يعد الاتفاق التركي الأوروبي بشأن اللاجئين نقطة تحول مهمة للطرفين؛ سواء على صعيد التعاون الاقتصادي، أو التعاون السياسي.
بيد أن هذا الاتفاق شكَّل انتكاسة كبيرة بالنسبة للاجئين، ولا سيما السوريين، الذين يشكلون الغالبية بينهم؛ حيث أغلق باب الهجرة غير الشرعية أمامهم للوصول إلى البر الأوروبي.
وبعبارة أخرى: لقد تحولت أزمة اللاجئين السوريين بعد اليوم إلى أزمة إقليمية، بعدما كانت خلال السنوات الماضية أزمة دولية؛ أي أن علاج هذه الأزمة سيكون بأدوات إقليمية بدعم مادي غربي.
إنها صفقة الضرورات الملحة بالنسبة للطرفين. فأوروبا بحاجة ماسة إلى هذا الاتفاق لإنهاء أصعب أزمة واجهتها منذ الحرب العالمية الثانية، وكادت أن تضرب وحدتها الداخلية. أما بالنسبة للأتراك، فالاتفاق جلب لهم أموالا إضافية، وفتح أبواب القارة العجوز أمام المواطنين الأتراك؛ وهذه نقطة من شأنها زيادة شعبية أردوغان.
على أن أهم ما تريده أنقرة من هذه الخطوة هو أن تكون الدولة الأكثر تحملا لعبء اللاجئين السوريين، في خطوة قد تستثمرها سياسيا في وقت لاحق، ولا سيما أن المسؤولين الأتراك لا يزالون يرددون أن إنهاء أزمة اللاجئين السوريين لن يحل إلا بإقامة منطقة آمنة شمالَ سوريا.
وفي ضوء ذلك، فإن الأمم المتحدة ومنظمات دولية أعلنت رفضها للاتفاق التركي-الأوروبي، معربة عن تخوفها من القيام بمعليات ترحيل جماعي، لا تتفق مع الشرعة الدولية؛ وهذه النقطة كانت أهم نقاط الحوار في قمة بروكسل أمس (18 03 2016)، والمتعلقة بعشرات آلاف اللاجئين المكدسين في اليونان.
وبحسب الاتفاق، لن تشمل عمليات الترحيل هؤلاء، بل سيتم توزيعهم على دول الاتحاد الأوروبي، لكن أي مهاجر سيأتي إلى اليونان من تركيا بدءا من يوم غد العشرين من آذار / مارس 2016، سيعاد إلى تركيا، بما في ذلك طالبو اللجوء السوريون.
وفي المقابل، يحق لأي مهاجر يصل إلى اليونان بعد هذا التاريخ أن يُدرس ملفه، وله الحق أيضا في استئناف قرار إبعاده. وهذه نقطة أصرت عليها بعض الدول في ضوء القوانين، التي تُلزم الدول الأوروبية بتوفير الحماية للاجئين، وخاصة السوريين.
كما تعهد الأوروبيون باستقبال لاجئ سوري من تركيا مقابل كل سوري يتم إبعاده، غير أن سقف هذا العدد في أوروبا حدد بـ 72 ألف شخص.
وبموجب الاتفاق، ستقبل أنقرة بعودة جميع المهاجرين غير القانونيين، الذين يعبرون إلى اليونان، بمن فيهم السوريون، مقابل استقبال الاتحاد الأوروبي ألوف اللاجئين السوريين مباشرة من تركيا، ومنحها المزيد من المال، وتسهيل إجراءات دخول مواطنيها إلى دول الاتحاد من دون تأشيرات، وتحقيق تقدم في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد.
ومع ذلك، فإن الاتفاق لم ينل رضا كبيرا من كثير من الدول الأوروبية؛ لأنه في مضمونه يبتعد عن معايير الاتحاد الأوروبي الإنسانية. وهو ما عبر عنه مسؤول أوروبي لوكالة الصحافة الفرنسية، قائلا إنه “ليس اتفاقا جيدا جدا، لكننا مضطرون إلى ذلك. لا احد يعتز بذلك لكن لا بديل لدينا”.
والنقطة المهمة في هذا الصدد أن الاتفاق عُقد، بحسب كثير من القادة الأوروبيين، مع دولة متهمة بنزعة استبدادية في الحكم، سواء فيما يتعلق بالحرب مع الأكراد، أو فيما يتعلق بعدم احترامها حرية الرأي؛ في ظل التضييق الكبير على الصحافة. فتركيا ليست بلدا آمنا للاجئين والمهاجرين؛ وأي عملية لإعادتهم، بناء على ذلك، ستكون معيبة وغير قانونية أو أخلاقية، وفق ما أعلنت إحدى المنظمات الأوروبية الحقوقية.
وباختصار، لا تزال هناك شكوك عميقة قائمة تتعلق بمدى قانونية الاتفاق، ومدى إمكانية تطبيقه؛ وهي نقاط أقرت بها حتى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي كانت القوة المحركة وراء الاتفاق.
وقد بدأت تركيا فعلا بتنفيذ تعهداتها قبل يوم من سريان مفعول الاتفاق، في مؤشر على التزامها الجدي بالاتفاق؛ حيث أعلنت قوات الأمن التركية أن قوات خفر السواحل وشرطة الدرك ألقت القبض على 1734 مهاجرا و16 مهربا الجمعة (18 03 2016)، في إطار حملة واسعة لمنع اللاجئين من الوصول إلى جزيرة ليسبوس اليونانية.
لقد حققت تركيا أهدافها من الاتفاق، كما حقق الأوروبيون أهدافهم كذلك. في حين أن اللاجئين السوريين سيواجهون بعد هذا الاتفاق واقعا أكثر صعوبة، في ظل غياب قوانين الحماية والقوانين الإنسانية في دول الجوار السوري. وإذا كانت تركيا تُعدُّ أفضل مكان للاجئ السوري في الدول الإقليمية، فإن القوانين والمعايير التركية من جهة، والواقع الاقتصادي من جهة أخرى، لا يسمحان بأن تكون تركيا بديلا حقيقيا عن أوروبا مهما منحت من المساعدات المالية.