تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى تحقيق تقارب بين القيادات اليمنية الجنوبية، من أجل الوصول إلى حل شامل للأزمة اليمنية، التي تشارك في حلها الإمارات إلى جانب دول التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية.
ومنذ أشهر من الآن وتحديداً عقب تحرير مدينة عدن، ومعظم المحافظات الجنوبية باليمن، من ميليشيات الحوثيين وقوات الرئيس السابق صالح، بدأت الإمارات بتحريك الملف السياسي إلى جانب الملف العسكري الذي تشارك فيه ضمن قوات التحالف العربي.
ووجهت الإمارات دعوة للقياديين في المقاومة الشعبية الجنوبية، عيدروس الزُبيدي وشلال علي شائع لاستقبالهما في أرضها، وظلا هناك لأكثر من شهر قبل أن يعودا مؤخراً إلى عدن.
وبحسب مصادر مقربة من القياديين الذين عُينا قبل يومين في مناصب هامة بعدن ، فقد كرست الإمارات جهودها لإيجاد أكبر تقارب بين القيادات الجنوبية سواءاً التي في الداخل أو تلك التي في المنفى.
زيارة البيض
ويوم الاثنين وصل الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض آخر رؤوساء دولة اليمن الجنوبي السابقة إلى الإمارات في أول زيارة يقوم بها للإمارات منذ خروجه من اليمن، بعد الحرب الأهلية المعروفة يمنياً بحرب الانفصال.
فيما يتواجد في أبوظبي، القيادي في الحراك الجنوبي، عبدالرحمن الجفري رئيس الهيئة الوطنية الجنوبية للتحرير والاستقلال .
وقد التقى البيض يوم الثلاثاء الماضي، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش في مقر وزارة الخارجية بأبوظبي في لقاء رسمي بحث تطور الأحداث على الساحة اليمنية بشكل عام وعلى الساحة الجنوبية خصوصاً.
ويقول المحلل السياسي اليمني، منصور صالح في تصريح لشبكة إرم الإخبارية، إن زيارة البيض لأبوظبي تترجم توجهات دولة الإمارات وجهودها لوضع الحلول العملية والفعلية للأزمة اليمنية، والتي تمثل القضية الجنوبية أهمها وأبرزها، وتدرك الإمارات أنه لا استقرار ولا أمان في اليمن مالم تحل هذه القضية حلا عادلا يرتضيه شعب الجنوب.
وأضاف منصور، أن دولة الإمارات تسعى إلى الاستماع إلى رؤى كل القوى السياسية الفاعلة وتحاول توحيد مواقف هذه القوى، للوصول إلى الحل المنشود، ومن الطبيعي أن أي حل للقضية الجنوبية، “لا بد أن يكون بموافقة الحراك الجنوبي بزعامة البيض، بصفته الحامل السياسي للقضية الجنوبية وهو من أبرزها إلى العلن، وقاوم في سبيل ذلك كل أوجه القمع من السلطات اليمنية لأكثر من سبع سنوات.”
ولفت منصور إلى أن الإمارات توصلت إلى الحقيقة التي يجهلها أو يحاول الآخرون تجاهلها، وهي أن الحراك الجنوبي برئاسة البيض هو الفصيل الأقوى في الساحة الجنوبية ولا يمكن لأي حلول تعالج القضية الجنوبية ومهما كانت، وأن يكتب لها النجاح ما لم تحظ بمباركة البيض والحراك الجنوبي، حيث أثبت البيض وخلال سنوات عديدة بأنه الزعيم الأكثر تأثيرا في الشارع الجنوبي لثبات مواقفه ومطالبه التي تتضمن مطالب معظم الجنوبيين.
وأوضح أن سير دولة الإمارات العربية المتحدة في اتجاه البحث عن حلول عبر بوابات يمثلها البيض والحراك الجنوبي (المقاومة الجنوبية)، هو النهج الصحيح لتفكيك عقدة المشكلة اليمنية وملامسة الجوهر الحقيقي للمشكلة، والبحث في الحلول الجذرية لها، ودون شك أن الرئيس يدرك مصداقية دولة الإمارات في هذا الاتجاه، وبالتالي فإنه سيكون أكثر طمأنينة في التعامل معها والتجاوب الإيجابي مع الأفكار المقدمة للحل.
وزار البيض المملكة العربية السعودية خلال شهر أبريل الماضي، أثناء الحرب الأخيرة التي دفعت بدول خليجية وعربية إلى إنشاء أول حلف عربي لمواجهة المد الشيعي، وإعادة الشرعية إلى اليمن ، وفي الرياض التقى البيض بعدد من المسؤولين هناك من ضمنهم نائب الرئيس رئيس الوزراء خالد بحاح .
لكن البيض عاد مجدداً إلى العاصمة العمانية مسقط للمكوث فيها مرة أخرى، بعد مغاردته لها في العام 2009 ليعلن من أوروبا انضمامه للحراك الجنوبي وتبني مطالبه بفك ارتباط الوحدة واستعادة الدولة الجنوبية السابقة التي توحدت مع اليمن الشمالي في مايو 1990 .
انفتاح إماراتي
ويقول الكاتب والسياسي اليمني، عبدالرحمن الخضر، “لاشك أن زيارة البيض لدولة الإمارات في هذا التوقيت والظروف السياسية التي تمر بها المنطقة لها مدلولاتها السياسية وخاصة تجاه القضية الجنوبية”.
وأشار إلى أن الزيارة تأتي متزامنة مع موقف الإمارات تجاه اليمن بشكل عام والجنوب خاصة، مؤكداً أن القيادة السياسية في دولة الإمارات تلعب دورا إيجابيا تجاه الجنوب من حيث ما تقدم من دعم سخي لشعب الجنوب، لاسيما وأن الدم الإماراتي اختلط بالدم الجنوبي باليمن.
وأضاف الخضر لشبكة إرم الإخبارية، أن الإمارات ساهمت قبل أشهر بمحاولة للملمة القيادات الجنوبية، لكن تعثرت تلك الجهود وحدثت الحرب الأخيرة والانقلاب على شرعية الرئيس هادي.
وأوضح الخضر أنه قابل البيض في الرياض ودار حديث مطول بينهما، أكد فيه البيض أنه لن يتنازل عن مطالب الجنوبيين بالاستقلال، مشيراً إلى أن موقفه ثابت ولم يتغير وهو ما تم إبلاغه للقيادة السعودية حينها، لافتاً إلى أن القيادة الإماراتية تسعى إلى تبني مشروع حل سياسي عادل للقضية الجنوبية التي تعد أبرز القضايا السياسية الهامة والشائكة في اليمن.
وقال ” بالتأكيد إن زيارة البيض اليوم للإمارات؛ ماهي : إلا مرحلة أو محطة أخرى ، مقرها دولة الإمارات العربية المتحدة ، التي لها اليوم حضورسياسي وعسكري متميز في اليمن عامة والجنوب بشكل خاص.
ويوم الأربعاء التقى علي سالم البيض بصديقه عبدالرحمن الجفري في أبوظبي، وتناقشا حول مجمل القضايا على الساحة اليمنية في الجنوب والحلول المناسبة لإعادة الأمن والاستقرار في عدن، وبقية المحافظات الجنوبية المحررة.
وقال مصدر مقرب من اللقاء، إن القياديين البيض والجفري كانا ثابتين على موقفهما من القضية الجنوبية والمطالب الشعبية بإستقلال الجنوب عن الشمال اليمني لضمان أمن وإستقرار المنطقة برمتها.
وأكدت مصادر سياسية مطلعة لشبكة إرم الإخبارية، أن الإمارات تعتزم تنظيم مؤتمر شامل للقيادات الجنوبية في الداخل والخارج في سبيل جهودها للم الشمل وتوحيد الرؤى السياسية وبلورة المطالب الشعبية.
وكان علي سالم البيض، آخر رؤساء دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة، وهو من وقع اتفاقية الوحدة بين دولتي اليمن مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في 22 مايو 1990 ، لكن الأخير شن حربا على الجنوب وقيادات الحزب الإشتراكي حينها في العام 1994 انتهت باجتياح الجنوب وإنهاء الوحدة الطوعية السلمية بين البلدين وهروب قيادات الجنوب السياسية للمنفى.
وقال المحلل السياسي اليمني صلاح السقلدي “لا شك أن لقاء البيض بالدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية الثلاثاء، يُـعدّ انفتاحا كبيرا من الإمارات حيال القضية الجنوبية، وكسرا واضحا للتحفظ الخليجي الذي ظل قائما تجاه الجنوب منذ الحرب اليمنية في عام 1994.”
وأضاف “هذا التطور على الجبهة السياسية للقضية الجنوبية لا شك أنه أتى على خلفية الانتصارات العسكرية التي حققها الجنوب على القوات اليمنية التابعة لجماعة أنصار الله الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي صالح بالجنوب بدعم خليجي، وإماراتي على وجه الخصوص، وما تلاها من أعمال متميزة تقوم بها دولة الإمارات بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها وبالذات بالجانب الخدمي في عدن وبعض المناطق الجنوبية الأخرى”.
وأوضح السقلدي، أن الإماراتيين لمسوا تعاون وجدية جنوبية في إقامة دولة مدنية عصرية لا تتنازعها الجماعات ولا يتجاذبها التطرف وأحزاب الإسلام السياسي.
وقال إن الاهتمام الإماراتي بجنوب اليمن يعتبر فرصة سانحة لقيادة الجنوب لاقتناص هذه الفرصة والاستفادة منها لمصلحة قضية الجنوب على مستوى الساحة الإقليمية والدولية وهي رئة غاية في الأهمية؛ يمكن للجنوبيين أن يتنفسوا من خلالها بعد سنوات من الكبت والكتم المضني على حد قوله.
توجه مدني طارد للتشدد
وحول انتشار الإرهابيين مؤخراً في عدن، قال السقلدي لا أميل كثير إلى التفسير الذي يقول إن التقارب الجنوبي الإماراتي نابع من الخشية الإماراتية من الخطر الذي تشكله جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات المتشددة ، مع أن هذا التهديد قائم بالفعل على معظم الدول ذات التوجه المدني المعتدل والبيئة الطاردة للإرهاب والتشدد كدولة الإمارات والجنوب اليمني.
ولفت السقلدي إلى أن هذا التقارب له أبعاد أخرى؛ تربطه مصالح مشتركة بين الطرفين – الجنوب والإمارات- تقف على أرضية التشابه الكبير بين طبيعة المجتمعين المدنيين الإماراتي والجنوبي.
ومع كل ذلك، فإن الإمارات كانت ولازالت أكثر تفاعلاً مع الملف العسكري والسياسي في اليمن برمته، فقد استقبلت أبوظبي قبل أسابيع عددا من القيادات العسكرية والقبلية من محافظة مأرب، بحثت معهم سبل تعزيز الأمن والحفاظ على الإنجازات التي تحققت في المحافظة بعد تحريرها من الميليشيات الانقلابية.
وتسعى الإمارات إلى محاربة الإرهاب والتطرف في اليمن؛ الذي تشكل أجزاء واسعة منه بيئة خصبة لهذه الجماعات، لاسيما وأن اليمن تعتبر صمام أمان للمنطقة برمتها نتيجة لموقعها الجغرافي الهام الذي يحتل موقعاً استراتيجياً في جنوب شبه الجزيرة العربية حيث مضيق باب المندب وهو طريق الملاحة المهم في المنطقة العربية.