سد الموصل هو الأكبر في العراق. وتم تدشينه في عام 1986 من قبل صدام حسين، وأطلق عليه بداية اسم “سد صدام”. تم بناء السد على موقع غير مستقر جيولوجيا، على الرغم من تحذيرات المهندسين الذين حذروا من أن التربة الجبسية التي أسس عليها السد لا يستطيع الحفاظ على وزن جدار السد الرئيسي بطول 3.4 كم وارتفاع 113 متر. وسرعان ما اكتشف أن التحذيرات كانت دقيقة، لأنه كانت هناك حاجة إلى حقن يومي من الخرسانة لسد التسريبات باستمرار. وفي السنوات الـ 30 الماضية، تم ضخ أكثر من 90،000 طن من الخرسانة لهذا السد لتحقيق الاستقرار في هيكله.
وقد تزايدت المخاوف من انهيار وشيك للسد في أغسطس 2014 عندما استولى عليه داعش على الرغم من أن قوات مشتركة من البيشمركة الكردية والجيش العراقي تمكنوا من ردع داعش بعد عشرة أيام فقط. ومع ذلك، توقفت جميع أعمال الصيانة والأعمال الروتينية لحقن الخرسانة لعدة شهور، مما تسبب في المزيد من الإضعاف الخطير لهيكل السد. وبدأ المهندسون العسكريون الأمريكيون يحذرون من أن انهيارا وشيكا من السد قد يحصل، مما يطلق العنان لموجة مد هائلة من البحيرة أي 11.1 مليار متر مكعب، على نهر دجلة. وقد خصصت الحكومة الأميركية أكثر من 30 مليون دولار للمراقبة والإصلاح، والعمل جنبا إلى جنب مع الفرق العراقية، ولكن سنوات من الفساد المنفلت تحت قيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وعدم الاستثمار في مشاريع البنى التحتية، تسببا في المزيد من تدهور الوضعية الهشة لسد الموصل. ويخشى الآن من أن تدفق المياه والمناهل الربيعية سوف يطغى عليه ويسبب انهياره. والواقع الآخر أن اثنين من بوابات الطوارئ للسد فقدا قدرتهما على تخفيف الضغط الشديد وبالتالي جعلا الوضع أكثر هشاشة من ذي قبل.
ويقع السد شمال ثاني أكبر مدينة في العراق، الموصل، مركز محافظة نينوى وموطنا لاثنين ونصف مليون نسمة. وقد استولى داعش على الموصل منذ يونيو 2014. وغالبية السكان هم من السنة ينتظرون بقلق تحريرهم، غير أنهم واعون لحقيقة أن غالبية الإخوة والأخوات في مدينة الرمادي السنية ذبحوا كالخراف على يد الميليشيات الطائفية الشيعية في عملية إبادة جماعية طالتهم خلال عملية استعادة المدينة من داعش في فبراير الماضي، وترك بالكاد مبنى واحد يقف على حالها. وقد ساعدتهم في ذلك الضربات الجوية الأمريكية والاتحاد الأوروبي، التي بدأت الآن في أطراف الموصل.
ان وقوع سد الموصل على مقربة من المدينة المحاصرة قد زاد التوتر في العراق وعلى الصعيد الدولي. وأعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي الشهر الماضي إبرام عقد قدره 296 مليون دولار مع مجموعة تريفي الايطالية لتعزيز سد الموصل، ولكن لا توجد خطط للتعامل مع احتمال انهيار السد، والكارثة البيئية التي من شأنها أن تترتب على ذلك. ويزعم مسؤولون أمريكيون أن بغداد لا تأخذ التهديد على محمل الجد، وعندما التقى وزير الخارجية الامريكي جون كيري بالعبادي في 21 يناير في دافوس بسويسرا، قال انه سلمه مذكرة سرية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن السد. ويشير التدخل الشخصي للرئيس الى أن انهيار السد قد انتقل إلى واجهة المخاوف الأمريكية على العراق، والذي يعكس خشية من أن انهياره يقوض أيضا الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في حكومة العبادي ويعقد الحرب ضد داعش. وأكدت التقارير الأخيرة من قبل مهندسي الجيش الأميركي أن السد “هو في خطر أكبر بكثير مما كان يفترض سابقا.”
وجاء في بيان صدر مؤخرا من قبل سفارة الولايات المتحدة في بغداد أن أكثر من 500،000 من 1.5 مليون شخص يعيشون في المناطق المعرضة لخطر أكبر من وادي دجلة سيفقدون حياتهم في حالة انهيار السد. ووصف مسؤول أميركي رفيع المستوى الأرض التي تم بناء السد عليها بأنه “يعادل جيولوجيا بما يوصف بالجبن السويسري.” الامريكيون يحذرون من أنه في حال انهيار الجدار العملاق للسد (55 مترا) ستغمر المياه خلال 4 ساعات معظم أحياء الموصل وجزء كبير من المدينة ويقتل مئات الآلاف من الأهالي. إن موجة المد والجزر تصل إلى بغداد في غضون ثلاثة إلى أربعة أيام، نتيجة ارتفاع منسوب مياه نهر دجلة إلى 10 أمتار مما يتسبب في الموت والحاق دمار على نطاق واسع وستغمر المياه مطار بغداد الدولي. كما تتعطل ثلاث محطات من الطاقة المائية التي تقع في سد الموصل حيث تولد أكثر من 1000 ميغاواط من الكهرباء. مياه الفيضانات تغمر قذائف مدفعية غير المنفلقة، والمواد الكيميائية والعديد من المباني، مما يتسبب في أضرار بيئية كارثية في مساحة هائلة. ان مسار الفيضانات على مساحة 500 كيلومتر أيضا يسبب في إتلاف أو تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية وضرب محطات الكهرباء، ويعطل عمل شبكة الكهرباء العراقية بالكامل. كما أن الأراضي الزراعية هي الأخرى تتعرض للخسارة بشدة وتؤثر على الإمدادات الغذائية بشكل كبير.
لكن السلطات العراقية تقلل من هذا الخطر. وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى أن الحكومة تعتقد أن توقيع العقد مع الايطاليين قد خفف من حدة التوتر والخشية لدى السكان وأن إثارة أي تحذير للناس فيما يتعلق بخطر محتمل سيثير المخاوف التي لا داعي لها بين الناس الذين يواجهون بالفعل مخاطر أمنية يومية. كما وفي الوقت نفسه أن انشغال رئيس الوزراء العبادي إلى احتجاجات حاشدة ضد الفساد الحكومي، مما أدى إلى تعديلات كبيرة في كابينة الحكومة تسبب في تقليل اهتمامه الى هذا الأمر. مع تزايد الضغوط على العبادي، لا ينبغي السماح بأن مصير سد الموصل يهبط الى قاعدة جدول أعماله. انهيار السد قد يختم مصير العبادي وتدمير جزء كبير من العراق.