تستمر قطع من القوات المسلحة الأمريكية والتركية في إجراء مناورات عسكرية برمائية في بحر إيجة، انطلاقاً من القاعدة البحرية التركية في قضاء فوتشا التابع لولاية إزمير جنوب غرب البلاد.
ومن المقرر أن تنتهي المناورات التي تشارك فيها بريطانيا وكوريا الجنوبية، بصفتهما دولتَين مراقبتَين، يوم الأربعاء القادم.
وتهدف المناورات إلى تطوير التعاون العسكري بين الحليفَين التقليديَين، وإجراء سيناريوهات مفترضة لعمليات إجلاء برمائية لمدنيين.
وسبق أن استضافت ولاية قونيا وسط الجمهورية التركية، مناورات عسكرية مشتركة بين القوات التركية والأمريكية، مطلع نيسان/إبريل الماضي.
وتندرج المناورات المشتركة بين أكبر جيشَين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضمن مساعي الدولتَين لتعزيز الحلف الإستراتيجي الذي يجمعهما.
وكانت نائب وزير الخارجية الأمريكية، ومسؤول الشؤون الأوروبية والأوراسية، فيكتوريا نولاند، وصلت في 19 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، إلى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة رسمية، لبحث آخر التطورات الأمنية والعسكرية في المنطقة.
وعادت العلاقات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية لتأخذ منحًى أكثر تناغماً عقب أعوام من التوتر، في ظل تخفيف مسؤولي البلدين من حدة لهجتهم تجاه الآخر، وإعادة أنقرة تقييم علاقاتها الخارجية عقب الانتكاسة التي مني بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 7 حزيران/يونيو الماضي.
وتظافرت عوامل عدة؛ داخلية وخارجية، لتفرض على الحكومة التركية، إجراء نقد ذاتي، وتجديد فتح قنوات دبلوماسية مع حلفائها الغربيين، ليغيب التشنج الذي كان سمة الخطاب التركي خلال الأعوام الماضية.
وشكلت مخاوف أنقرة من طموحات الأكراد السوريين على الحدود الجنوبية لتركيا، ودعم الولايات المتحدة، والكيان الإسرائيلي لهم، درساً للأتراك، بضرورة وقف التقارب مع الحلفاء الغربيين، وإعادة فتح القنوات الدبلوماسية غرباً.
ونال التعاون الذي أبدته أنقرة في “الحرب على الإرهاب” استحسان واشنطن، إذ أثنى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، مارك تونر، مطلع أيلول/سبتمبر الماضي، على المساهمات التي قدمتها تركيا، ضد تنظيم “داعش” في إشارة إلى توجيه تركيا ضربات للتنظيم المتشدد، والسماح للطيران الأمريكي باستخدام قاعدة “أنجرليك” الحساسة جنوب البلاد، لطلعاته الجوية.
وشهدت المرحلة الماضية فترة هدوء هش، شابه انقطاع دام لشهور، ولّد خلافات عميقة حيال أبرز القضايا العالقة؛ وعلى رأسها الأزمة السورية، إذ رفضت واشنطن رغبة أنقرة الملحة في إسقاط النظام السوري، وإقامة مناطق عازلة داخل سوريا.
ومنذ العام 2013، شهدت العلاقات تباعداً حول الملف المصري أيضاً، على خلفية دعم واشنطن للحكومة المصرية، التي يعاديها أردوغان، الداعم لحركة “الإخوان المسلمين” المحظورة في مصر.
وأياً كان توصيف التقارب الحالي بين واشنطن وأنقرة، فإن العلاقات الإستراتيجية على المدى الطويل، تفرض على الحليفَين التقليديَّين، التقارب، مهما اختلفت الرؤى التكتيكية الآنيّة.
فتركيا تُعدّ من أبرز دعائم السياسة الغربية في المنطقة، وهي الدولة المسلمة ذات الثقل الجغرافي والإقليمي والاقتصادي، وصاحبة ثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي (الناتو) والدولة المسلمة الوحيدة العضو فيه، التي طالما استثمرتها الولايات المتحدة لمواجهة المعسكر الاشتراكي، منذ أزمة الحرب الباردة في القرن الماضي، كما استثمرتها لتمرير سياساتها في المنطقة.