لم يكن مصطلح حكيم العرب لقبا للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان =، بقدر ما كان توصيفا لنهج وسلوك لازمه منذ أن كان حاكما للمنطقة الشرقية في إمارة أبوظبي وبعد أن أصبح حاكما للإمارة في عام 1966 وقبل أن يقود مسيرة البناء السياسي والتنموي لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة ابتداء من ديسمبر عام 1971 وحتى وفاته في الثاني من نوفمبر عام 2004.
كان الشيخ زايد رحمه الله رجل دولة بالفطرة، تعامل، مع المخاطر والتهديدات التي أحاطت بالتجربة الاتحادية، بحكمة ومسؤولية رجل الدولة. كان استشرافي النظرة، أدرك أن عناصر الوحدة، أرسخ وأقوى من ظروف المرحلة التي أحاطت بقيام الاتحاد. فاندفع بكل حماس وقوة لبناء الدولة غير آبه بما يحوط به من تحديات.
بنى دولة المؤسسات في عصر كان الأشخاص يختزلون الدول، ويفصلونها على مقاسهم، وتبعا لرؤاهم وطموحاتهم الشخصية. حتى إذا انتقل إلى جوار ربه، انتقلت السلطة انتقالا سلسا، واستمرت الحياة بالوتيرة التي رسمها، وبالشكل الذي أراد.
كان يتعامل مع الاتحاد باعتباره قدرا لا فكاك منه، في وقت كانت التجارب الوحدوية العربية تتعثر وتتهاوى تحت معاول الأنانية والتكالب على السلطان والجاه.
تحمل رحمه الله القريب الطامع، والبعيد الشامت، لكنه لم يفقد إيمانه بقدره، ولم يتراجع، أو يتردد. نظر البعض في المرحلة الأولى، إلى سياسته المتدرجة في بناء وترسيخ الاتحاد على أنها ضعف مآله التفكك، ليكتشفوا مع نضوج التجربة ورسوخها، أنهم كانوا يراهنون على الحصان الخاسر.
بنى من ثروة النفط، ثروة بشرية، لإيمانه بدور الإنسان وأهميته ويقينه بأن البشر أغلى ما تملك الأمم، وأعز ما لديها. نجح حيث فشل الآخرون، فكرس الثروة لخدمة الناس ووضعها في مشروعات ومؤسسات تكفل حقوق الأجيال المقبلة.
مارس رحمه الله التسامح بمعناه الشامل ليصبح الوطن الصغير عالما تتعايش فيه بأمن وأمان، شعوب من ملل وأعراق وأجناس شتى بشكل يفوق تعايش أبناء الشعب الواحد والدين الواحد والمذهب الواحد.
جعل من التنوع في المجتمع الإماراتي عنصر قوة في وقت كانت التحذيرات تتوالى من خطر التركيبة السكانية والتنوع في المكونات الاجتماعية والدينية. آمن بروح التسامح التي تجعل الخلق “شعوبا وقبائل” تتعارف وتتعاون، لا تتشاحن أو تتقاتل.
جعل من دولة الإمارات نموذجا نرد به على كل من يحاول ربط ديننا وموروثنا الثقافي والاجتماعي بالتعصب والتطرف.
نظر رحمه الله إلى محيطه الخليجي والعربي، باعتباره عمقا لوطنه الصغير وسياجا جامعا. ونظر لوطنه كرافد من روافد الوطن الكبير فلم يخذل أبناء أمته وكان يتقدم الصفوف في كل وقت.
كان صديقا للجميع، وكان رحمه الله بعيدا عن سياسة المحاور، ولم يكن طرفا في أي خلاف. كان نبيلا في تعاطفه ومحبته ، وكان نبيلا في خصومته أيضا. لم يعادي أحدا إلى درجه القطيعة، ولم يهادن آخر لدرجة التخاذل.
في الذكرى الحادية عشرة لرحيل الشيح زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الامارات وباني نهضتها الحديثة، نفتقد حكمته التي بنت وطنا نموذجيا تهفوا له الأفئدة وترنوا له الأبصار وتتطلع لمحاكاته الأمم.
في ذكرى رحيله نستذكر مواقفه القومية وعطاءه الإنساني الذي جعل منه علامة مضيئة في تاريخنا العربي والإسلامي، ومثلا عالميا على الانفتاح وقبول الآخر.
عزاؤنا فيما تركه من إرث ومواقف تنير درب الحكمة للأجيال المقبلة وعزاؤنا في من تسلم الأمانه بعده فكانوا على قدر المسؤولية وبحجم الأمل الذي زرعه الشيخ زايد رحمه الله في قلوب أبناء الإمارات ومن ورائهم ومعهم أبناء العالم العربي، لكي يكون يومنا أفضل من أمسنا وغدنا أفضل من يومنا.