مع حلول الذكرى السادسة للثورة الليبية، التي انطلقت في السابع عشر من شباط/ فبراير من العام 2011، لا يخفي كثير من الليبيين مشاعر الحنين والشوق لنظام العقيد الراحل معمر القذافي، في ظل شعور متنام بأن الثورة لم تف بأيّ من وعودها، وفاقمت المعاناة على المستويات كافة.
ولم يكن أشدُّ المتشائمين يتوقع عقب الإطاحة بالقذافي، أن تنحدر ليبيا إلى هذا الدرك من الانهيار الكامل، حيث يضرب “الإرهاب” أطنابها، ويستولي مسلحون على بعض مفاصل الدولة، فيما المصارف خالية من الأموال.
الليبيون اليوم في حيرة من أمرهم، وهم يبحثون عن بصيص أمل مفقود، في ظل الفوضى وغياب المؤسسات والصراع السياسي الذي بات على أشده.
الاشتياق للقذافي
“لم نتصور أن تصل بنا الحال إلى هذا السوء، كنا شعبا ينعم بهامش كبير من الرفاه، وأصبحنا اليوم فقراء، لا يوجد لدينا ما نشبع به بطوننا”، هكذا وصفت ابتهال المسلاتي حال المواطن، عقب مرور ستة أعوام على الثورة الليبية .
وأضافت المسلاتي وهي طالبة في جامعة طرابلس في حديثها مع “إرم نيوز” اليوم الأربعاء ، ” كان الليبي يحظى باحترام جيرانه والعالم، وعلى الرغم من نظام الفرد الذي حكمنا، لكن كانت الأوضاع جيدة جدا، وكنا نسافر لدول عديدة دون تأشيرات، والآن بتنا محاصرين، وينظر إلينا العالم اجمع ودول الجوار، على أننا “إرهابيون” وينبغي عدم استقبالنا على أراضيهم “.
وأردفت المسلاتي، التي كانت من ضمن قليلات خرجن قبل ستة أعوام للمطالبة برحيل القذافي، ” بكل أسف ومرارة خرجنا وليتنا لم نخرج، ولا نلوم أحد اعلى حالنا التي وصلنا إليها، لقد كنا نعيش بسلام في عهد القذافي، ولم نكن نسمع بحالات قتل مثلما نراها الآن بشكل يومي، لذلك نحن مسؤولون عن هذا التردي، بعد رفضنا لحالة استتباب الأمن، الذي كان جيراننا يحسدوننا عليه كثيراً “.
ثورة مشبوهة
أما خالد النويري الموظف في شركة الكهرباء، فيرى، أن ” القذافي ظلم من قبل الشعب الليبي” ، مؤكدا أن العقيد حذر من خطورة الانقلاب عليه، وتنبأ بمصير الشعب في حال سقوطه.
وقال النويري لـ إرم نيوز “لقد حذرنا من الخروج عليه وإسقاط نظامه، لقد أخبرنا بأننا سنجوع وأن الإرهاب سيحاصرنا، وأننا بخروجنا في انتفاضة الـ 17 من فبراير المشبوهة، سننفذ مؤامرة غربية وعربية، لنهب ثرواتنا النفطية “.
وتابع ” كل شيء تحقق مما حذرناه منه، نفطنا يسرق ومياهنا محتلة، وأرضنا أضحت ملاذا آمناً للمهاجرين والمهربين، والأخطر أن العشرات من عناصر الاستخبارات الأجنبية يعيشون بيننا، ويقومون برسم خطة تدمير ما تبقى من ليبيا ” .
لم نمنحه الفرصة
تهاني خير الله المفتشة التربوية بوزارة التعليم، أكدت في حديثها مع “إرم نيوز” أن “الليبيين لم يمنحوا القذافي فرصة كاملة لاستكمال رؤيته في التغيير، ومشروعات التنمية التي كان لها أن تستوعب أكثر من 200 ألف شاب في سوق العمل ” .
وأكملت المفتشة التربوية حديثها: القذافي وعبر مشروع ليبيا الغد الذي قاده نجله سيف الإسلام ، كان أحد المشاريع الطموحة، لتطبيق رؤية “ليبيا 2020” ، بتحول اقتصادها من القائم على عائدات النفط ، إلى اقتصاد يقوم على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، وتنويع مصادر دخل الدولة الليبية .
ويعد مشروع ليبيا الغد ضمن رؤية “ليبيا 2020” ، أحد المشاريع التي أطلقها نجل العقيد القذافي سيف الإسلام عام 2006 ، بهدف تغيير مقدرات وثروات البلاد نحو التنمية المستدامة، والانتقال إلى تنويع مصادر الدخل الحكومي من النفط ، إلى الاستثمارات الأجنبية ودعم المشروعات الصغرى والمتوسطة .
كما تستند رؤية ليبيا 2020 إلى أربعة منطلقات رئيسة للتحول، وهي السلام والأمن وسيادة القانون، والتنمية الاقتصادية، والتنمية البشرية، وإصلاح الإدارة والقطاع العام .
الثورة لم تكتمل
أما محمود التاجوري وهو أحد الثوار السابقين الذين أطاحوا بنظام القذافي، فيرى أن الثورة لم تحقق كامل أهدافها، محملاً أنصار القذافي مسؤولية عدم الاستقرار، كونهم يقومون بالتآمر على ليبيا ، ويحاولون إعادة نظام القذافي، الذي انتهى دون رجعة، بحسب تعبيره.
وأشار التاجوري الى ان ” كل الأزمات التي تتعرض لها ليبيا حالياً، يقف وراءها بشكل مباشر أو غير مباشر أنصار القذافي، لأنهم تعهدوا بعدم الاعتراف بثورة فبراير، ويرفضون علم الاستقلال والنشيد الوطني، ويطالبون بعودة العلم الأخضر السابق، لأنه رمز انقلاب القذافي المشؤوم على المملكة في سبتمبر عام 1969 ، وبالتالي يواصلون تحريضهم على عدم جني أي ثمار للثورة، عبر إجهاض أي مشروع من صميم روحها ” .
وأوضح أن الليبيين لم يمنحوا فرصة لأنفسهم، ولم يساهموا في استكمال مؤسسات الدولة، حيث طغت المصلحة الشخصية والعلاقات القبلية، في تحديد مسار البلاد، وظل العديد منا يتصارع على أن يحظى بمناصب، ولو على حساب إصلاح الوضع الاقتصادي الذي نتعرض له.
صرنا على كل لسان
وتشاطر التاجوري الرأي، هالة عبد الرحمن الموظفة في مصرف الجمهورية (حكومي)، إذ تؤكد أن ثقافة الإقصاء والانتقام من قبل بعض الليبيين، جعلت الثورة أشبه بالمصيبة على رؤوس الشعب الليبي.
وأوضحت ملامح هذا العداء بين أنصار فبراير وسبتمبر، وقالت في هذا الصدد ” أنصار الثورة يعتبرون أنفسهم مساهمين في تخليص الشعب من حكم الفرد ، ومن القذافي الذي سرق ثرواتهم ، وجعلها في حسابات في الخارج بأسماء ابنائه وحاشيته، بينما الليبي لا يجد سوى مرتب محدود، جعله في حالة ضيق واحتياج مستمرين، وهو الذي كان يجب أن يكون غنياً “.
وأشارت ” نحن لا نتجاوز ثمانية ملايين نسمة، والقذافي جعلنا فقراء وورطنا في قروض مع المصارف الحكومية، في الوقت ذاته كان يستطيع أن يقدم لكل رب أسرة مبلغاً من المال، لتمويل مشروع خاص به، أو بناء منزل بدل بيوت الصفيح والأكواخ والخيم، مثلما التي نراها قائمة في جنوب البلاد وشرقها “.
واختتمت حديثها، والألم والحيرة تعتري ملامحها ، ” كنا شعبا بسيطا ومترابطا ، أصبحنا اليوم مفككين نفتك ببعضنا البعض …، تبخرت الأحلام وصارت أخبارنا على لسان كل الشعوب”.