تعيش الجزائر على وقع صراع وتراشق سياسي محتدم بين أجنحة الحكم فيها، بعد سفر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لفرنسا للعلاج.
ورغم انشغال الجيش الجزائري بإطفاء لهيب الحدود ومحاربة الإرهاب المتأتي من دول الجوار، إلا أن بعض السياسيين لم يجدوا حرجًا في توظيف مفردات الحرب و السعي لإقحام القوات المسلحة في الصراع المحتدم على السلطة، بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبعض الجنرالات المتقاعدين ، الذين عارضوا ترشحه لولاية رابعة في انتخابات شهر أبريل/نيسان 2014.
فبعد نداء الزعيمة اليسارية لويزة حنون لتكون رسالة الفريق توفيق مدير المخابرات السابق، “حبة رمل لتوقيف آلة الدمار”، وقع السياسي ووزير التجارة السابق نورالدين بوكروح عريضة ،دعا فيها الجنرالات المتقاعدين والمعزولين إلى التكتل لتغيير نظام الحكم بهدف “إنقاذ الجزائر” وفق رؤيته.
ولفت مراقبون إلى أن المرشح الرئاسي السابق، الذي أشركه الرئيس بوتفليقة في الحكومة خلال السنوات الأولى من وصوله إلى السلطة، أقحم في دعوته اسم الرئيس المستقيل ووزير الدفاع السابق اليمين زروال، ليكون أبرز الجنرالات الذين يقفون بالمرصاد لحكم بوتفليقة.
وفي معرض تعليقه على تصريحات “عسكرية” مناهضة لمنطوق القضاء العسكري الذي حاكم الجنرال “حسان” مدير دائرة مكافحة الإرهاب بجهاز المخابرات سابقا، وجّه بوكروح دعوة صريحة لوزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار و مدير المخابرات المعزول الجنرال توفيق، لمواصلة “الرفض” إلى ما لا نهاية بعدما تجاوزا حاجز الصمت وانتقدا علنــًا النظام الحالي.
ويرى مراقبون إن دعوة بوكروح لتحرك الجنرالات المعزولين ضد الرئيس الحالي، ليست بريئة لأن صاحب الكتابات المثيرة للجدل كان ينتظر استدعاءه للحكومة مجددا خلال الولايتين الثانية والثالثة لبوتفليقة، وحين تيقن أن ذلك لن يحدث حتى في الولاية الرابعة ؛ قرر توجيه دعوته للجنرالات الذين سبق له التعامل معهم.
واعتبر رئيس الهيئة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان (هيئة دستورية تتبع رئاسة الجمهورية وتقدم للرئيس استشارات وتقارير دورية) أن اعتبر تصريحات وزير الدفاع السابق خالد نزار المنددة بأحكام قضائية، انحرافًا خطيرًا من مسؤول عسكري قد يؤثر على سير العدالة الجزائرية.
وكان وزير الإعلام الجزائري حميد قرين قد وجه انتقادًا لاذعًا، لتصريحات أدلى بها قائد المخابرات العسكرية السابق الجنرال توفيق، معتبرًا إياها “عنفًا لفظيًا صدر عن مسؤول يعرف جيدًا معنى واجب التحفظ”، وهو أول رد رسمي عن الرسالة المثيرة التي شكلت حدثًا غير مسبوق في الإعلام لرجل الظل بعد ربع قرن من إدارته أقوى أجهزة الاستخبارات في المنطقة.
ورغم أن الفريق محمد الأمين مدين في ختام رسالته التي خرج بها لأول مرة إلى العلن عبر الصحافة المحلية، قد طلب عدم تأويل كلامه و إخراجه عن سياقه و تحميله أكثر مما يجب، إلا أن بعض السياسيين لم يتخلفوا عن تهويل الرسالة و هناك من ارتكز عليها للضغط على الرئيس بوتفليقة على غرار زعيمة اليسار لويزة حنون و السياسي الذي يصفه نفسه “مجددًا” نورالدين بوكروح.
و في خضم هذا الصراع المحتدم على وقع مفردات الحرب بين أطراف الأزمة السياسية، يغيب صوت الحكمة والتهدئة تاركًا المجال فسيحًا لعبارات العنف والهجوم و إرباك الخصم ، في مشهد لم يألفه الجزائريون حتى في عزّ سنين الجمر والدموع التي كادت تعصف خلال عشرية التسعينيات بكيان الدولة من الوجود.