انتقل فريق عمل صحيفة “الحرية والعدالة” الذراع الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، عقب الإطاحة بزعيم الجماعة الارهابية محمد مرسي يونيو 2013، من القاهرة، إلى عواصم عدة من بينها الدوحة ولندن وأنقرة، لقيادة وتحريك تروس النوافذ الصحفية والإعلامية للجماعة.
فتأسست صحيفة “العربي الجديد” وأدارها في البداية الصحفي المصري المقرب من الجماعة “وائل قنديل” تحت إشراف المفكر الفلسطيني -القريب من دوائر صنع القرار في قطر- عزمي بشارة الذي كان له دور في تأسيس سلسلة نوافذ إعلامية إضافية من بينها موقع “عربي 21″، بالإضافة إلى قنوات تلفزيونية جديدة.
وتلقت كافة هذه النوافذ الدعم بشكل مباشر أو غير مباشر، من بابين أكثر انتشارًا من الناحية الجماهيرية في الوطن العربي هما “قناة الجزيرة” ووكالة أنباء “الأناضول” التركية.
توزيع أدوار وتشابك
وكشف تحقيق أجري في محاولة لرصد “شبكة إعلام الإخوان”، انتقال رئيس تحرير “الحرية والعدالة” آنذاك لإدارة وكالة الأناضول بالقاهرة قبل أن ينتقل إلى إدارة القسم العربي بالوكالة في إسطنبول.
وتوزعت الأدوار المهنية بين أفراد العائلة الإعلامية الإخوانية، على “العربي الجديد” و”عربي 21″، ووكالة “الأناضول” وقناة “الجزيرة” وموقعها الإلكتروني “الجزيرة نت”.
ومن هنا بدأت الخيوط تتشابك، وبعد مرور عام على تثبيت الأطراف المختلفة في النوافذ المتعددة، بدأت الصورة تبدو أكثر وضوحًا من خلال نقل تلك الشبكات، الأخبار عن بعضها البعض، فيما تلاصقت الأيديولوجية والتناول الإعلامي والصحفي لكافة الأحداث، ما بدا في النهاية نافذة واحدة تدار بفكر واحد، وإن تعددت الإدارات كما وصفها مصدر مقرب من الجماعة بأنها “أوركسترا تتحرك وفق إشارات المايسترو عزمي بشارة”.
الخطة الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين في خضم التغيرات السياسية على الأرض، وفقدانهم قطاعًا كبيرًا من مؤيديهم جماهيريًا، دفعهم (بحسب مقربين من الجماعة)، إلى التفكير خارج الصندوق، وعدم الاعتماد على النوافذ الإعلامية التقليدية للتنظيم الذي اقتصر فيما يبدو على أعضاء الجماعة، فظهر موقعهم الرسمي “إخوان أون لاين” في محرك البحث غوغل بنهاية صفحة النتائج، وتصدرت في المقابل نوافذ جديدة بأسماء لا تتصل مباشرة بأسماء التنظيم.
وفي السابق كانت الأرقام واستطلاعات الرأي، تظهر تفوقًا كبيرًا للأداة الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين قبل 25 يناير 2011، حيث كانت من أقوى الأجهزة الإعلامية في مصر.
وظل موقع “إخوان أون لاين” والنوافذ الأخرى للجماعة، مصدرًا هامًا للأخبار منذ مطلع الألفية الثالثة حتى عام 2010.
واحتل موقع “إخوان أون لاين” عام 2005 مكانا بين المواقع الإلكترونية العشرة الأكثر شهرةً وتأثيرًا في مصر، وهو ما دفع الجماعة عقب التطورات الأخيرة والإطاحة بمرسي إلى استلهام التجربة السابقة عبر نوافذ صحفية وإعلامية جديدة.
صراعات واستقطابات
التغيرات والصراعات التي طرأتْ على قلب التنظيم الذي تشتت أعضاؤه الفاعلون بين عواصم عربية وأجنبية، لم تكن بعيدة عن أدواته الإعلامية، فانحازت مواقع إخبارية وإعلامية إلى طرف القيادات القديمة للجماعة أو ما سُمى بـ”الحرس القديم” بقيادة محمود حسين ومحمود غزلان وإبراهيم منير، وانخرطت مواقع أخرى في طريق دعم فصيل الشباب الذي يقوده عضو مكتب الإرشاد محمد كمال والمتحدث باسم الجماعة محمد منتصر، وهما طرفا الصراع الداخلي الذي فشلت كافة المحاولات في تهدئته مؤخرًا.
وفي تصريحات عبر “فيسبوك”، نفى القيادي الإخواني جمال حشمت، علاقة الإخوان تنظيميًا، بأي من وسائل الإعلام والصحافة المتواجدة حاليًا في الساحة، سواء داخل مصر أو خارجها، سوى التي تحمل اسم الجماعة.
“حشمت” برر تبني تلك القنوات والمواقع الإخبارية فكر وسياسية الجماعة، بأن “أي وسيلة إعلام وصحافة، لديها رؤية واستراتيجية، وأن تلك المواقع تتحرى أقصى درجات الدقة والحيادية في تناولها الصحفي والإعلامي، والذي جعلها في مراحل معينة تدافع عن شرعية وإرداة الشعب المصري”، على حد زعمه.
لكن حشمت اعترف أن المرحلة التي تمر بها الجماعة عقب الإطاحة بمرسي، كان لها أثر سلبيٌ على عدة قطاعات من بينها الأدوات الإعلامية، لافتًا إلى أن ثمة خطة تطوير لدى اللجنة الإعلامية بالجماعة لإعادة تطوير النافذة الإعلامية والصحفية، لتكون أكثر تفاعلاً مع الشعب المصري، على حد قوله.
تدخلات وتذمر
التدخلات التي مارستها إدارة جماعة الإخوان على هذه المواقع، دفعت بعدد من محرريها إلى مغادرة الموقع الإلكتروني، بدأت برحيل وائل قنديل عن رئاسة تحرير “العربي الجديد” وأسندت مهمة التسيير مباشرة لعزمي بشارة، بحسب مقربين من إدارة الموقع ”.
المصادر التي تحدثت عما سمته “تدخلات غير مقبولة”، و”خلط للأوراق”، دفعت بقنديل إلى مغادرة منصبه واستمراره في كتابة مقالاته في الصحيفة، فيما أشارت إلى أن التشابك كان واضحًا بين “العربي الجديد” “وعربي 21” و”الجزيرة”، بناء على التكليفات التي كانت تُملى على إدارات هذه المؤسسات للنقل من بعضهما البعض وعمليات ربط وتنسيق مشترك بين الأماكن الثلاثة في التغطيات الخبرية والتقارير.
وتشير المصادر في هذ الخصوص إلى مايقدمه قناة الجزيرة على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي من دعم لهذه النوافذ عبر نشر موادها وإشهار تقاريرها الصحفية، فضلا عن كتابة المقالات على أعمدتها الخاصة بالرأي.
“س.م” محررة صحفية في العربي الجديد، قالت إنها تركت العمل بالصحيفة بعدما تكررت عمليات إملاء للإدارة في السياسة التحريرية، من نوعية إنتاج تقارير لا تحظى بالحد الأدنى من المهنية الصحفية، رافضة العودة إلى أي وسيلة إعلامية إخوانية، على حد زعمها.
حجب وتحذير
بالتوازي مع بروز توجهات تلك المواقع، بدأت حكومات عربية أولها السعودية، ثم الإمارات، ومصر، والمغرب، بحجب تلك المواقع، بسبب التصاقها المباشر بجماعة الإخوان.