أعلنت الحكومة الجزائرية عن عزمها على إغلاق 55 محطة تلفزيونية، ضمن خطة تهدف لضبط القطاع السمعي-البصري في البلاد.
وقال رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال إن الحكومة ماضية في قرار “تطهير القطاع وإنفاذ القوانين” التي تحكمه. وطلب من وزير الاتصال المباشرة في تنظيم أوضاع القطاع السمعي البصري في أقرب أجل.
صدمة كبيرة
قرار الحكومة الجزائرية بالحرب على الإعلام المُخالِف شكَّل صدمة كبرى في الأوساط الإعلامية، بسبب الانعكاسات السلبية التي سيخلفها. فالقرار يشمل وضع حد لأنشطة 55 من أصل 60 محطة تلفزيونية تعمل في البلاد وتوفر عشرات فرص العمل.
وتقول الحكومة الجزائرية إن هذه القنوات تعمل من دون ترخيص وتبث مضامين تحريضية تتنافى مع أخلاقيات مهنة الصحافة، لكنها أبقت الباب مفتوحا أمامها لتسوية أوضاعها بحسب رئيس الوزراء.
وتعهد عبد المالك سلال بأن “كل القنوات التي ستلتزم ببنود دفاتر الالتزام الموقعة معها، ستعتمد كقنوات جزائرية، تستفيد من الدعم والتشجيع الذي ينص عليه القانون. أما تلك التي تخالفه، فسيتم منعها من النشاط في الجزائر”.
ويبدو أن عشرات الصحافيين الجزائريين مهددون بالبطالة نتيجة هذا القرار؛ خاصة أن القنوات التلفزيونية الخمس، التي سيتم الإبقاء عليها لن تستطيع حتما استيعاب هذا العدد من الصحافيين والفنيين.
اتهامات للحكومة
وفي حين تلقي الحكومة الجزائرية باللوم على وسائل الإعلام في زعزعة السلم الاجتماعي، يتهم الكثير من العاملين في مجال الإعلام السلطات بالمسؤولية عن تمييع الحقل ومحاصرته. فبعد إغلاق 40 صحيفة بسبب التضييق عليها في مجال الإشهارات (الإعلانات)؛ جاء الإعلان عن إغلاق 55 محطة تلفزيونية ليزيد الوضع سوءا، كما يقول رئيس التحرير السابق لقناة “الخبر” عثمان لحياني.
ويرى عدد من الصحافيين أن السلطة أطلقت العنان للفوضى، ثم حاولت السيطرة عليها مجددا؛ وهو ما سيخلق أزمات جديدة.
ولم تفوت المعارضة الجزائرية الفرصة لتحميل الحكومة مسؤولية تردي واقع الإعلام؛ حيث أكدت أن الحكومة رفضت تنظيم القطاع الحساس؛ لأنها تستفيد من هذه الفوضى عبر التحكم في وسائل الإعلام بالشكل الذي يسمح لها بتحديد سيناريوهات المرحلة المقبلة من دون رقيب.
هذه الاتهامات رد على عليها رئيس الوزراء عبد المالك سلال، قائلا إن الحكومة وضعت آلية للمتعاملين الراغبين في تقديم خدمات سمعية – بصرية على أساس عدة شروط تحدد الحقوق والواجبات، وفتحت المجال أمام الانضباط الذاتي رغم البداية غير المنتظمة، وهو ما لم يحدث، وفق تعبيره.
خارج القانون
ويتألف المشهد البصري-الجزائري من نحو 60 محطة تلفزيونية لكن خمسا منها فقط تحظى بترخيص يسمح لها بالعمل داخل البلاد، بوصفها مكاتب لقنوات أجنبية.
ويحيط بالتجربة الإعلامية الجزائر الكثير من اللغط، وخاصة فيما يتعلق بمصادر التمويل والتهرب الضريبي؛ حيث تُتهم بعضها من قبل أوساط إعلامية بأنها خلقت سوقا موازية تستنزف الدخول المالية من الإشهارات (الإعلانات)، وتحولها إلى خارج البلاد في شكل تعويضات عن تكاليف البث الفضائي.
وتحاول خمس محطات، وهي: “النهار” و”الجزائرية” و”الشروق” و”الهقار” و “دزاير”، استغلال الاعتمادات الممنوحة لها بوصفها فروعا لقنوات أجنبية، لإنتاج برامج محلية والبث من داخل البلاد، رغم أن القانون يصنفها كقنوات أجنبية.
هذا، وبينما تعمل 55 قناة أخرى تحت غطاء التراخيص لها، بوصفها وكالات إنتاج يفرض عليها القانون تحويل المواد التي تقوم بإنتاجها إلى مقر القناة الأصلي، الذي يفترض القانون الجزائري أنه خارج البلاد.
إن أزمة إغلاق جزء من الفضاء الإعلامي المستقل في الجزائر قد أعادت إلى الواجهة المخاوف من مستقبل وسائل الإعلام المستقلة، وخاصة أنها جاءت في وقت يترقب فيه الوسط الإعلامي حكم القضاء في القضية، التي رفعتها الحكومة لإبطال بيع جزء من مجموعة “الخبر” إلى رجل الأعمال الجزائري سعيد ربراب.