( الخيانة ) لفظ ذا وقع قوي على النفس قبل الأذن ، ففي حياتنا الشخصية يؤدي وقوع الخيانة إلى ( تدمير الثقة ) بين الأفراد والعلاقات بينهم ، حتى لو اقتصرت الخيانة على عدم الإيفاء بوعد أو عهد ، ناهيك عن أن تؤدي الخيانة إلى تدمير حياة إنسان أو أهانته وجرح مشاعره .هذا فيما يتعلق بنا كأفراد ، أما ( خيانة الوطن ) فهي أعظم وأكبر مما تحتمله أي نفس ، ويكاد يجمع البشر على مقت الخائن ، فكل فعل مشين يمكن للمرء أن يجد مبررا لفاعله إلا خيانة الوطن ؛ فإننا لا نستطيع أبدا أن نجد لها مبرر ، أينّاً كان السبب الذي يدفعك لهذا الفعل المشين فهو أبدا لا يشفع لك لتبيع وطنك و تغدو في عرفه خائن .
مهما اختلفنا في أفكارنا أو عقائدنا أو مبادئنا ، مهما ظلمَنَا بني أبينا ، و قومنا ، و أهل وطننا الواحد فهذا أبدا ( لا يمكنه ) أن يبرر لنا خيانة الوطن .
ثلاثة صفات أحداهن لا يكون إلا بالأخرى : ( الغـدر ، و الخيانة ، و النفاق ) . فالغدر يتطلب الخيانة ، و الخيانة تتطلب النفاق ، و جميع هذه الصفات هي من أقبح و أرذل الصفات التي قد تجتمع عند إنسان .
حتى أقبح الناس صفات يكره ويمقت الخائن و يزدريه ، لأن خيانة الوطن تعني عدم المروءة بالضرورة ، والإنسان الذي ( لا يملك المروءة ) يمكنه أن ( يبيع عِرضهُ وشرفه ) كما يمكنه أن ( يبيع وطنه ) ، لأن الوطن هو بمنزلة العرض والشرف للإنسان . ومن هان عليه وطنه يهون عليه عرضه و شرفهُ ببساطة .
قد أختلف مع الحاكم وقد أمقته وأمقت حكومته ، قد يظلمني وطني ، قد أحيا غريبا فيه بسبب ما ألقاه من أبناء قومي وأبناء جلدتي ، لكن ما من عرف أو دين أو عقيدة أو فكر ( يبرر لي خيانة وطني ) . أنه ( العار ) نفسه أن تخون وطنك ، أنه عار لن يكتفي أن تلبسه وحدك بل حتى جميع أهلك وذريتك ، سوف ينظر لهم الناس شزرا ، سوف يزدرونهم ، ( ليس لأن الناس أشرار ) ، بل ( لأن الجرم الذي اقترفته عظيم ) ، وعظيمٌ جدا ، لذا فأنت به تظلم نفسك وأهلك فوق ظلمك لوطنك وأهل وطنك ، وما من شيء يغفر خطيئة خيانة الوطن ـ للأسف ـ ما من شيء أبدا .
حتى ( من تخون وطنك لصالحهم ) ، ينظرون إليك كشخص ( حقير ) ، هم لا يثقون بك ولا يحترمونك بينهم وبين أنفسهم وأن أظهروا لك الاحترام ، فأنهم يبطنون المقت و الازدراء لك ، فهم يعلمون أنه لا يمكن لعاقل أن يأمن الخوان ، و من يبيع وطنه يبيع أوطان غيره بسهولة . ومن هان عليه وطنه ، تهون عليه أوطان الآخرين ..
أخيرا ..يذهب كل شيء و ( يبقى الوطن ) ما بقيت السماوات والأرض ، ومهما كان عذرك للخيانة ، فــ ( لا عاذر لك ) ، والوطن لا ينسى من غدر به وخان ( سراً أو علناً ) فالخيانة تبقى خيانة ، وجه قبيح لا يُجمله شيء ، وأن صَفَحَتْ السُلطات عن خائن ـ لحاجة في نفسها ـ فالوطن و التاريخ لا يصفح أبدا ، و يظلان يذكران الخائن حتى بعد موته . فهما ( لا يغفران لخائن ) أبدا .
يقول الشريف قتادة أبو عزيز بن إدريس :
بلادي وأن هانت على عزيزة
ولو أنني أعرى بها و أجوعُ
ولى كف ضرغام أصول ببطشها
و أشرى بها بين الورى و أبيعُ
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها
وفى بطنها للمجدبين ربيعُ
اأجعلها تحت الثرى ثم أبتغى
خلاصا لها ؟ أني إذن لوضيعُ