مثل الصعود المفاجئ لتنظيم داعش في سوريا و العراق قبل عامين لغزا بدأت أسراره تتكشف شيئا فشيئا مع بدء أفول نجم التنظيم الذي بشر يوما بفتح روما.
وبدأت الوثائق التي تركها داعش في المناطق التي خسرها في سوريا والعراق تكشف بعضا من خبايا التنظيم.
واستعرضت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية مجموعة من الوثائق السرية، التي تكشف أن تنظيم “داعش” يسعى لتجنيد العناصر، التي تعرف القليل عن الدين الإسلامي.
وقالت الصحيفة إن نموذج توظيف “داعش” يقيم المقاتلين الجدد من واحد إلى ثلاثة فيما يخص معرفتهم بالإسلام، حيث يتواجد المرشحون في مكان ما على الحدود السورية – التركية، وعادة ما يكونوا جهلة بالإسلام وتعاليمه.
ويكشف التقرير أن حوالي 70% من مقاتلي داعش أجابوا بأن معرفتهم عن الإسلام لا تتجاوز المعارف الأساسية، أي في درجة “واحد” على مقياس المتشددين.
وطبقا لشهادات بعض هؤلاء المجندين أمام محاكم أوروبية، والذين أُلقى القبض عليهم عند عودتهم من سوريا، قالوا إنه تم وضعهم من قبل متشددين من داعش في “منازل آمنة” وخصصوا لهم مقابلات شخصية مع أئمة يقومون بتلقينهم تعاليم التنظيم.
وقال مقاتل ألقي عليه القبض بعد عودته من سوريا، لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، إنه أدرك “أنه في المكان الخطأ” عندما سألوه “بمن سنتصل حينما تقتل؟”.
وأضاف المقاتل، (32 عامًا)، أنه حينما انضم للتظيم كان يعتقد بأنه سيذهب لقتال الرئيس السوري بشار الأسد، ومساعدة السوريين المدنيين، وليس من أجل ما تسمى “الدولة الإسلامية”.
وقالت الصحيفة البريطانية، إن هذا الأوروبي، الذي لديه بعض الأفعال الصبيانية، تجعله يبدو أصغر من عمره، ذهب إلى سوريا في عام 2014، وقال إن المقاتلين الجدد يتم إجبارهم على مشاهدة فيديوهات “داعش” عن الإسلام، ثم يعرضون على عدد من الأئمة لترديد الشهادة، ومن ثم يقطعون علاقاتهم بأسرهم، حيث يتم سحب الأجهزة الإلكترونية الخاصة بهم.
ووفقا لتحليل “أسوشييتد بريس”، فإن الوثائق تظهر أن 70% من المجندين في المرتبة الأدنى أي أن معرفتهم بالشريعة حديثة وبدائية، بينما 24% يمتلكون معرفة معتدلة ومتوسطة، و5% متقدمون.
ويظهر هذا الاستنتاج أن الأشخاص الذين لديهم معرفة محدودة بالعقيدة الإسلامية، أكثر عرضة للتجنيد من داعش أكثر من الذين لديهم فهم وإيمان عميق.
تربية الأميين على مبادئ التنظيم
وأشارت الوثائق إلى أن التنظيم يعتمد على من هم أقل معرفة بالإسلام، حتى يكونوا أسهل في تقبل الأفكار المتطرفة، والتعاليم المشوهة عن الإسلام، والتي تتناسب مع أفكار وأهداف التنظيم الإرهابي في التوسع الإقليمي، والقيام بعمليات الذبح.
ويشترط التنظيم في قبول أعضاء جدد أن يكون لديهم علاقات واهية مع الدين، والدليل على ذلك، أن منفذ عملية “نيس” في فرنسا، الذي قتل 85 شخصُا عبر شاحنة، وصف من قبل عائلته وجيرانه بأنه غير ميال للدين، حيث كان يقضي حياته ما بين الشرب والمرح، مع نزعة لرقص السلسا.
وقالت “أسوشيتد برس” إن الوثائق تثبت دخول 4030 مقاتل أجنبي في صفوف “داعش” بسوريا والعراق، في الفترة التي كانوا يسعون فيها إلى السيطرة والانتشار في البلدين عامي 2013 و 2014، وهي الفترة التي قدرت فيها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عدد مقاتلي التنظيم بما بين 20 إلى 31 ألف مقاتل.
ومن بين الوثائق المسربة، واحدة تكشف أن كل 9 من بين 10 شباب في مدينة ستراسبورج في شرق فرنسا، تم تجنيدهم من قبل رجل يدعى مراد فارس، وقال أحد هؤلاء الشباب ويسمى كريم محمد العقاد، إن الرجل استخدم معهم “النقاش السلس” من أجل اقناعهم بالانضمام لصفوف التنيظم.
وأضاف كريم أنه سافر برفقة شقيقه الأصغر وعدد من أصدقائه إلى سوريا في عام 2013، لافة إلى أن اثنين توفيا في سوريا خلال الأشهر الأولى، بينما تمكن 7 من الهرب والعودة إلى باريس، من بينهم شقيقه محمد العقاد، الذي اعتقل حينما عاد إلى باريس، حيث كان واحدًا من الثلاثة الذين اقتحموا مسرح “باتاكلان” في 13 نوفمبر الماضي، أثناء عمليات باريس، التي أودت بحياة 130 شخصًا.
وأكد “كريم” للمحكمة، أن معرفته بالشريعة لا تتجاوز الأساسيات، وتم تجنيده عبر كلام معسول مع مجندين، وذلك قبل أن يُحكم عليه بالسجن 9 سنوات.
وقال محمد العقاد أمام المحكمة، إن معظم المشاعر المشتركة بين المهاجرين من شمال إفريقيا إلى أوروبا أنهم يوصفون بالـ”عربي قذر” في فرنسا، وقال إنه غادر “داعش” بعد عدة أشهر من تواجده في سوريا، لأنه شعر بأنهم يعاملونه كمرتد عن الدين.
وعندما سأله قاضي المحكمة مرارا حول حدود علمه بـ”الشريعة الإسلامية”، والقانون الإسلامي، وكيف يقوم داعش بتطبيقه، كان المتهم يجيب باستمرار: “لا أملك المعرفة للإجابة عن هذا السؤال”.
البحث عن الشهرة يقود للموت
بدوره اعتبر المسؤول السابق بوكالة الأمن المركزي الأميركية باتريك سكينر أن سبب التحاق مثل هؤلاء بالتنظيم يعود إلى رغبتهم في الشعور “بالانتماء، والشهرة، والإثارة”، مضيفا أن الدين بالنسبة إليهم “فكرة ثانوية”.
وأكد سكينر أن “المجندين” يعانون من أزمات تتعلق بالهوية، ويفتقدون إلى معرفة كافية بالإسلام لمعرفة الأفكار الصحيحة من الخاطئة.
ومن جانبه، قال محمد عبدالفضيل، عالم إسلامي يرأس وحدة اللغة العربية في جامعة الأزهر، التي تتعقب دعاية التنظيم الإرهابي، إن “داعش” يبث أفكار ومفاهيم “سطحية” حول الحلال والحرام، أو ما هو مسموح أو ممنوع في الإسلام، لافتًا إلى أن أفكارهم مضادة لأفكار الإسلام والشريعة، التي تحرم الإرهاب والقتل، وفرض الإسلام على غير المسلمين.
وكشف الأستاذ في جامعة أوكسفورد طارق رمضان، لوكالة أسوشيتد برس، أن معظم قيادات “داعش” شغلوا مناصب عليا في حزب البعث أثناء حكم الرئيس السابق صدام حسين، مشددا على “أهمية أن يرد المسلمون على فِكر “داعش” بطريقة واضحة ومفصّلة”.