اقترب الرئيس الأميركي باراك أوباما من نهاية عهده، محققاً نجاحات في جوانب وإخفاقات في أخرى.
ولكن شيئاً واحداً فشل فيه رئيس الولايات المتحدة، فشلاً ذريعاً هو تكوين علاقات صداقة متينة مع معظم الملوك والزعماء الذين التقاهم في البيت الأبيض، أو قام بزيارتهم في بلدانهم.
مستشارو الرئيس اعترفوا في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” أن كل الجهود التي قام بها الرئيس من أجل تكوين علاقات دافئة مع غالبية الملوك أو الرؤساء انتهت بفشل ذريع، ومن المرجح أن يخرج من البيت الأبيض بلا صداقات وثيقة.
ويعود السبب في هذا الفشل الشخصي إلى طبيعة أوباما نفسه “الانعزالية”، والتي تتعامل مع رجال السياسة على طريقة “البزنس”، في المفاوضات المحددة والمباشرة فيما يخص القضايا المشتركة مع البعد قدر الإمكان عن الجانب الشخصي أو العاطفي.
ويختلف أوباما عن الكثير من سابقيه من الرؤساء الأميركيين الذين خصصوا الكثير من الوقت للعلاقات الشخصية مع الزعماء، وذلك بغرض تخفيف حدة الخلافات السياسية المحتمل حدوثها في أي وقت، أو الحفاظ على العلاقات المتوترة من الانهيار التام.
فأوباما على العكس تماماً من سلفه الرئيس جورج دبليو بوش، الذي بذل جهداً كبيراً لبناء شبكة علاقات شخصية مع الزعماء، وارتبط بصداقات وثيقة استمرت حتى بعد نهاية ولايته عام 2008.
الرئيس بيل كلنتون كان أيضاً ماهراً في كسب قلوب من يلتقيهم بهدف استثمار العلاقة الشخصية معهم في الوقت المناسب.
ومن المعروف أن اهتمام الرؤساء الأميركيين بخلق صداقات متينة ليس أمراً جديداً؛ فالرئيس رونالد ريغان ارتبط بصداقة عميقة مع رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، أثمرت عن تعاونات اقتصادية وسياسية غيرت وجه العصر الحديث.
وكذلك العلاقة الوثيقة التي ربطت رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وانتهت بتعاونهما الوثيق للقضاء على الخطر النازي في الحرب العالمية الثانية. الصداقة بين الزعيمين لم تنشأ لو لم يستثمروا الوقت والجهد لبنائها معاً.
فبعد هجمات بيرل هاربر على السواحل الأميركية، قضى تشرشل عدة أسابيع في البيت الأبيض من أجل تعميق أواصر الصداقة مع روزفلت.
لكن قضاء أيام “شخصية” بعيداً عن السياسة بصحبة زعيم أو حتى إظهار الرغبة الصادقة بتكوين علاقة ودية معه بعيداً عن لغة “البزنس” والمصالح، ليست في قاموس أوباما الشخصي.
قائمة الصداقات الفاشلة
قضى أوباما يومين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، في مدينة لوس أنجلوس المشمسة من أجل تذويب الجليد بين البلدين، وتكوين صداقة حقيقة مع الزعيم الصيني، إلا أن النتيجة كانت مخيبة ولم توصل إلى شيء.
وفي أوقات سابقة، اقترب أوباما من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبعد أن ظهرت بوادر تحسن في العلاقة، انهارت فجأة بسبب فضيحة تجسس الاستخبارات الأميركية على هواتف الألمان التي أغضبت ميركل منذ ذلك الوقت.
أما علاقات أوباما الشخصية مع الرئيس الروسي بوتين فكانت في غاية السوء حتى قبل أن تعبر الدبابات الروسية الحدود الأوكرانية وتحتل شبه جزيرة القرم.
إلا أن الرئيس الأميركي كان محقاً في تعامله الجاف مع بعض الزعماء. لم يرتح منذ البداية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وقطع اللقاءات التلفزيونية المباشرة معه التي كان يقوم بها بشكل دوري سلفه الرئيس بوش.
عدم ارتياحه للمالكي يعود لاشتباهه في نواياه، ولذات السبب تدهورت علاقته مع الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي.
ورغم أن علاقة أوباما مع حليفيه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون جيدة، فإنها ليست دافئة بأي حال من الأحوال.
وشهدت حالة من التأرجح بين الجيدة والسيئة، علاقة أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكنها وصلت للحضيض أخيراً بعد خطاب الأخير أمام الكونغرس الأميركي.
وبعد أن تطورت علاقته في البداية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم تلبث العلاقة أن تراجعت.
أما علاقة الصداقة الوحيدة التي نجح أوباما في توثيقها فقد كانت مع الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، الذي لم يلبث طويلا في سدة الرئاسة.
ويبدو أن سبب تلك الصداقة التي توطدت بسرعة هو أن الرئيسين ينتميان في الأساس لمهنة المحاماة قبل أن يدخلا عالم السياسة.
وبسبب هذا الفشل أوكل أوباما مهمة تكوين الصداقات لوزير خارجيته جون كيري، الذي يخصص الكثير من وقته للتقرب شخصياً من الزعماء ووزراء الخارجية، في الوقت الذي ينزوي فيها رئيسه وحيداً ومنعزلاً في البيت الأبيض