فجّر تنظيم “داعش” جسر “قره قوزات” الحيوي، الذي يربط ضفتي نهر الفرات، للمرة الثالثة منذ اندلاع النزاع المسلح في سوريا.
ويشكل الجسر أهمية استراتيجية وعسكرية، كونه المعبر الوحيد المتبقي، الذي يربط مدينة عين العرب “كوباني” وريف حلب الشمالي، ويقع الجسر على بعد 35 كلم جنوب “كوباني”.
وسبق أن هاجم عناصر “داعش” الجسر عام 2013م، وتمكنوا من السيطرة عليه بعد اشتباكات عنيفة مع فصائل من المعارضة السورية المسلحة، إلا أن عناصر “داعش” عمدوا إلى تفجير الجسر للمرة الأولى، في (مارس/آذار) الماضي، بعد أن نفذ المقاتلون الأكراد حملة لتحرير ريف جنوب “كوباني”، وتمكنوا خلالها من السيطرة على الجسر.
وفجّر عناصر “داعش” الجسر، للمرة الثانية، في (ديسمبر/ كانون الأول) الماضي، إثر تقدم قوات حزب “الاتحاد الديمقراطي”.
ويهدف التنظيم المتشدد من تفجير الجسر إلى إعاقة تقدم الفصيل الكردي المسلح التابع لحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، الجناح السوري لحزب “العمال” الكردستاني.
وقالت مواقع تابعة لحزب “الاتحاد” الديمقراطي، اليوم الأربعاء، إن تفجير الجسر لن يحد من تقدم قواتهم.
ويحاول حزب “الاتحاد” الديمقراطي، السيطرة على ممر جرابلس “أعزاز”، وتحقيق الحلم الكردي في ربط “كانتون عفرين” بمناطق شمال شرق سوريا التي يملك نفوذاً واسعاً فيها.
وفي سياق متصل؛ ينفذ الجيش التركي قصفاً بالمدفعية، منذ 13 (فبراير/ شباط) الجاري، لمواقع تابعة لحزب “الاتحاد” الديمقراطي في ريف حلب الشمالي.
وتنبع حساسية تركيا تجاه اتساع نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب “العمال” الكردستاني، شمال سوريا، من تأزم القضية الكردية شرق تركيا، وخوف الأتراك من اتساع طموح الأكراد ليشمل إقامة حكم ذاتي في تركيا، على غرار أبناء جلدتهم في سوريا، ما قد يعزز موقف “الكردستاني” الذي عاد للعمل المسلح، بعد ثلاثة أعوام من هدنة أوقفت حرباً دامية استمرت أكثر من ثلاثة عقود، وراح ضحيتها نحو 40 ألف شخص.
وأثار المد العسكري الروسي في سوريا، وقطع الإمدادات اللوجستية التركية للمتمردين الموالين لأنقرة في بعض مناطق حلب، حفيظة الحكومة التركية، إذ ساهمت الضربات الجوية الروسية القاسية ضد فصائل سورية معارِضة، في تشجيع حزب “الاتحاد” الديمقراطي، للتصدي للمتمردين التركمان في محيط بلدة “عفرين” التابعة لحلب، رغم التفاهم الذي كان سائداً بين الطرفين، لتشكيل جبهة لمحاربة تنظيم “داعش”.
وتستمر أنقرة في عدائها لحزب “الاتحاد” الديمقراطي، على الرغم من الدعوات الأمريكية لوقف قصف مواقع الأكراد، وبالتزامن مع تصريحات الحكومة التركية بعزمها إرسال قوات برية مشتركة مع المملكة العربية السعودية إلى سوريا.
ويرى محللون أن القصف التركي جاء رداً على الدعم الذي تقدمه واشنطن، لحزب “الاتحاد” الديمقراطي بالسلاح، وتوفير الحماية الجوية، في حربه ضد “داعش”.
وكانت الخارجية التركية استدعت مطلع (فبراير/ شباط) الجاري، السفير الأميركي لدى أنقرة جون باس، للتعبير عن استيائها بعدما أدلى المتحدث باسم الخارجية الأميركية بتصريحات لم يعتبر فيها حزب “الاتحاد” الديمقراطي الكردي في سوريا منظمة إرهابية.
ويبدو أن أنقرة تحاول عبر قصفها لمعاقل الأكراد، إظهار استعدادها للوقوف في وجه النفوذ الروسي في سوريا، واكتساب عمق استراتيجي شمال سوريا، بإرساء وجود دائم لها بالتزامن مع حملاتها عبر الحدود، وبشكل خاص بعد ارتفاع وتيرة الحملات العسكرية التي تقودها دمشق لاسترداد ريف حلب الشمالي، بتغطية جوية روسية مكثفة.
ويرى محللون أتراك أن الضربات التركية يجب أن تبقى في إطار التوازن العسكري، الذي لا يتجاوز حدود الاشتباكات المحدودة والصغيرة، لأن أي تصعيد تركي على الساحة السورية من شأنه أن يخلق سيناريو صدام عسكري بالغ الخطورة، يصعب احتواؤه، لأن المواجهة المباشرة، ستُدخِل كل من روسيا، وحلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي تنضوي تركيا تحته، في النزاع، ما ينذر بحرب دولية.