تشهد العلاقات التركية الألمانية موجات من التصعيد الدبلوماسي والجدل السياسي المتصاعدة والمتلاحقة، كان آخرها توصيت غالبية أعضاء مجلس النواب الألماني الخميس لصالح قرار يصف مذابح الأرمن التي أقدم عليها العثمانيون في العام 1915 بـ”الإبادة الجماعية”.
في هذا الإطار أيضا لم يسلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مما اعتبرته أنقرة هجوما إعلاميا ألمانيا ممنهجا يستهدف شخص أردوغان، علاوة على أنه تدخل سافر في شؤونها الداخلية.
وكان غالبية نواب البرلمان الألماني صوتوا الخميس لصالح قرار الاعتراف “بالإبادة الجماعية للأرمن”، في حين صوت نائب واحد ضد القرار، بينما امتنع نائب آخر عن التصويت، في حين رأى مسؤولون أتراك في القرار البرلماني اختبارا فعليا للصداقة بين أنقرة وبرلين.
لكن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير عبر عن أمله في أن لا يؤدي القرار إلى تداعيات على جهود حل القضية بين تركيا وأرمينيا، أو تأزم العلاقات لفترة طويلة بين ألمانيا وتركيا.
في حين يرى مراقبون أن القرار الألماني صفعة موجعة في تاريخ العلاقات مع تركيا، توقعوا أن يؤدي القرار الألماني الجديد إلى عرقلة الاتفاقيات الألمانية التركية حول وقف تدفق اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوربي عبر تركيا.
بيد أن الدولة التركية وحكوماتها المتعاقبة تنكر “الإبادة الجماعية”، بل وتقلل من شأن ما جرى إبان الحرب العالمية الأولى بقولها إن “أعداد الضحايا أقل من ذلك بكثير”، في حين تنفي بشكل قاطع عمليات الترحيل الجماعية التي تعرّض لها الشعب الأرمني.
كما تعتبر أنقرة أن ما جرى شرق البلاد كان من تبعات الحرب التي طالت أضرارها جميع القوميات التابعة للإمبراطورية العثمانية حينها، بعد أن ثار الأرمن ضد الإمبراطورية بالتعاون مع الجيش الروسي.
في السياق، شهدت الفترة الماضية تعثراً واضحاً في تطبيق الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوربي، الموقع يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، الذي ينص على التزام أنقرة بوقف تدفق اللاجئين إلى القارة الأوربية، مقابل منحها دعماً مادياً بقيمة 6 مليارات يورو، وتفعيل المفاوضات بشأن الانضمام للاتحاد الأوروبي، وإلغاء شرط تأشيرة الدخول لأوربا للمواطنين الأتراك.
بالعودة إلى حيثيات قرار البرلمان الألماني، نجد أن القرار يندد بالدور الذي قامت به آنذاك حكومة تركيا الفتاة من إبادة شبه تامة للأرمن، كما يندد القرار بالدور المؤسف للرايخ الألماني الذي لم يفعل شيئا لوقف هذه الجريمة ضد الإنسانية بصفته الحليف الرئيسي للدولة العثمانية.
في الوقت الذي حذرت فيه أنقرة البرلمان الألماني من الاعتراف “بالإبادة الجماعية للأرمن، اعتبر إبراهيم كالن المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “التحدث عن ذلك دون دليل تاريخي أو قانوني ليس شيئاً آخر غير إساءة توظيف سياسية”.
بدوره عبر أردوغان عن قلقه للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فيما يتعلق بمشروع القرار، داعياً ألمانيا إلى التعامل مع المسألة بمنطق سليم، محذرا في الوقت ذاته من الإضرار بالعلاقات بين البلدين، مسلطاً الضوء على حساسية المسألة.
وكانت أرمينيا ورعاياها المنتشرون حول العالم أحيوا يوم 24 نيسان/إبريل الماضي الذكرى الـ 101 للإبادة الجماعية على يدالعثمانيين، في حين يحاول الأرمن والسريان واليونانيون الذين يتبعون الديانة المسيحية حشد أكبر قدر ممكن من التأييد الشعبي والرسمي، لاتخاذ موقف موحّد لمواجهة الجمهورية التركية التي ترفض الاعتراف بـ “الإبادة الجماعية”.
في هذا، حققت الجاليات الأرمنية نجاحات متلاحقة في بعض العواصم الأوربية كان أبرزها اعتراف فرنسا التي تحتضن مئات الآلاف من الأرمن بالمذابح، إضافة إلى إصدار باريس قانوناً يصف المذابح بـ”أعمال الإبادة” ويجرم من ينكرها بل ويفرض عليه عقوبات وغرامات.
ومذابح الأرمن وتعرف أيضا باسم المحرقة الأرمنية أو الجريمة الكبرى تشير إلى القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن من قبل الدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل القسري.
في حين يقدّر الباحثون أن أعداد الضحايا الأرمن تتراوح ما بين مليون إلى مليون ونصف شخص.