كشفت وثائق أفرجت عنها الولايات المتحدة الأميركية نية الإدارة الأميركية غزو دول منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” واستخدام القوة، مع هذه الدول لا سيما بلدان السعودية والكويت والإمارات، إبان حرب أكتوبر عام 1973، بعد أن حظرت البلاد العربية المنتجة للنفط التجارة مع الولايات المتحدة، بحسب صحيفة “ذا ناشونال انترست”.
وكشفت الصحيفة عن فحوى وثائق تضمنت معلومات عن نية أميركا استخدام القوة ضد الدول الخليجية في أعقاب حرب أكتوبر، مبينة أن وزير الدفاع الأميركي شلبسنغر كان محرّضا على ذلك.
واعتبرت الصحيفة أن الأشهر الأخيرة من سنة 1973 كانت أوقاتا يائسة، حيث حظرت البلاد العربية المنتجة للبترول التجارة مع الولايات المتحدة الأميركية في تشرين الأول، بسبب تقديم الولايات المتحدة الأميركية المساعدات لإسرائيل أثناء حرب أكتوبر أو ما يعرف عند اليهود بـ”يوم الغفران”.
وتقول الصحيفة: “في الوقت الذي تم رفع الحظر كان الضرر تحقق، إذ تضاعفت أسعار النفط العالمية بمقدار أربعة أضعاف؛ ما أدى إلى ركود في الحراكات الاقتصادية، وتضخم في الأسعار، ويصعب على أي مواطن أميركي عاش في السبعينيات نسيان الصفوف الطويلة على محطات الوقود، والتي كانت تلوح بأعلام خضراء أو حمراء إشارة إلى احتوائها على الوقود في مضخاتهم من عدمه”.
وتضيف: “مع معاناة سوق النفط اليوم من الركود وهبوط أسعار النفط، يصعب على المرء التخيل أنه مر وقت كان الأميركيون فيه يشترون الغاز في أيام محددة بالاعتماد على احتواء لوحة القيادة على رقم فردي أو زوجي”.
وتتابع: إن العالم انقلب رأسًا على عقب، حيث تحولت الدول الغنية بالنفط من مجرد منتجة للموارد تحت رحمة الدول الغربية وشركات النفط الكبرى، إلى دول ذات هيمنة عالمية بين عشية وضحاها، وذلك يظهر بتدفق الكثير من النقود وتسلحهم بأغلى أنواع الأسلحة، وارتجف العالم بعدها أمام منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، والتي يتحكم أعضاؤها المكونون بالغالب من الدول الشرق أوسطية، بالشريان الرئيس للاقتصاد العالمي.
ومثل باقي دول العالم، كانت الولايات المتحدة الأميركية تدفع بخضوع أسعار النفط المبالغ فيها. لكن ماذا لو اختارت الولايات المتحدة الأميركية أخذ النفط بالقوة، بدلا من دفع المبالغ الباهظة؟- تساءلت الصحيفة.
وتمضي الصحيفة: “في 2004، كشفت وثائق بريطانية تم رفع السرية عنها أن الولايات المتحدة الأميركية قد أخذت بعين الاعتبار خيار الاستيلاء العسكري على النفط في الشرق الأوسط. لكن بالرغم من عدم ذكر خطة عسكرية واضحة، إلا أن الوثائق تظهر أن القادة البريطانيين كانوا يشعرون بالقلق بسبب محادثة، تمت بين جايمس شلبسنغر، وزير الدفاع الأميركي وبين لورد كرومر، السفير البريطاني في الولايات المتحدة الأميركية”.
ووفقا للوثائق فقد قال شليسنغر لكرومر “لا أفهم لم لا تستطيع الولايات المتحدة استخدام القوة!. فإحدى النتائج الغريبة حول أزمة الشرق الأوسط أن الدول الصناعية خاضعة لرغبات الدول النامية قليلة السكان، وبالتحديد دول الشرق الأوسط،”، مضيفا، إن استخدام القوة قد يغير من الرأي العام حول استخدام القوة المتاحة للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.
وكان إدوارد هيث، رئيس الوزراء البريطاني قلقًا بما فيه الكفاية، بسبب كلام شليسنغر القاسي، بالإضافة إلى التلميحات بالتحرك العسكري من وزير الخارجية هينري كيسينجر؛ ما جعله يأمر الاستخبارات البريطانية، بإجراء تقييم لنوايا الولايات المتحدة الأميركية، واستنتج تقرير النوايا البريطاني أن الولايات المتحدة الأميركية “قد تأخذ بعين الاعتبار عدم قدرتها على تحمل موقف تكون فيه هي وحلفاؤها تحت رحمة مجموعة صغيرة من البلدان غير العقلانية، ونحن نؤمن بأن الولايات المتحدة الأميركية تفضل القيام بعملية سريعة تقودها بنفسها من أجل الاستيلاء على حقول النفط.. حيث ستكون القوة المطلوبة للعملية المبدئية مكونة من لواءين، أحدهما للمملكة العربية السعودية، والآخر للكويت، ومن المحتمل تخصيص لواء ثالث من أجل الإمارات.”
وأضاف تقرير النوايا البريطاني: “سيتطلب البناء وجود قوة بحرية أميركية كبيرة في المحيط الهندي، أكبر بكثير من القوات الموجودة حاليا.. وبعد الهجمات الرئيسة، سيتم نقل فرقتين “إضافيتين جوا من الولايات المتحدة الأميركية.”
وقامت لجنة الاستخبارات المشتركة البريطانية بإجراء حسابات، وأشارت إلى أن الاستيلاء على حقول النفط بمجموع 28 مليار طن من احتياطات النفط سيكون كافيا لتزويد الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، لكن التقرير حذر من أنه “سيكون على أميركا مواصلة الاحتلال لمدة عشر سنوات، بينما يقوم الغرب بتطوير مصادر بديلة للطاقة؛ ما سيؤدي إلى “العزل التام” للعرب ولغالبية دول العالم الثالث عن العالم.” كما أعرب المحللون البريطانيون عن قلقهم من ردة فعل الاتحاد السوفييتي، لكنهم توصلوا إلى أنه يرجح أن تكون استجابة موسكو على شكل بروبغندا بدلا من القوة.
وكان من المحتمل أن تواجه الولايات المتحدة حين استيلائها على منابع النفط مشاكل بسيطة، فقد خرجت توا من فيتنام الأمر الذي كان من الممكن أن يعزز انقسامات في صفوف القوات الأميركية حيال الحرب في الشرق الأوسط وذلك في وقت كانت لا تزال فيه تحافظ على قواها العسكرية لمواجهة أي اعتداءات من الاتحاد السوفيتي ضد أوروبا.
وفي عام 1973، افتقرت المملكة العربيبة السعودية إلى كل ما يلزم من الأسلحة الأميركية، والأوروبية المتقدمة كطائرات أف 15 و نظام الإنذار المبكر و التحكم AWACS، والتي تمكنت أموال النفط من شرائها لاحقًا.
ويقلل التقرير من قدرة الدول المذكورة اليوم بقوله: “تشيع الشكوك حول قدرة المملكة العربية السعودية على استخدام تلك الأسلحة المتطورة، كما جرى الأمر مع الكويت حين لم يستطع الوقوف في وجه اجتياح صدام حسين للبلاد عام 1990″. ويفترض التقرير بالمقابل أن تلك الدول لم يكن في مقدورها أيضا وقف القوات الأميركية عام 1973 .
لكن في النهاية، لم تفعل الولايات المتحدة الأميركية والعالم أي شيء عدا إنفاق المزيد من الأموال للحصول على النفط.
حقيقة الأمر، أن حظر سوق النفط جاء في أسوأ الأوقات، فقد كان إنتاج النفط الأميركي في انحدار منذ عام 1970، وكانت معدلات التضخم في أوج ارتفاعها و كان الرئيس نيكسون في أتعس لحظاته، إثر فضيحة “ووترغيت“، ناهيك عن الانسحاب الأميركي من فيتنام، حيث كان الجيش مثخناً بالهزائم، وآخر ما يرغب به الشعب الأميركي هو خوض حرب أخرى، كانت لاحتلال طويل الأمد، للشرق الأوسط أن يستدعي السيناريو الذي حدث في ستينيات القرن الماضي.
ولو قامت القوات الأميركية باجتياح منابع النفط في المنطقة العربية، لكان من المرجح أن تقوم بذلك وحدها، إذ لم تبد المملكة المتحدة أي رغبة في ذلك، وستقتصر ردة فعل قوات “الناتو” حلفاء الولايات المتحدة، باستثناء البرتغال، على حظر طيران وإعادة شحن وقود الطائرات الأميركية التي تنقل المعدات والمؤن إلى إسرائيل خلال “حرب أكتوبر” وسيكون العالم الثالث الذي لا يزال يصارع للتحرر من أعباء الاستعمار، بالكاد يقوى على فعل شيء.
حقيقة، إن الدولة الوحيدة التي كان من الممكن ألا تكون مستاءةً من هذا الأمر هي إيران، والتي كانت الحليف الأكبر للولايات المتحدة في ذلك الوقت.
بشكل حتمي، فإن سيناريو اجتياح السعودية الذي كان مطروحا عام 1973 استعمل بعد ثلاثين سنة، وذلك باجتياح العراق عام 2003 ، لكن جاءت شروط الاجتياح مختلفة تماما: “امتلكت السعودية في ذلك الوقت أغلبية سكانية، أقل من العراق وكانت أهداف الاجتياح تغيير النظام في العراق، خلافا للاستيلاء على الموارد الطبيعية في السعودية”.
وتختم الصحيفة تقريرها بالقول: “في النهاية، كما حدث في العراق، فإن السؤال المتبقي هو: ماذا ستفعل بقطعة من الأرض بعد استيلائك عليها؟ هل كان لاحتلال دائم أن يحيل آبار النفط السعودي، إلى خليج غوانتنامو آخر؟ أم أنك ستعيد حقول النفط فقط إن خفضت أوبك سعر البرميل، حيث لن يخلّف ذلك إلا علاقات متكدرة، بين العالم وبين مصدري النفط الكبار ؟ إن الحل الأفضل هو الحل المطروح اليوم، عليك إيجاد مصدر طاقة جديد ينأى بك عن الاعتماد على النفط الأجنبي”.