احوال العراق بين الماضى والحاضر والمستقبل

اكثر من 12 عاما مروا الآن على بداية الغزو الأمريكي للعراق، الاحتلال الذي لا تزال آثار تدميره بلاد الرافدين باقية حتى الآن، يشهدها كل من يرى جماعات العنف والتطرف تعيث في البلاد قتلا وخرابا وتفجيرا، ومن يرى اقتصادها يهوي إلى أدنى درجة، ويسمع بكاء الأطفال وصراخ الزوجات والأمهات مستمرا على القتلى والجرحي كل يوم.اعوام عانى خلالها الشعب العراقي الأمرين، فما بين احتلال أجنبي إلى عمليات إرهابية داخلية وتنظيمات مسلحة يقف العراق متحسرا على حضارة عريقة صنعها منذ آلاف السنوات، ليكتب لها أن يمحى معظمها في غمضة عين، هذه هي مشاهد الحياة اليومية للعراقيين الآن. سبق الغزو الأمريكى عدة تطورات، كان أهمها تصنيف أمريكا العراق ضمن دول “محور الشر”، بدعوى وجود أسلحة دمار شامل بها، تبعتها عدة محاولات مستميتة لكسب تأييد عالمى لضرب بغداد، ثم صدور قرار الأمم المتحدة رقم 1441، الذي دعا إلى عودة لجان التفتيش عن الأسلحة إلى العراق، محملا البلاد عواقبا وخيمة حال رفضها في التاسع من إبريل في نفس العام سقطت بغداد فى أيدى جيش الغزو الأميركي، نبعد سقوط بغداد بدأت عمليات سلب ونهب واسعة النطاق، شاهدها العالم كله عبر شاشات التلفاز، أصدر الحاكم العسكري، بول بريمر، قرارا بحل الجيش العراقي، لتنجح بذلك الولايات المتحدة في دفن 82 عاما من العسكرية العراقية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه، لعشرات الميليشيات التي نشأت في العراق منذ عام 2003 للعبث في البلاد.وكان من أهم هذه الميليشيات، عصائب أهل الحق، وميليشيا حزب الله في العراق، وجيش المهدي، وجرى إنشاء فصائل جديدة منه مؤخرا تحت اسم “سرايا السلام”، إضافة إلى ميليشيات فيلق بدر، وغالبا ما كان إنشاء هذه الميليشيات وتدريبها وتسليحها، مرتبطا بالتنسيق المباشر مع أجهزة الأمن العراقية.
منذ ذلك الوقت، تتسبب هذه الميليشيات في أزمات لا حصر لها، ولطالما ارتكبت جرائم قتل منظمة ضد مواطنين عراقيين بسبب انتماءاتهم الحزبية أو الطائفية. ..
بعد اختفاء الجيش العراقي من ساحة المشهد السياسي،وشهدت العراق جانيا واضحا من العنف في عهده نتيجة حملة تفجيرات سنية كبيرة، تستهدف الواقع السياسي الذي يهيمن عليه الشيعة.
وبعد انسحاب القوات الاميركية في 2011، كانت الحكومة عاجزة عن وقف القتل، وتركزت معظم التفجيرات في بغداد وضواحيها، ما تسبب في مقتل المئات، رفعتها تقارير عالمية إلى الآلاف.
استمر نشاط الميليشيات في العراق، وحدثت عشرات العمليات الإرهابية التي استهدفت الأبرياء منذ الغزو وحتى يومنا هذا، وهو ما أسفر -خلال عام 2014 فقط- عن مقتل أكثر من 15 ألف شخص وإصابة أكثر من 22 ألفا آخرين، جاء ظهور تنظيم “داعش” ليزيد الطين بلة، حيث شهد العام الماضي هجوما كاسحا لتنظيم الدولة، سيطر خلاله عناصر التنظيم الإرهابي على مساحات واسعة في شمال البلاد وغربها، إضافة إلى حدوث تفجيرات شبه يومية في مدن البلاد، ولا سيما في العاصمة بغداد.وتعد حصيلة ضحايا 2014 على يد “داعش”، أعلى رقم للضحايا في بلاد الرافدين، منذ عام 2007 عندما كان العراق غارقا في الحرب الطائفية، حيث سجلت حينها مقتل 17 ألفا و956 شخصا، إلى جانب إصابة أكثر من 21 ألفا آخرين. قضيت في العاصمة العراقية بغداد خمسة أيام بدعوة كريمة من نقيب الصحفيين العراقيين لتغطية فعاليات مؤتمر الأمانة العامة والمكتب الدائم لاتحاد الصحفيين العرب
وللحق أقول إن العراق قد أرهقته الحروب وأعمال العنف وعاني الأمرين وله تجربة مريرة وقاسية من الظلم والظلمات من حكم ديكتاتوري جائر وحروب اقليمية وأهلية وعقوبات واحتلال وسياسات قمعية علي مدي ثلاثين عاما حتي أنزوي عن محيطه الغربي والإقليمي والدولي بسبب جراحاته الداخلية التي عاشها من تدمير وطائفية وعمليات اغتيال واسعة وانفجارات تسببت في مصرع آلاف الأبرياء وتعطل أوجه الحياة.لقد دمرت قوات الاحتلال الأمريكي بنيته التحتية التي شيدتها الاجيال وارتكبت مجازر وحشية بحق الشعب العراقي ودمرت حضارته وفرضت الوصاية علي أرضه. ولكنه صمد أمام الاهوال وتحدي الدمار وتجاوز المحن وكبد القوات الأمريكية خسائر في الأرواح بلغت أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة من الجنود وإصابة ثلاثين ألفا. والأمر المحزن أن العراق الذي يمتلك 40% من بترول العالم ويملك مخزونا ضخما من مصادر الطاقة أصبح أكثر من 30% من سكانه تحت خط الفقر ويعاني أبناؤه قلة فرص العمل. والآن عليه ان ينفض عن نفسه غبار المحتل بكل الأمة وأوجاعه وتعود الابتسامة إلي وجوه أبنائه ويستعيد سيادته الكاملة وغير المنقوصة ويعيش مرحلة جديدة يسودها الأمن والاستقرار ويستعيد دوره العربي والإقليمي.
نطالب العراقيين بكل انتماءاتهم القبلية والعشائرية والطائفية والعرقية وكل الكتل السياسية بالتكاتف والتلاحم وأن يشمروا عن سواعدهم وينظموا صفوفهم ويضعوا خلافاتهم ونزاعاتهم جانبا ويهبوا هبة رجل واحد من أجل إعادة بناء ما خربه ودمره الاحتلال.
الشعب العراقي كله من سنة وشيعة وأكراد مطلوب منه اليوم أن ينبذ الطائفية وكل من ينادي بها ويستكمل مشروع المصالحة الوطنية ويرفض الفيدرالية والأقاليم وتغليب المصلحة الوطنية للبلاد علي المصالح الحزبية والفئوية والخاصة وايجاد حلول حقيقية للمشاكل التي خلفتها فترة الاحتلال وأن يكون يدا واحدة لإعادة بناء عراق جديد موحد قادر علي مواجهة الأزمات وتحديد مصيره بيده وحده.
ونود أن نؤكد أن التكاتف والوحدة هما الطريقان اللذان يقفان بوجه كل التحديات والقوي التي لا تريد للعراق المنعة والقوة.. اننا نأمل أن يعود العراق مرة أخري إلي عهده السابق في صناعة التاريخ والمجد والحضارة والحضور الايجابي والفعال في محيطه العربي والاقليمي والدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *