ظلت استراتيجية الإدارة الأمريكية تجاه النظام السوري لبشار الأسد محلاً للنقد والتقييم سواء من داخل فريق باراك أوباما أم من الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة.
وبدت السياسة في جوهرها متناقضة، فواشنطن منذ قرار النظام السوري استخدام الحل الأمني ضد المتظاهرين، أكدت على ضرورة رحيل الأسد الذي فقد شرعيته ولم يعد له دور في سوريا المستقبل، ومن جهة أخرى رأت في رحيله معضلة لأن البديل عنه هم الجهاديون.
وهناك بعد آخر في التناقض الأمريكي وغياب الرؤية الواضحة حول سوريا هو الطريقة التي تعاملت بها مع حلفاء الأسد خاصة روسيا والصين.
فمنتقدو الإدارة من داخلها، ومن بينهم ضباط في هيئة الأركان المشتركة انتقدوا تركيز أوباما على فلاديمير بوتين حليف الأسد، حيث ظل الرئيس على ما يبدو أسير شروط الحرب الباردة ولم يعدل من الموقف الأمريكي ليتساوق مع موقف الروس والصينيين حول التهديد الذي بات يمثله «تنظيم الدولة» على الجميع ولهذه الاسباب يجب التخلص منه.
وقد فتح الموقف الأمريكي المتناقض بابا للتمرد كما يقول الصحافي الأمريكي الاستقصائي سيمور هيرش في مقال موسع كالعادة نشرته مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس» والذي أعاده إلى عام 2013 عندما حذر تقرير سري للغاية أعدته وكالة الاستخبارات العسكرية (دي إي أي) وهيئة الأركان المشتركة بقيادة الجنرال مارتن ديمبسي من الفوضى التي ستنشأ في حالة انهيار النظام السوري مما سيفتح المجال لتولي الجهاديين السلطة في سوريا، كما حدث في ليبيا.
ونقل الكاتب عن مستشار سابق لهيئة الأركان المشتركة قوله إن الوثيقة كانت تقييماً «شاملاً» واستندت على معلومات جمعت الإشارات والساتلايت والمخبرين وقدمت رؤية قاتمة حول اصرار أوباما المستمر على تسليح المعارضة «المعتدلة». خاصة أن وكالة الإستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) بدأت قبل عام تقريبا عملية شراء للسلاح والبضائع بالتعاون مع بريطانيا والسعودية وقطر من ليبيا ونقلها عبر تركيا إلى سوريا.
وتحدث التقرير عن تركيا بالذات كونها عقبة أمام تطبيق سياسة أوباما في سوريا، وكيف تحول برنامج تسليح المعارضة المعتدلة إلى عملية لوجيستية واسعة وتسليح شملت كل الفصائل بما فيها الجماعات المتشددة مثل جبهة النصرة.
وقلل التقرير من فكرة المعتدلين الذين قال إنهم تبخروا ومن تبقى من الجيش السوري الحر انتقل إلى تركيا.
وأكد الجنرال مايكل فلين، مدير وكالة الإستخبارات العسكرية ما بين 2012- 2014 أن وكالته أرسلت عددا كبيرا من الرسائل السرية حذرت فيها من مخاطر الإطاحة بنظام الأسد. وقال إن الجهاديين يسيطرون على المعارضة السورية وأن تركيا لم تكن معنية بنمو «تنظيم الدولة» في داخل سوريا.
وقال إن تقارير وكالته لم تحظ بردود إيجابية من إدارة أوباما «شعرت أنهم لم يكونوا يريدون الاستماع للحقيقة». وبحسب مستشار هيئة الأركان المشتركة «لم تكن سياستنا لتسليح المعارضة ضد الأسد ناجحة بل وتركت آثارا سلبية».
وكان موقف هيئة الأركان هو عدم استبدال الأسد بالأصوليين. وفي الوقت نفسه اتسمت سياسة الإدارة بالتناقض، فهي تريد رحيل الأسد ولكن المعارضة يسيطر عليها المتطرفون فمن نريد أن يتولى السلطة؟ وهو ما اعتبرته هيئة الأركان المشتركة تحديا مباشرا لسياسة أوباما.
قنوات سرية
ولهذا قامت في خريف عام 2013 باتخاذ خطوات ضد المتطرفين بدون المرور عبر القنوات السياسية ومن خلال تقديم معلومات استخباراتية لجيوش الدول الأخرى على أمل أن تصل هذه المعلومات للجيش السوري كي يستخدمها ضد العدو المشترك المتمثل بـ»جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة». وهذه الدول الثلاث هي ألمانيا وإسرائيل وسوريا.
ويتساءل هيرش عن سبب اختيار هذه الدول، ويجيب أن ألمانيا معنية بمخاطر توسع تنظيم «الدولة» على سكانها المسلمين البالغ عددهم 6 ملايين نسمة، أما إسرائيل فهي قلقة على الحدود بينها وسوريا فيما تعتبر روسيا الحليف القوي للأسد ولديها مصالح عسكرية على الشاطئ السوري.
ويؤكد المستشار لهيئة الأركان «لم يكن في نيتنا الانحراف عن سياسة أوباما المعلنة و»لكن نقل تقييماتنا عبر العلاقة العسكرية- العسكرية مع دول أخرى ربما كانت مثمرة. فمن الواضح أن الأسد كان بحاجة إلى معلومات أمنية تكتيكية ونصائح عملياتية».
واعتقدت هيئة الأركان المشتركة أنه في حال التصدي لهذه الاحتياجات فسيتم تعزيز القتال ضد الإرهاب الإسلامي، ولكن أوباما لم يكن يعرف ما تقوم به هيئة الأركان المشتركة في كل ظرف وهذا هو حال كل الرؤساء الأمريكيين».
ويواصل هيرش قائلاً إنه مع بداية تدفق المعلومات الأمنية من إسرائيل وألمانيا وروسيا حول مواقع الجهاديين وخططهم إلى الجيش السوري.
ولم تكن العملية مجانية بل مقابل تقديم الجيش السوري معلومات حول قدراته العسكرية وخططه. وفي عملية نقل وتبادل المعلومات لم يكن هناك اتصال مباشر بين الأمريكيين والسوريين.
وبحسب المستشار «قدمنا معلومات بما فيها تحليلات شاملة عن مستقبل سوريا أعدها متعهدون أو الكليات الحربية. ولهذه الدول الحرية باستخدامها بالطريقة التي تريد بما في ذلك إشراك الأسد بها. وكنا نقول للألمان وغيرهم: هذه بعض المعلومات المهمة والتي تخدم مصالحنا المشتركة».
وربما استنتجت هيئة الأركان المشتركة أن شيئا مفيدا قد يخرج منها، لكنها كانت تعبيرا عن تعاون بين مؤسسات عسكرية وليست خطة شريرة للتحايل ودعم الأسد من وراء ظهر أوباما بل «كانت خطة أذكى، ففي حال استمر الأسد في السلطة فليس لأننا دعمناه بل لأنه كان ذكيا واستخدم المعلومات الأمنية والنصائح المفيدة التي قدمناها للآخرين».
علاقات مضطربة
وفي هذا السياق يتحدث هيرش عن العلاقات الأمريكية – السورية التي طبعت بالعداء في العقود الماضية.
ورغم شجب الأسد لهجمات إيلول/سبتمبر 2001 لكنه عارض الغزو الأمريكي للعراق وهو ما دفع جورج دبليو بوش لربطه بمحور الشر «العراق- إيران- كوريا الشمالية».
وتظهر تسريبات ويكيليكس لبرقيات وزارة الخارجية الأمريكية أن إدارة بوش حاولت نشر عدم الاستقرار في سوريا واستمرت هذه الجهود في سنوات أوباما.
وأشار الكاتب إلى برقية كتبها ويليام روباك عام 2006 الذي كان مسؤولا عن السفارة الأمريكية في دمشق وتحدث فيها عن «مظاهر الضعف» في النظام السوري واقترح طرقا لاستغلالها مثل العمل مع السعودية ومصر على مفاقمة التوتر الطائفي والتركيز على جهود السوريين ضد الجماعات المتطرفة- الكردية والفصائل السنية بطريقة «تقترح ضعفا وعلامات عدم الاستقرار وتأثيرات لا يمكن السيطرة عليها».
وأكد روباك على أهمية التركيز على «عزلة سوريا» ودعم أمريكي لجبهة الإنقاذ الوطنية التي يتزعمها نائب الرئيس المنشق عبد الحليم خدام والمدعومة من السعودية والإخوان المسلمين.
وأظهرت برقية من عام 2006 أن السفارة أنفقت 5 ملايين دولار لدعم مرشحين مستقلين لمجلس الشعب السوري.
وحذرت برقية عام 2010 من تمويل أمريكا لقناة تلفزيونية معارضة في لندن حيث ستنظر إليها دمشق كـ»عملية سرية موجهة ضد النظام».
ورغم ذلك فهناك تاريخ من التعاون السري بين البلدين خاصة في محاربة «القاعدة» بعد هجمات 9/11 فقد كان «بشار ولسنوات مساعدا لنا».
في عام 2002 أمر الأسد المخابرات السورية بتسليم مئات الملفات الداخلية عن نشاطات الإخوان المسلمين في سوريا وألمانيا للأمريكيين. وفي نهاية ذلك العام أحبطت المخابرات السورية هجوما للقاعدة على المقر الرئيسي للأسطول الأمريكي الخامس في البحرين. ووافق الأسد على تقديم اسم مخبر عن «القاعدة» لـ»سي آي إيه».
واتصلت هذه مباشرة مع المخبر دون استشارة من السوريين، فرفض وقطع علاقته معهم فيما بعد. كما وسلم النظام السوري أقارب لصدام حسين لجأوا إلى سوريا. وفتح الأسد مثل حلفاء أمريكا في مصر والأردن وتايلاند سجونه لاستقبال وتعذيب معتقلي «القاعدة».
وبناء على هذا التاريخ من التعاون كان من الممكن لهيئة الأركان المشتركة التعاون بطريقة غير مباشرة مع الجيش السوري ولكن بشروط.
شروط
وتشمل الشروط أولا ـ قيام النظام السوري بضبط حزب الله ومنعه من الهجوم على إسرائيل. ثانياـ فتح المفاوضات من جديد مع إسرائيل لتسوية ملف الجولان. ثالثا ـ على نظام الأسد الموافقة على استقبال مستشارين روس وغيرهم ورابعا ـ الموافقة على عقد انتخابات حرة بعد نهاية الحرب ومفتوحة للجميع.
ويقول المستشار «حصلنا على رد إيجابي من الإسرائيليين الذين استعدوا لتنفيذ الفكرة ولكنهم كانوا يريدون معرفة رد فعل إيران وسوريا».
وبحسب مستشار للكرملين لشؤون الشرق الأوسط أخبر هيرش عام 2012 «أخبر الروس أنه لن يتخذ قرارا فرديا بدون الرجوع للجيش والطائفة العلوية. وأن الأسد كان يخشى من موافقة إسرائيل وعدم التزامها بالصفقة».
ومع ذلك اتصل النظام السوري بعد معاناته من انشقاقات في جيشه وعبر الروس مع إسرائيل وعرض عليها التفاوض حول الجولان ورفض طلبه. ذلك أن الإسرائيليين كانوا يرون أن «الأسد انتهى» وأنه «يقترب من نهايته».
وقال المستشار لهيرش إن الأتراك نقلوا نفس الفكرة لموسكو. وفي منتصف عام 2013 شعر السوريون أنهم تعدوا الأزمة ولهذا أرادوا الحصول على تأكيدات حول مساعدة الأمريكيين والآخرين لهم. ويقول المستشار إن هيئة الأركان المشتركة حاولت في البداية التعرف على ما يحتاجه الأسد كإشارة عن حسن النية.
فجاءت الإجابة من خلال صديق للأسد «أرسلوا لي رأس بندر» أي بندر بن سلطان الذي كان مسؤولا للأمن القومي السعودي ومن الداعين للإطاحة بالأسد، لكن هيئة الأركان المشتركة لم تكن مضطرة للرد على طلبه. واستقال بندر العام الماضي من منصبه ومع ذلك لا تزال الرياض من المزودين الكبار للمعارضة السورية.
وتقدر المخابرات الأمريكية ما قدمته السعودية لهم العام الماضي بقيمة 700 مليون دولار. وفي تموز/يوليو 2013 وجدت هيئة الأركان وسيلة أخرى كي تظهر للأسد جديتها لمساعدته.
وفي هذه الفترة كانت «سي آي إيه» تقود عملية لنقل الأسلحة من ليبيا عبر تركيا إلى المعارضة السورية، وبدأت العملية بعد مقتل القذافي في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2011 إلى إيلول/سبتمبر 2013، وأدارها الملحق التابع لـ»سي آي إيه» في بنغازي.
وأظهرت وثائق أن السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز الذي قتل في 11 إيلول/سبتمبر 2011 التقى مع ممثل «سي آي إيه» في بنغازي وقابل قبل وفاته مسؤولين في شركة خدمات المرفأ للملاحة والخدمات البحرية ومقرها في طرابلس وكانت معروفة لدى هيئة الاركان المشتركة بكونها الجهة التي تشحن السلاح إلى سوريا. ولا شك أن تدفق السلاح الليبي خلق مشكلة لنظام الأسد.
ويقول المستشار الذي اعتمد عليه هيرش «لم تكن هناك أي طريقة لوقف شحنات أسلحة أمر بها الرئيس». وكان المخرج هو إقناع «سي آي إيه» بالبحث عن مصدر للأسلحة رخيص ومن تركيا التي تعتبر أقرب إلى سوريا من ليبيا.
ويقول المستشار «عملنا مع الأتراك الذين نثق بهم ولم يكونوا موالين لاردوغان وطلبنا منهم شحن أسلحة انتهت صلاحيتها للجهاديين، بما فيها بنادق أم1 كارباين التي لم تر منذ الحرب الكورية وأسلحة سوفييتة قديمة، وكانت رسالة للأسد يمكن أن يفهمها: لدينا القدرة لتعطيل سياسة الرئيس في مسارها».
مرحلة حرجة
ويقول هيرش إن تدفق المعلومات الأمنية وشحن أسلحة منتهية الصلاحية جاءت في وقت حرج للنظام السوري حيث عانى من خسائر في ربيع عام 2013 ضد «جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات المتشددة وفشل في الحفاظ على مدينة الرقة، ولم تنجح الغارات ولا القصف المدفعي في منع سقوطها بيد المعارضة وعندها قرر الجيش الإنسحاب منها وغيرها من المواقع الضعيفة وذات الكثافة السكانية القليلة والتركيز على حماية المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق بالإضافة لحماية الطرق التي تربطها مع اللاذقية.
ومع استعادة النظام زمام المبادرة، زادت السعوية وتركيا وقطر دعمها للجماعات السورية واستطاعت جبهة النصرة تحقيق تقدم في نهاية عام 2013 خاصة في المناطق الحدودية مع العراق.
ولكن الجماعات غير الجهادية وجدت نفسها مع بداية عام 2014 تقاتل حربا خاسرة مع الجهاديين حيث سيطر تنظيم «الدولة» على مدينة الرقة. ورغم سيطرة الأسد على نسبة 80% من السكان إلا أنه خسر مساحات واسعة من البلاد. وفي الإطار نفسه ظهرت علامات الفشل على برنامج «سي آي إيه» لتدريب المعارضة في الأردن.
وكان معسكر التدريب «سي آي إيه» في الأردن وتحت إدارة العشائر السورية. وهناك شكوك بأن من سجلوا للتدريب هم في الحقيقة قوات نظامية سورية ولكن بدون الزي.
وقد حدث هذا من قبل عندما دخلت عناصر من الميليشيات الشيعية لمعسكرات التدريب الأمريكية والدخول في الجيش العراقي.
وبالإضافة للبرنامج في الأردن بدأت البنتاغون برنامجا للتدريب في تركيا ولم ينتج سوى «أربعة أو خمسة أشخاص» لقتال الجهاديين فيما انشق 70 من الذين دخلوا إلى سوريا لجبهة النصرة.
لقاء استخباراتي
في كانون الثاني/يناير 2014 دعا جون برينان، مدير «سي آي إيه» قادة مخابرات الدول العربية ومن الشرق الأوسط للقاء سري عقد في واشنطن. وكان يهدف منه إقناع السعوديين بالتوقف عن دعم المقاتلين السوريين. ونقل عن المستشار لهيئة الأركان «أخبرنا السعوديون أنهم مستعدون للاستماع».
ولهذا جلس الجميع للاستماع لبرينان لإخبارهم أن عليهم دعم المعتدلين والتوقف عن دعم «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة». ويقول المستشار إن رسالة برينان تم تجاهلها واستمرت السعودية بدعم المتشددين. ويناقش المستشار إن السعوديين لم يكونوا هم المشكلة فقط بل وتركيا التي يقول إنها دعمت «جبهة النصرة» لسنوات.
وقال «كان بإمكاننا معالجة أمر السعوديين، ويمكننا التصدي للإخوان. ويمكنك المناقشة أن مستوى القوة في الشرق الأوسط يقوم على الدمار المتبادل بين إسرائيل وبقية المنطقة، ويمكن لتركيا أن تشوش ميزان القوة هذا، وهذا هو حلم أردوغان. وطلبنا منه إغلاق خطوط تدفق المقاتلين الجهاديين إلى تركيا، ولكنه يحلم بإعادة حلم الإمبراطورية العثمانية».
روسيا
ويشيرهيرش للعلاقات العسكرية الأمريكية ـ الروسية والتي تطورت في مرحلة ما بعد انهيار الإتحاد السوفييتي حيث ساعدت واشنطن بعد عام 1991 موسكو على تأمين مجمعاتها النووية وأنفقت مليارات الدولارات على هذا العمل، منها عملية سرية للتخلص من أسلحة مخصبة باليورانيوم كانت مخزنة في مكان غير آمن في كازاخستان.
واستمر التعاون في هذا المجال على مدار العقدين الماضيين. وفي أثناء الحرب الأمريكية في أفغانستان سمحت روسيا للطائرات المحملة بالمعدات والأغذية باستخدام الأجواء الروسية.
وقدمت موسكو معلومات عن مكان وجود أسامة بن لادن وساعدت في التفاوض والسماح لأمريكا باستخدام قاعدة عسكرية في قيرغيزستان. وبالنسبة للحرب السورية فقد كان التعاون بين هيئتي الأركان الروسية والأمريكية طوال الحرب.
فقبل تقاعده في آب/أغسطس زار مارتن ديمبسي مقر القوات الايرلندية وأخبر من حضر المناسبة أنه ظل على علاقة مع نظيره الروسي الجنرال فاليري جيرارسيموف.
وعندما يتعلق الأمر بـ»تنظيم الدولة» فهناك أرضية مشتركة بين البلدين فهناك عدد من قادة التنظيم قاتلوا الروس في أفغانستان وفي حربي الشيشان التي بدأت عام 1994.
ويقول مستشار هيئة الأركان «تعرف روسيا قيادة تنظيم الدولة» ولديها رؤية حول تقنيته القيادية ولديها الكثير من المعلومات الأمنية حولها.
ونقل هيرش ما قال له مستشار سابق للبيت الأبيض قبل 9/11 حيث ذكر أن «بوتين كان يقول لنا دائما: لدينا نفس الكوابيس في أماكن مختلفة» وكان يشير إلى مشكلة الخلافة في الشيشان وبداية مشكلتنا مع «القاعدة». وبعد هجمات باريس وتحطم الطائرة الروسية فوق سيناء «فمن الصعب أن نتجاهل أنه أصبح لدينا الكوابيس ذاتها في نفس الأماكن».
ورغم كل هذا فلا تزال إدارة أوباما تشجب روسيا لدعمها الأسد. إلا ان مسؤولاً بارزاً عمل في السفارة الأمريكية بموسكو تعاطف مع موقف أوباما خاصة فيما يتعلق بعدوان روسيا على أوكرانيا «أوكرانيا قضية خطيرة ويتعامل معها اوباما عبر العقوبات. مع أن السياسة المتعلقة بروسيا دائما غير مركزة. ولكنها ليست عنا في سوريا. بل عن عدم خسارة الأسد. فبوتين لا يريد انتقال الفوضى للأردن ولبنان كما هو الحال في العراق. ولا يريد وقوع سوريا بيد تنظيم الدولة».
وأشار المسؤول هذا إلى ان بوتين لا يريد تكرار المشهد الليبي وأنه شعر بالروع عندما شاهد مصير القذافي، وشاهد فيديو اللحظات الأخيرة وقد انتهك عرض الزعيم بعصا، وأنه لام نفسه لعدم لعبه دورا وراء الستار في الأمم المتحدة.
واعتقد بوتين أنه بدون التدخل في سوريا فسيواجه بشار المصير نفسه الذي واجهه القذافي. وفي الوقت الذي اتهم فيه أوباما روسيا بضرب المعارضة المعتدلة، أكد مستشار الكرملين للكاتب أن روسيا ضربت كل الجماعات التي تهدد الإستقرار في سوريا وتهدد المواقع العسكرية في اللاذقية.
وقال إن الهدف من الغارات على الجميع كان فتح ممر خال من الجهاديين بين دمشق واللاذقية والقاعدة البحرية في طرطوس. وأضاف أن الطيران الروسي بدأ يخترق الأجواء التركية بعد التدخل مباشرة حيث تم التشويش على الرادارات التركية وكانت الرسالة كما يقول مستشار هيئة الأركان «نستطيع التحليق في أي مكان نريد وتشويش راداركم ولا تلعبوا معنا».
وظل الطيران الروسي يخترق الأجواء التركية متجاهلا الشكاوى التركية حتى 24 تشرين الثاني/نوفمبر عندما أسقطت مقاتلة تركية طائرة سوخوي 24 روسية. ولقي الأتراك دعما من أوباما وعندما التقى مع أردوغان في 1 كانون الأول/ديسمبر كرر التزام واشنطن بأمن انقرة.
لم تتغير السياسة
رغم الحفاظ على القنوات السرية في عهد ديمبسي كما هي بدون مشاكل إلا أن الجنرال مايكل فلين أثار غضب البيت الأبيض «عانى فلين من غضب البيت الأبيض لأنه ظل مصرا على قول الحقيقة حول سوريا» كما يقول باتريك لينغ، الذي عمل لمدة عقد من الزمان في الإستخبارات كمسؤول عن شؤون الشرق الأوسط الأمنية بوكالة الإستخبارات العسكرية. ويعتقد فلين ان المسألة لا تتعلق بسوريا فقط بل بالإصلاحات التي كان يقوم بها في الوكالة. وفي مقابلة مع مجلة «ديرشبيغل» الألمانية دعا فلين الإدارة للعمل وبشكل بناء مع روسيا «سواء أحببنا أم كرهنا فقد قررت روسيا التدخل عسكريا، وهم هناك وقد غير هذا الدينامية، ولهذا لا يمكنك القول إن روسيا سيئة ويجب أن ينسحبوا، لن يحدث هذا، أصحوا».
ويختم هيرش مقاله بالقول «الطريق العسكري غير المباشر للأسد اختفى بتقاعد ديمبسي في إيلول/سبتمبر وفي شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بالكونغرس بتموز/يوليو قال خليفته الجنرال جوزيف دانفورد، أي قبل شهرين من توليه المنصب «لو سألتموني عن الأمـة التي يمكـن أن تمثل تهـديدا وجوديا على الولايات المتحدة فعلي أن أشير إلى روسـيا». و«لو نظرتم لتصرفاتهم فهي بالتأكيد مثيرة للـقلق». وفي شهادته أمام الكونغرس في تشرين الأول/أكتوبر رفض دانفورد كرئيس لهيئة الأركان العمل العسكري الروسي في سوريا مخبرا نفس اللجنة بأن روسيا «لا تقاتل» الدولة الإسلامية.
وأضاف أن على أمريكا العمل مع شركاء تركيا لتأمين الحدود الشمالية مع سوريا و»عمل ما يمكننا لمساعدة المعارضة الموثوقة لقتال تنظيم الدولة». لقد حصل أوباما على بنتاغون مذعنة ولن تكون هناك تحديات غير مباشرة من القيادة العسكرية لسياسته للتقليل من شأن الأسد ودعم أردوغـان» يقـول هـيرش.