لا يكفي القول إن ترشح النائب سليمان فرنجية ومن بعده الجنرال ميشال عون وهما مصنفان من المرشحين الأقوياء لمنصب رئاسة الجمهورية مؤشر إلى قرب ملء الشغور الرئاسي الذي مضى عليه سنة ونصف السنة رغم أن هذا الترشح احدث زلزلة في وسط سياسي قليل الحركة وكثير الثرثرة !
ما حدث منذ أيام أو أسابيع قليلة لا يشبه السياسة بشيء بل أشبه بلوحة سوريالية تقف حائرا في محاولة فك رموزها وتحليل خطوطها.
أن يرشح سعد الحريري خصمه السياسي سليمان فرنجية وأن يرد عليه حليفه أو المفترض ذلك وهو الدكتور سمير جعجع يترشيح خصمه اللدود الجنرال عون، ففي الترشحين تناقض صارخ كمن يحاول جمع الماء والنار في إناء واحد!
من يعصى عليه فهم هذه المعضلة وهم غالبية المستمعين من غير اللبنانيين سأحاول الاطلاع بمهمة الشرح والتعليق مع اقتناعي بأنها مهمة شبه مستحيلة وأقول التالي :
سعد الحريري رئيس تيار المستقبل وزعيم قوى14 آذار،حليف السعودية والخصم الصريح لحزب الله وللنظامين السوري والإيراني يتبنى في ليلة باريسية ليلاء ترشيح النائب سليمان فرنجية احد أركان 8 آذار والصديق الوفي لآل الأسد أيا عن جد!
إفهم إن استطعت أن تفهم ؟
أن يتبنى سمير جعجع رأس الحربة لقوى 14 آذار المعادية بقوة لحزب الله والمنخرطة في المحور المعادي لنظامي دمشق وطهران ترشيح الجنرال عون المدعوم من السيد حسن نصرالله ومن المحور الإيراني السوري فهذا أيضا من غرائب السياسات اللبنانية التي يصعب فهمها أو تبريرها.
الطبقة السياسية في لبنان تتميز عن مثيلاتها في سائر بقاع الأرض بأنها بهلوانية الحركة وانتهازية الأهداف وتهوى فن الرقص على حافة الهاوية وإلا، كيف يمكن تفسير هذا المجتمع اللبناني المتكون من فسيفساء طائفية ومذهبية والقادر في الوقت نفسه على الاستمرار في حياة شبه طبيعة في ظل دولة فاشلة من دون رأس، وحكومة شبه عاجزة ومجلس نيابي لا يجتمع وفي بقعة جغرافية ضيقة ثلث سكانها من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين فضلا عن إرهاب داعش والنصرة والتهديد الإسرائيلي الذي يحيط بها من كل جانب.
حين كنا على مقاعد الدراسة علمتنا كتب التاريخ إن أجدادنا”الفينيقيين” اخترعوا الأبجدية وصدروا من شواطئ صور وجبيل الحرف إلى العالم ! اليوم يستعد لبنان لتصدير ر النفايات وهذا الأمر ليس أسطورة بل تقرر مؤخرا في مجلس الوزراء.
الوطن الذي استبدل تصدير المعرفة بالنفايات مهيأ لاستنباط تسويات غير طبيعية كأن يرشح الحريري شخصية مقربة من حزب متهم باغتيال والده، وان يرشح جعجع جنرالا بينهما بحر من العداوات والدماء.