سورة لقمان هي السورة السابعة والخمسون وفق نزول السور، نزلت بعد سورة الصافات، وقبل سورة سبأ، وهي السورة الواحدة والثلاثون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وعدد آياتها أربع وثلاثون آية. وروى البيهقي في “دلائل النبوة” عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أنزلت سورة لقمان بمكة. وهي مكية كلها عند ابن عباس في أشهر قوليه، وعليه إطلاق جمهور المفسرين.
وقد ذكر أبو حيان في “تفسيره” سبب نزول هذه السورة، فقال: “إن قريشاً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة لقمان مع ابنه، أي: سألوه سؤال تعنت واختبار”. وهذا الذي ذكره أبو حيان يؤيده تصدير السورة بقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} (لقمان:6).
تسميتها
سميت هذه السورة بإضافتها إلى لقمان؛ لأن فيها ذكر لقمان، وحكمته، وجُمَلاً من حكمته التي أدَّب بها ابنه، وليس لها اسم غير هذا الاسم، وبهذا الاسم عُرِفت بين القراء والمفسرين. ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في سبب تسميتها. قال المهايمي: “سميت به؛ لاشتمالها على قصته التي تضمنت فضيلة الحكمة، وسر معرفة الله تعالى وصفاته، وذم الشرك، والأمر بالأخلاق والأفعال الحميدة، والنهي عن الذميمة، وهي معظمات مقاصد القرآن”.
فضلها
روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مفاتيح الغيب خمس، لا يعلمهن إلا الله {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} (لقمان:34).
وروى النسائي وابن ماجه عن البراء رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الظهر، فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات)، قال النووي: إسناده حسن.
مقاصدها
تضمنت سورة لقمان عدداً من المقاصد، نذكر منها التالي:
– إثبات الحكمة للقرآن الكريم، اللازم منه حكمة منزِّله سبحانه في أقواله وأفعاله. وقصة لقمان عليه السلام، المسمى بها السورة، دليل واضح على ذلك.
– صُدِّرت السورة بالتنويه بهدي القرآن؛ ليعلم الناس أنه لا يشتمل إلا على ما فيه هدى وإرشاد للخير، فلا التفات فيه إلى أخبار الجبابرة وأهل الضلال إلا في مقام التحذير مما هم فيه ومن عواقبه، فكان صدر هذه السورة تمهيداً لقصة لقمان.
– تسفيه من يتخذ آيات الله هزواً، ويتبع كل ما كان ملهياً عن دين الله وطاعته.
– بيان قدرة الله في الخلق والإبداع، والإيجاد والإمداد.
– التنويه بذكر لقمان بأن آتاه الله الحكمة، وأمره بشكر النعمة. وذكر وصاياه وما اشتملت عليه: من التحذير من الإشراك، والأمر ببر الوالدين، ومراقبة الله؛ لأنه عليم بخفيات الأمور، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر، والتحذير من الكبر والعجب، والأمر بالاتسام بسمات المتواضعين في المشي والكلام.
– عالجت السورة قضية العقيدة في نفوس المشركين الذين انحرفوا عن تلك الحقيقة، حقيقة توحيد الخالق وعبادته وحده، وشكر آلائه، واليقين بالآخرة وما فيها من حساب دقيق وجزاء عادل، واتباع ما أنزل الله والتخلي عما عداه من مألوفات ومعتقدات.
– ذكرت المشركين بدلائل وحدانية الله تعالى وبنعمه عليهم، وكيف أعرضوا عن هديه، وتمسكوا بما ألفوا عليه آباءهم.
– بينت السورة مزية دين الإسلام، وأنه هو الدين الحق، من تمسك به فقد رشد وفاز، ومن أعرض عنه فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً.
– تضمنت السورة تسلية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتمسك المسلمين بالعروة الوثقى، وأنه لا يحزنه كفر من كفروا.
– الرد على المعارضين للقرآن في قوله سبحانه: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} (لقمان:27)، وبيان امتداد علم الله سبحانه بلا نهاية، وانطلاق مشيئته في الخلق والإنشاء بلا حدود، وجَعْلُ هذا دليلاً كونيًّا على البعث والإعادة وعلى الخلق والإنشاء.
– بينت السورة أن قضية الجزاء في الآخرة مرتبطة بقضية الإيمان والكفر.
– بيان طبيعة النفس الإنسانية؛ وأنه إذا داهمها الخطر لجأت إليه سبحانه؛ ثم إذا كشف الخطر عنها فمن تلك النفوس من يبقى مستمسكاً بما عاهد الله عليه، ومنهم من يرتد على عقيبه، ويجحد نعمة الله عليه.
– بيان أهمية التقوى في حياة الإنسان، وأن الإنسان لا ينفعه يوم الحساب إلا ما قدمه من عمل صالح، ولا يغني عنه يوم الحساب عمل الآخرين، ولو كانوا أقرب الناس إليه.
– خُتمت السورة بالتحذير من دعوة الشيطان، والتنبيه إلى بطلان ادعاء الكهان علم الغيب، وأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى.