقانون الحزب، وتحديداً عضوي المكتب السياسي لزهر العكرمي وعبد المجيد الصحراوي”.
ضد التوريث
ويشيع الأمين العام محسن مرزوق، أنه يعمل ضد “توريث الحزب”، وذلك من خلال منع حافظ قائد السبسي من تصدّر قيادة الحزب في المؤتمر التأسيسي المنتظر التئامه في نهاية السنة الجارية 2015، ويعمل على رصّ صفوف المناصرين وتأليبهم ضد “التوريث”، وإعادة ملفّ اغتيال شكري بلعيد ومحمد الإبراهمي، إلى الواجهة، حتى أنّ الجبهة الشعبية (اليسار)، قرّر القيام بوقفة احتجاجية بعنوان “من قتل شكري والإبراهمي؟”، كل أسبوع، وإشاعة عجز الحكومة وانتشار الفساد.
ومن جانبه، يشيع الوزير المستقيل الأزهر العكرمي، أنّ الفساد ينخر البلاد وتتستّر عليه الحكومة، ما يجعل حلّها ضرورياً. فقد صرّح في أكثر من مناسبة، بعد استقالته من الحكومة، أنّه “غير قادر على محاربة الفساد في ظل وجود فاسدين”.
نحو الهاوية
واعتبر الوزير المستقيل، والقيادي في حزب نداء تونس، الأزهر العكرمي، إنّ اجتماع قيادات الحزب في جربة “تعميق للجرح”، مؤكداً على أنه “لن نكذب على منخرطينا فالحزب بصدد الانقسام.”.
وأضاف العكرمي، في تصريح لإذاعة موزاييك، “قمنا بما أمكن من التسويات، ولكن هناك رغبة في الاستفراد بالحزب والسيطرة عليه دون مؤسسات”، مشدداً على “وجود محاولة فرض ميزان قوى من خلال أعداد المناصرين في الاجتماعات”.
وأكد العكرمي، أنّ حزب نداء تونس “ماض في طريقه نحو الهاوية”، وأنّ “حافظ قائد السبسي يريد حلّ المكتب السياسي لعدم حصوله على أغلبية داخله”، منوّهاً بأنّ “رأس نداء تونس مطلوب”، وفق تعبيره.
لن تتوقّف
وهذا الوضع المتحرّك، يوحي بأنّ الحملة بين قياديي حزب نداء تونس، لن تتوقف إلاّ بتغلّب شقّ على آخر، ولو أنّ شق “الدساترة” الذي يمثله ابن السبسي، يبدو الأقرب إلى فصل الأزمة لصالحه، دون استبعاد خيار انقسام حزب نداء تونس إلى حزبين، حزب يساري، وحزب دستوري.
يجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأزمة، داخل الحزب الحاكم في تونس، سيكون لها آثار سلبية على سياسة الحكومة، وعلى رئاسة الجمهورية، اللتين لا يمكن أن تكونا معزولتين عن هذه الأزمة، اعتباراً إلى أنهما يضمّان وزراء في الشّقّين المتنازعين داخل نداء تونس.