لم يمض سوى 3 أسابيع تقريبا على هجمات الجمعة الارهابية في باريس، حتى نقلت وسائل الاعلام خبر هجوم مسلح في مدينة سان برناردينو في ولاية کاليفورنيا بالولايات المتحدة الامريکية و التي قتل من جرائها أكثر من 14 شخصا وأصيب 20 آخرون على الاقل، هذا الهجوم الذي حدث في مکان عام، يحمل من دون أدنى شك بصمات إرهابية واضحة خصوصا عندما نرى الضحايا أناسا مدنيين عزل، تماما کما حدث في باريس وفي الکثير من مدن المنطقة التي يهاجمها إرهابيون من تنظيمات و جماعات متباينة.
الهجمات الارهابية التي صارت اليوم الشغل الشاغل للبلدان الغربية وللبلدان العربية وللعالم بأسره خصوصا بعد التهديدات المستمرة التي صدرت خلال الاسابيع الاخيرة، يبدو واضحا من أنها باتت تکتسب ملامح وسمات خاصة بحيث تکاد أن تميل لتحديد الارهاب و حصره في تنظيم داعش خصوصا وفي الاسلام السني عموما، والغريب والاکثر إلفاتا للملاحظة والنظر هو أن هناك مساع وجهودا محمومة تبذل من أجل جعل الارهاب ذو شکل داعشي ومضمون سني، ولسنا نذيع سرا إذا ماقلنا إن الجهة التي تقف خلف هذه المساعي والجهود هي النظام الايراني بحد ذاته.
الحديث عن حصر الارهاب وتحديده بتنظيم داعش، هو مسعى مشبوه تماما ذلك أنه و بالعودة إلى کيفية ظهور وانطلاق وبروز داعش، نجد أن المسألة برمتها لها علاقة قوية جدا بالاحداث والتطورات في سوريا والعراق، خصوصا إذا ماعلمنا بأن داعش لم يکن له من وجود ودور قبل عام 2013، وقد ظهر وبرز بعد هذه السنة عقب الاوضاع الحرجة التي أحاطت بالنظام السوري، والاکثر غرابة أنه وفي فترة متقاربة من ظهور داعش هرب 1500 من المتطرفين المعتقلين في العراق في عهد نوري المالکي کما تم في سوريا إطلاق سراح المئات من المتشددين السنة في نفس الفترة وکلا المجموعتين الضخمتين شکلتا أساسا ونواة لتنظيم داعش، وکما نعرف فإن الحاکم المطلق في العراق وسوريا هو نظام ولاية الفقيه الإيراني ولذلك فإنه ليس من الممکن أن لايکون على إطلاع وبينة بکل تفاصيل و دقائق الامور.
إتساع دور داعش وبروزه کان کما نعلم جميعا على حساب المعارضة السورية الديمقراطية وهي خدمت النظام السوري کثيرا ذلك أنها جعلت المجتمع الدولي عموما والغرب خصوصا يتخوفون کثيرا من دعم المعارضة السورية بعد أن طغى عليها داعش، حيث أنه غيرت کثيرا من المعادلة القائمة على ساحة الاحداث في سوريا إذ وبدلا من النظام أم المعارضة الوطنية ، صارت المعادلة النظام أم تنظيم داعش! وبطبيعة الحال فإن هذا الامر قد خدم کما نرى النظام في سوريا و کان يصب لصالح السياسة الايرانية في سوريا خصوصا والمنطقة عموما.
الامر الذي يجب أن ننتبه إليه دائما وأن لاندعه يغيب عن بالنا أبدا هو: هل حقا أن الإرهاب منحصر ومحدد بداعش فقط؟ وهل أن التطرف والارهاب يختص به الاسلام السني كما يروج ويدعى؟! هذا يدفعنا لکي نتجاهل وعن عمد و قصد واضحين ماقد ارتکبته الميليشيات المسلحة التابعة لإيران في العراق من مجازر وجرائم إبادة بحق الطائفة السنية و التي وثقت الکثير منها منظمة العفو الدولية و رکزت عليها کجرائم ضد الانسانية، ناهيك عما ماارتکبته الميليشيات والعصابات المسلحة الاخرى في سوريا بحق المدنيين العزل من أبناء الطائفة السنية أيضا، وإن الاغرب من ذلك أن الشخص الذي يشرف على حملة حصر الارهاب بداعش والاسلام السني هو بنفسه کان وراء محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير(وزير الخارجية حاليا)، ولهذا فإنه ليس من المهم فقط وانما من الضرورة الملحة أيضا أن ننتبه جدا من الدوافع و الاهداف والغايات التي تختفي خلف حصر الارهاب بداعش والإسلام السني، وهنا لسنا في صدد الدفاع عن داعش وإنما نحن في صدد عدم التغطية على الإرهاب بشقيه الشيعي والميليشياوي و الحرس الثوري المنظم والموجه من قبل طهران، لأن العالم إذا مافعل ذلك فإنه لن يرتکب خطأ کبيرا فقط وإنما أيضا فاحشا لايمکن تحديد عواقبه أبدا.
*العلامة السيد محمد علي الحسيني
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.