أكدت سنية الزكري المكلفة بالإعلام بمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة “الكريديف” الذي نظم مؤخرا لقاء صحافيا بحضور السلطات التونسية التي لها علاقة بالموضوع أن نسبة العنف المسلط ضدّ المرأة في الأماكن العامة ارتفع ليصل إلى 80 بالمائة.
وجاء ذلك بمعدل 8 نساء من مجموع 10 على مستوى التحرش الجنسي وأن 90 بالمائة كاملة أي من جملة 9 من 10 نساء يتعرضن إلى الاعتداء بمثل هذا النوع من العنف في وسائل النقل العمومي، مشددة على أن 97 بالمائة من المتعرضات إلى التحرش لا تقمن بالتتبع العدلي، بسبب الحرج في رفع الشكوى التي ترى بعضهن في ذلك مسا من الصورة والسمعة وقد تتسبب في مشاكل في العائلة، في حين أن 3 بالمائة فقط من النساء يرفعن شكاوى ضد للجناة.
من جانبها أكدت وزارة النقل من خلال ممثلها زياد الدريدي، إصدارها لبيان بالمناسبة، مذكرة بالرقم الأخضر التي وضعته على ذمّة النساء اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي في وسائل النقل العمومي، مثل الحافلات والمترو والقطارات مضيفة أنه تم اتخاذ إجراءات أيضا في هذا الجانب تكمن في انتداب 120 عونا لمرافقة السفرات الليلية من أجل التصدي للظاهرة.
سلوك رجالي مرضي شاذ، ومؤثر على المرأة
ولخص الدكتور المختص في علم النفس عبد الستار المحمودي الظاهرة بقوله “في حال كانت المرأة، الطالبة أو العاملة، ذات شخصية هشة وغير متماسكة أو ضعيفة فسيؤثر عليها ذلك كثيرا مستقبلا، وقد يصل الأمر بها إلى رفض الروابط الزوجية لأنها سترى في ظل الرجل صورة سلبية مماثلة لصورة الرجل الذي تحرش بها، حتى وإن استطاعت تكوين أسرة فقد لا ينفع معها تغيير المكان”، مضيفا أن سلوك المتحرش عادة ما يكون مرضيا وسببه الاضطراب وعدم الاستمتاع بالعلاقات الجنسية العادية، حيث يرى أن في ذلك ممارسة قد تسعده لنيل ما يريده من الطرف الآخر بقدر من العنف والإجبار والقهر، وهو النموذج المرضي والمضطرب.
وأشار المحمودي إلى أن التحرش لا يقتصر على المضطرب نفسانيا فقط بل يمكن أن يحدث من أشخاص عاديين في ظروف تشجعهم على ذلك، وهذا بحسب تعبيره يسمى “التحرش العرضي” أو ” التحرش الموقفي”، بمعنى أنه سلوك عارض في حياة الشخص أو سلوك ارتبط بموقف معين وليس بالضرورة أن يتكرر، على عكس التحرش المرضي الذي فيه فرصة للتكرار ووراءه دوافع متجددة تدفع الشخص للتورط فيه من حين إلى آخر معتبرا ذلك النوع الأخطر الذي لا رادع له سوى القانون.
تدهور القيم الأخلاقية ساهم في انتشار الظاهرة
أما الباحث في علم الاجتماع فيصل السهيلي فقد قال : ” ثقافة التكتم والتعتيم لدى النساء وغياب التربية الجنسية وأيضا الكبت، لدى الشباب والرجال عامة، وكذلك حالة الازدحام بما يسمح باختراق خصوصيات الآخرين، فضلا عن انتشار حالات الاقتراب غير المحسوب بين الجنسين في الأماكن العامة وخاصة منها وسائل النقل، إضافة إلى انتشار البطالة والفقر وتدهور القيم الدينية والأخلاقية، وانتشار القنوات الإباحية والملابس الفاضحة والخليعة تمثل كلها بيئة أساسية لانتشار ظاهرة التحرش” ، مؤكدا أن الانفلات الأخلاقي والأمني للأعوام الأخيرة، ما بعد 14 يناير 2011 , في تونس، وفي غياب وسائل الردع، ساهم ولا شك في ارتفاع نسب المتحرشين.
مسؤولون مرموقون متورطون بالتحرش
وأضاف السهيلي أن الظاهرة لم تقتصر على الأماكن العمومية بقدر ما شملت حتى بعض الإدارات، مؤكدا أن ملامح المعتدي عموما ما تكون لشخص له مكانة اجتماعيا ويعد من أهل الثقة وأحيانا يلتحف بثوب التدين والرصانة وحسن الأخلاق، مضيفا “أن هناك أثرا بالغا على سير العمل وانتداب الفتيات منهن خاصة، حيث لا يكون القبول على أساس الكفاءة والمؤهلات، بقدر ما تكون عناصر جديدة في أولوية التوظيف، مثل الجمال وحسن المظهر اللذين يعتبران من أهم الصفات المطلوبة في المتقدمة عند المتحرش المصاب بهذا المسلك المشين.