يدفع المسلمون من دمائهم وكرامتهم ثمنًا لتمزقهم وتناحرهم واختلافاتهم .. التى بلغت مبلغًا يهدد بقاءهم بل ووجودهم جميعًا دون أدنى استثناء .. لأنهم بكل صراحة سقطوا من الحسابات العالمية .. حتى أصبحوا جميعًا فى قفص الاتهام … يكادون يتوارون فى ظلال التاريخ ..
ولم يصلوا إلى هذا المستوى المتردى إلا بعد أن هانت عليهم أنفسهم وهان عليهم دينهم وضاع الحق بينهم وذابوا فى مآسيهم .. وأصبحوا لقمة سائغة تمضغ حينًا .. وتلفظ فى أحيان كثيرة ..
لقد وصموا وللأسف بكل بلية .. واتهموا فى غير جريمة .. ويحاربون فى كل مكان دون سبب .. سوى أنهم مسلمون! .. ومما زاد الطين بلة .. أن خلافاتهم تصل إلى حد أن بأسهم بينهم شديد .. وأملهم فى التوحد ولم الشمل معدوم .. بعد أن تهتكت أواصرهم .. وتمزقت عراهم .. فهووا إلى بئر سحيق ..
فكان أمرًا طبيعيًا أن تتوج هذه الانتكاسات وتتضاعف هذه الأوجاع .. بلطمة جديدة .. وصدمة شديدة .. وهى منع البعض منهم من الدخول إلى بلاد المهجر «أمريكا» كما كان يطلق عليها لعدة قرون ..
إنها أمريكا التى كانت مأوى المهاجرين .. وملجأ المضطهدين .. فى أنحاء العالم وبلاد الضعفاء والمشردين من أنحاء المعمورة ..
وإذا كان القرار الذى اتخذه «ترامب» بمنع دخول بعض الدول العربية والإسلامية .. صادمًا ومؤلمًا وشديدًا .. ويكشف بوضوح ويظهر حقيقة النظرة إلى المسلمين دون دبلوماسية .. فإننا قد ساهمنا إلى حد كبير وواسع ولفترة طويلة فى تلطيخ سمعتنا! .. والاستخفاف بأمرنا!!! .. وإهدار ما تبقى من عزيمتنا وهويتنا!!! ..
لقد جاء «ترامب» ليبدأ سياسته الجديدة بصورة صارخة تميزت بعلانية التحدى والازدراء فى إرساء قواعد العنصرية والتمييز .. إذ كانت أمريكا تتوارى عنه لسنوات .. مختفية وراء حقوق الإنسان .. ومبادئ الديموقراطية الرشيدة .. حتى وإن كانت تتخذ طرقها الملتوية فى الوصول إلى تحقيق أهدافها العدائية ضد الإسلام والمسلمين ..
وإن كنت أتعجب أن رئيس دولة عظمى كان الأولى به أن يتولى إصلاح شئون بلاده أولًا .. أو على الأقل أن ينشغل بمشاكله الداخلية ومحاولة احتوائه .. الاتجاهات المنظمة والجهات المنظمة لرفضه ومحاربته .. لا أن يأتى لرفع شعار إعلان الخروب الصليبية على هذا النحو السافر الذى نشهده ..
وإن كانت لغته هذه تؤكد شيئًا .. إنما هى تؤكد على أن عالمنا الإسلامى على مكانته وحجمه وعدده وموارده وإمكانياته لا يساوى شيئًا!! .. أصبح بحق كغثاء السيل!!! .. لا وزن!! .. ولا قيمة!! .. ولا مكانة!! .. ولا مكان له فى عالمنا المعاصر!!! ..
وإذا كان البعض قد عارض أو انتقد أو تناول الحدث بالاستهجان والرفض .. كما جاء على لسان «فيسك» الكاتب الإنجليزى الشهير الذى قال عنه: «إنه سابقة مخيفة وسيجلب الكوارث للعالم برمته».. وحول هذا القرار يقول أيضًا «ستافلى» فى التليجراف البريطانية: «إنه قرار غير ضرورى وخاطئ .. وسيكون ضرره أكثر من نفعه» .. أو كما قال آخرون: «إنها خطورة نادرة وغير معتادة ومنزلق خطير لأمريكا .. وأنها خطورة غير دستورية وتعتبر انتهاكًا للدستور الأمريكى» أو حتى كما قيل: «إن إجراءات التدقيق القصوى هى مجرد تعبير للتمييز ضد المسلمين» ..
لذلك اسمحوا لى أن أقول:
إن هذا القرار لابد أن يكون فيه مؤاخذة ومحاسبة لأنفسنا كمسلمين .. قبل أن نشجب أو يشجب هذا القرار من قبل الآخرين .. حتى لو أدى الأمر إلى استقالة أو إقالة مسئول أمريكى كبير .. كما حدث مع وزيرة العدل بالوكالة لرفضها تطبيقه لأنه قرار غير قانونى .. أو حتى لو تعرض ترامب نفسه للمساءلة لمخالفته الدستور لأن القرار سيلطخ سمعة أمريكا ..
وعلى الرغم من ذلك أقول:
إننا كمسلمين نتحمل المسئولية كاملة غير منقوصة، وذلك لسؤال بسيط؟؟ !! ..
من الذى أودى بكرامتنا وأهدر سمعتنا وأراق دماءنا؟؟ !!! ..
إننا فتحنا على أنفسنا بابًا من جهنم لنطل عليه بين الحين والآخر!!! .. أو أننا أغرقنا أنفسنا وشعوبنا فى خضم المشكلات!!! ..
لذلك كان من الطبيعى أن تهدر دماء المسلمين .. ويبدأ الهجوم الشرس على كل مسلم فى أنحاء العالم الغربى .. وليس أدل على ذلك مما يحدث وسيحدث للمسلمين فى أوروبا .. وما حادثة «كيبيك» فى كندا عنا ببعيد ..
وإذا كان «ترامب» قد شجع بقراره هذا نشر الكراهية والعنصرية واستخدام العنف والإرهاب ضد المسلمين … فإننا لا يمكن أن نعفى أنفسنا من المسئولية ..
وإذا كان ما يحدث فى «كندا» دليلًا يضاف إلى أن الإرهاب لا يرتبط بدين ولا يتعلق بعقيدة المسلمين .. إنما هو ظاهرة عالمية أفرزتها أسباب ودواعٍ كثيرة ومتعددة .. فإننا مطالبون بأن نقف مع أنفسنا نحن المسلمين لنحصى حجم الخسائر التى منينا بها وهى بكل تأكيد باهظة للغاية ..
وبهذه المناسبة أقول للسيدة النائبة التى طالبت بتغيير قصة «وا إسلاماه» المقررة على طلاب الصف الثانى الثانوى .. اطمئنى!!! … فالقصة على سردها الماتع .. وما فيها من أحداث .. لا تدفع إلى الشر ولا تحرض على العنف أو الإرهاب .. فهى رائعة أدبية لـ«على أحمد باكثير» تستحق أن تحكى للأجيال المقبلة ..
إذ تتناول موقف المسلمين إبان الزحف التتارى عليهم .. الذى قضى على الأخضر واليابس محطمًا الممالك والشعوب .. حين سعى فى بلاد المسلمين تخريبًا وحرقًا وقتلًا فسقطت معه بغداد والشام وغيرهما .. وعندها ظن الناس أنها نهاية الإسلام .. فنادى المنادى حىّ على صد ورد والدفاع عن حِمى الأوطان والإسلام .. فكبلوا أعداءهم خسارة فادحة فى معركة «عين جالوت» ..
إنها المعركة التى تربى فى نفوس النشء الشجاعة والإقدام والدفاع عن الأوطان والاعتزاز بالإسلام الذى هو ديننا الذى نفخر بالانتساب إليه مهما تعرض من صدمات ووقع فى صراعات ..
وأنتهز هذه الفرصة لأناشد كل من سمحت له الظروف فى قنوات تأثير أن يكون أهلًا للمكان أو المكانة التى يشغلها .. ولن يكون كذلك إلا حين يستوعب الأحداث والمواقف .. كذلك يستوعب السياسات .. ويهضم التاريخ قبل أن يدلى بدلوه .. ويتفوه بما لا يليق بالمكان الذى ينتمى إليه أو الدور المنوط هو به .. على الأقل أن يتعلم أنه لا يجب عليه الحديث فيما لا يفهمه أو يعنيه .. حتى لا تزيد الدنيا من حولنا جهلًا وخرابًا أكثر من ذلك ..
بالأمس واليوم وبكل أسف غدًا يمحق الإرهاب .. مما يستلزم أن يعلو الصوت الواعى العاقل .. يعلو صوت المنادى «حىّ على الجهاد» .. حىّ على بناء الأوطان .. ولتذهب الشعوبية الأمريكية إلى الجحيم .. وليبقى صوت الأذان مرفوعًا فى مطارات أمريكا .. التى ترجم بها العرب والمسلمون موقفهم من قرار «ترامب» ليضربوا بها المثل على أن المسلمين أبدًا لم يكونوا فى يوم من الأيام إرهابيين!!! .. بل كانوا من المحافظين على أوقاتهم والمؤدين لصلواتهم .. وشكرًا لكل من وقف مساندًا الأمة الإسلامية والعربية فى موقفها .. وأخيرًا أكرر للجميع وأعلى صوتى وندائى .. فلتسقط الشعوبية الأمريكية فى الجحيم ..