عضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية موسى أفشار «لا صوت للشعب في إيران والسلطة بيد الملالي »

  
 
إلى أي مدى يبقى المرشد في إيران هو الحاكم الفعلي والمحدد لسياسة إيران الخارجية؟ 
ما لا يقبل الشك هو أن نتائج الانتخابات لا تغير أي شيء بشكل جدي في الحياة السياسية والاقتصادية للمواطن الإيراني. مع أن زمرة “رفسنجاني روحاني” قد تصاعدت في الانتخابات، إلا أنها لن تحصل على منجزات من حيث الاستراتيجية طويلة الأمد لأنه: 
أولا: لإجراء الانتخابات قام النظام باستنفار مليون رجل أمن في البلاد، وقاموا بترتيب مسرحيات، حيث جاءوا بعائلات الباسيج إلى بعض مراكز الاقتراع في طهران العاصمة، وخلقوا مشاهد دعائية وطوابير من الناس يريدون التصويت. وهذه المراكز هي التي شاهدها مراسلو وسائل الإعلام الأجنبية. لكن بعض المراسلين الذين استطاعوا الخروج من هذه الدائرة، كمراسل صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أعلنت أن أهالي طهران الفقراء في جنوب العاصمة فضّلوا البقاء في بيوتهم لأنهم مستاءون من النظام، ولا أمل لهم في التغيير داخل النظام. هذا النظام أعلن أن 62% من الناخبين شاركوا في هذه الانتخابات. ومعنى ذلك أن النظام يعترف بعدم مشاركة 21 مليون من الناخبين، ومعظم هؤلاء من الشباب. وفي الأوساط الداخلية للنظام يتحدثون أن النسبة المعلنة والعدد المعلن كان ضعفي الواقع. لكن الحقيقة هي أن غرفة تجميع الأصوات هي التي تحدّد بموافقة الجناحين المتنافسين نسبة المشاركين. وهذه العملية مستمرة منذ بداية الانتخابات في نظام الملالي، وهذه هي ديمقراطية ولاية الفقه! 
ثانيا: خامنئي مازال هو المتفوق في النظام، وبالاعتماد على مؤسسات ولاية الفقيه وقوات الحرس والقوات القمعية الأخرى، سيقف مقابل أي تغيير جدي ولا يقبل بسهولة تقاسم هيمنة النظام مع الزمرة المنافسة ولن يخضع لإقصائه أو تهميشه. ولغرض فهم هذه المعادلة، فإن تصريحات أحمد خاتمي أمام جمعة طهران يوم 4 مارس معبرة، حيث قال “إن نظامنا يدار حسب إطار معين”. الإطار هو الدستور وهو ميثاق شعبنا. هناك 4 أصول في الدستور تعتبر مفصلية، وجاء في الأصل الأخيرأنه لا يحق لأحد تغييرها حتى من خلال الاستفتاء العام. أولا: إسلامية النظام، ثانيا: ولاية الفقيه، ثالثا: جمهورية النظام، ورابعا: المذهب الرسمي للبلد. هذه الأصول الأربعة أكدها الدستور. كل من يصبح نائبا في البرلمان أو من يأتي إلى الحكومة أو إلى أي من المؤسسات الأخرى يجب عليه أن يعمل في هذا الإطار. وأقول بصراحة ليعلم الأجانب والمغرر بهم من المحليين والأجانب أنه بتغيير الرجال، فإن إستراتيجية النظام الإسلامي العامة لن تتغير بإذن الله. على سبيل المثال برمجوا إحضار مليون شخص من الأقاليم الأخرى إلى طهران بهدف التصويت لصالح الأشخاص الذين كانوا يريدون فوزهم. هذه الخطة اكتُشفت وبالنتيجة فشلت خطة الحرس في هذا المجال. 
ثالثا: إجراء انتخابات حرة ضرورة كل سلطة شعبية في أي بلد. ولكن في إيران رسميا، وحسب الدستور، ليس للسلطة الشعبية مكان، والسلطة بيد الملالي. وحسب الدستور فإن جميع الصلاحيات الرئيسية للحكم بيد ولي الفقيه الذي لا يتحمل المسؤولية أمام أي أحد وأمام أي مرجع. ولي الفقيه يتم انتخابه نظريا من قبل مجلس من كبار الملالي، باسم مجلس الخبراء، وكل أعضاء المجلس يجب أن يتم تأييدهم من قبل مجلس صيانة الدستور المعين من قبل ولي الفقيه. مرشحو جميع المؤسسات الانتخابية يجب أن يتم تأييدهم من قبل هذا المجلس، ويجب عليهم أن يكونوا مؤمنين قلبيا، ويلتزمون عمليا بولي الفقيه. مجلس المراقبة على الدستور يجب أن يؤيد جميع قرارات مجلس الشورى.في الانتخابات الأخيرة تم شطب وإقصاء أكثر من نصف المرشحين من قبل مجلس المراقبة على الدستور، مع أنهم كانوا من الأوفياء للنظام 
هل يُغير فوز الإصلاحيين من موازين القوى ودور القوى الأمنية والحرس الثوري؟ 
خامنئي الذي تعرضت هيمنته للزعزعة من خلال الاتفاق النووي، وتنازله ولو بشكل مؤقت عن القنبلة النووية، كان أمامه خياران في هذه الانتخابات: الخيار الأول أن لا يخلق مشاكل للزمر المنافسة وبشكل خاص رفسنجاني وروحاني، وأن يسمح بخوض مرشحيهما الانتخابات. كان ذلك بالطبع يؤدي إلى إضعاف هيمنته أكثر فأكثر، وبالتالي إضعاف النظام برمته. أما الخيار الثاني فهو أن يشهر السيف على الزمرة المنافسة من قبل مجلس المراقبة على الدستور، بهدف الاحتفاظ بغالبية مجلس الخبراء ومجلس الشورى وتعزيز هيمنته. لقد اختار خامنئي المسار الثاني، وفعلا شطب الغالبية الساحقة لمرشحي الزمرة المنافسة، وقام حتى بشطب حفيد الخميني. وخلافا لما كان الغرب يتصور بأن الملالي سينتهجون بعد الاتفاق النووي مسار الاعتدال والإصلاح، فإن خامنئي ولتكريس موقعه وموقع نظام ولاية الفقيه ومواصلة الحرب في سوريا والتدخل في العراق اعتمد طريق الانغلاق. ولكن فعلا ذاق الأمرّين وتحمل الأضرار المترتبة على الخيارين. وفي واقع الأمر تحمل خامنئي التبعات الأخلاقية لشطب المرشحين. وبما أنه بات أضعف من السابق لم يقدر على شطب ترشيح رفسنجاني هذا العام لمجلس الخبراء كما فعله في 2013 حينما ترشح للرئاسة. 
وفعلا تحمل خامنئي أضرار الخيارين وذاق الأمرين. وبسبب الوضع الهش الذي يعيشه خامنئي وزمرته والكراهية الشديدة التي حصلت حتى داخل عناصر زمرته، فإن أولئك الأعداد من مرشحي الزمرة المنافسة الذين سمح لهم بالترشيح قد هزموا مرشحي زمرة خامنئي في كثير من الدوائر الانتخابية. وبما أن إدارة عملية الانتخابات تنفيذيا كانت بيد زمرة روحاني، كانت عملية التزوير من قبل إحدى الزمرتين ضد الزمرة الثانية أمرا صعبا. لاشك أن عملية التزوير بخصوص التلاعب بالأرقام لزيادة عدد المصوتين، وكانت تشمل الجناحين، كانت سارية حسب الاتفاق بين الزمرتين، ولكن عملية التزوير لجناح واحد كانت صعبة، وبالطبع كانت تتم في أبعاد محدودة. هذه الهزيمة في طهران تركت أبعادا مذلة لخامنئي. منتخبو طهران الثلاثون كلهم كانوا من زمرة “روحاني رفسنجاني” ومن يسمون بالمستقلين، وتم شطب كافة أفراد زمرة خامنئي، منهم رئيس هذه الزمرة، أي حداد عادل وهو والد زوجة ابن خامنئي. وكان خامنئي يبحث عن جعله رئيس مجلس الشورى كالسابق. وفي مجلس الخبراء أيضا تم شطب العناصر الرئيسية لخامنئي من أمثال محمد يزدي الرئيس الحالي لمجلس الخبراء، وأيضا مصباح يزدي، كما أن أحمد جنتي رئيس مجلس المراقبة على الدستور قد حصل على الرتبة الأخيرة في طهران. ومن المضحك أن 3 من أصل 6 ملالي بمجلس المراقبة على الدستور الذين حدّدوا أهلية المرشحين لمجلس الخبراء لم يحصلوا على الأصوات الكافية لدخول مجلس الخبراء! والسؤال هنا: كيف أن هؤلاء الملالي الذين يقررون أهلية الآخرين لم يكونوا هم أنفسهم مؤهلين؟! 
ما مدى تأثير مبدأ ولاية الفقيه على السياسة الإيرانية؟ 
بالنسبة لنتيجة الانتخابات، أعلنا منذ البداية أن نظام الملالي سيخرج من هذه الانتخابات أكثر ضعفا ًوهشاشة عما كان عليه في السابق، وهذا الذي حصل بالفعل، حيث أصبح خامنئي الخاسر الأكبر من هذه العملية لأنه ذاق الأمرّين، وبالرغم من قيامه بإقصاء المرشحين التابعين للجناح المنافس، وإقصاء حتى حسن خميني حفيد سلفه في الحكم، فإنه لم يستطع تحقيق أي نجاح. ويكفي أن نرى أن المنتخبين الثلاثين في العاصمة طهران لمجلس الشورى كلهم من الجناح المنافس، وخامنئي لم يستطع حتى فرض والد عروسه حداد عادل الذي كان رئيس المجلس في دورة واحدة. وهكذا الحال في مجلس الخبراء، حيث رسب الرئيس الحالي لمجلس الخبراء الملا محمد يزدي، وأيضا مصباح يزدي الأب الروحي لجناح خامنئي، في دخول مجلس الخبراء، وبات أحمد جنتي رئيس مجلس المراقبة على الدستور في المرتبة الأخيرة في القائمة، وحيث إن موقع ولي الفقيه هو المؤشر الوحيد لموقع نظامه، فخسارة خامنئي معناها خسارة النظام وضعفه. 
هناك يبرز سؤال: هل يعني ذلك أن جناح “رفسنجاني روحاني” سيطر على السلطة في إيران؟ أقول لا. أولا مع أن خامنئي خسر في طهران لكنه في المحصلة النهائية حاز على أغلبية المقاعد، خاصة في مجلس الخبراء. والأهم من ذلك أن خامنئي، واعتماداً على مؤسسة الحرس ومؤسسة ولاية الفقيه التي تسيطر على مجمل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، سيبقى الرجل الأول في النظام. 
وأما خطاب الفصل في هذا المجال فهو أن المادة 57 من دستور النظام ينص بالحرف على أن “السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وتمارس هذه السلطات صلاحياتها بالإشراف المطلق لولي الأمر وإمام الأمة”. 
ما هو دور المعارضة الإيرانية وتأثيرها في الميدان؟ 
المعارضة الديمقراطية الشعبية الإيرانية، المتمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية و منظمة مجاهدي خلق ، عملت خلال أكثر من 3 عقود على توعية شعوب الشرق الأوسط بشأن طبيعة نظام ولاية الفقيه الذي يعتمد في بقاء حكمه على القمع في الداخل، وعلى تصدير الإرهاب والحروب إلى مختلف البلدان في الشرق الأوسط والشمال الإفريقي. كما أن هذه المقاومة كشفت النقاب عن المشاريع النووية السرية لهذا النظام، والتي كان النظام الإيراني يستخدمها من أجل الحصول على القنبلة النووية. وانطلاقا من واجبها الوطني حالت دون تحقيق هذا الهدف المروع للنظام المتطرف الحاكم في إيران. عدا ذلك، هذه المقاومة لا تزال تدعو أبناء الشعب إلى مقاطعة المسرحيات التي يلجأ إليها لتجميل صورته أمام العالم تحت لافتة “الانتخابات”، وكان مفعول هذه النشاطات أن الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الإيراني تقاطع دائما هذه المسرحيات. وفي مجال الجرائم التي يرتكبها النظام الإيراني ضد أبناء الشعب وانتهاكات النظام لحقوق الإنسان في إيران، شرحت المعارضة الإيرانية بالوثائق والمستندات وبشهود عيان الممارسات اللاإنسانية لهذا النظام، من الإعدامات والتعذيب ومختلف صنوف القمع، وبذلك تمت إدانة هذا النظام 63 مرة في أعلى الهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة. وبالمجال نفسه، قامت المقاومة بكشف المخططات الإرهابية لنظام الملالي في مختلف الدول الإسلامية والعربية، فبذلك أفشلت العديد من مخططاته الهدامة للقتل والتفجيرات والاغتيالات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *