1- يدمر علاقاتك بالناس:
سوء الظن كالقنبلة التي تنفجر فتدمر كل جميلٍ في الوجود؛ لا تعترف بزرعٍ أو زهرٍ أو بستان، أو طائر وديع أو حيوان أليف أو إنسان رحيم.
سوء الظن كاللغم إذا انفجر؛ يخدعك باختفائه، وتُصدم بإهلاكه، حين لا يكون اعتبار لصغير أو كبير، لامرأة أو رجل، لشيخ أو شاب.
سوء الظن هو القنبلة أو اللغم الذي يدمر العلاقات بين الأفراد، ويُفجِّر الصلات بين المجتمع، ويفكك الروابط بين العائلات، ويجفف العواطف بين الناس، يقول تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)﴾ (الناس).
2- يدمر علاقاتك بأسرتك:
الحنان والدفء الأسري جوٌّ من أجمل أجواء الوجود؛ فالحب الأسري يرفرف في جنبات البيوت، لا تسمع إلا الكلمة الطيبة المُشجِّعة الدافعة، ولا ترى إلا البسمة الحانية الدافئة، ولا تشعر إلا بالبهجة المنشطة الباعثة للحياة، ولا تحس إلا باللمسة العاطفة الرائقة، التي تهز الوجدان والكيان، ولا تبصر إلا بقلب يخفق من أخلاق عالية كريمة.
كل هذه الأجواء سرعان ما يسري السمّ القاتل في جنباتها حينما يُسيطر سوء الظن على النفوس، وتمتلئ به الصدور، وتفسد به القلوب.
فكم من زوجةٍ عانت من زوجها! وكم من زوجٍ تألَّم من زوجته! وكم من أبناء ضاقوا بآبائهم! وكم من آباء تحسروا على أبنائهم! وهل تستمر علاقات أسرية تقوم على المعاناة والألم والضيق والحسرة؟!.
3- يدمر علاقاتك بالمجتمع:
وهذه دائرة أوسع ولكنها ترجمة لحياتك اليومية؛ فأصدقاؤك هم حياتك، فلماذا تقتل هذه الحياة بسوء الظن بهم؟! وزملاؤك في العمل هم جزء من حياتك اليومية، فلماذا تصيبها بالشلل حينما يكون التعامل معهم بسوء الظن؟! وجيرانك هم سرٌّ من أسرار حياتك، فلماذا تخنقها بيدك حين تتعايش معهم بسوء الظن؟!.
4- تأمل هذه الصورة القرآنية:
يقول تعالى: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)﴾ (القلم)، لقد تأملت هذه الصورة القرآنية في مظاهرها، وتعمقت فيما رسمه الله من أشكال هذه الصورة في السلوك مع الناس والمجتمع والأسر، فقد تجمعت فيها عدة مظاهر:
– تلفيق الأكاذيب.
– تزوير الأخبار.
– تضييع الحقوق.
– صد عن الحق.
– ظلم الآخرين.
فتساءلت في نفسي: ما سبب سوء الظن الذي أتى بهذه النتائج المسيئة في المجتمعات؟
إذا كان سوء الظن قد أتى بكل هذه المظاهر والأشكال فلا بد أن يكون سببه هو مرضًا عضالاً من الأمراض المستعصية التي لا علاج لها بسهولة، فأدركت على الفور أنه (الهوى).
ففي شدة حادثة الإفك في المجتمع النبوي تأتي الآيات من السماء تؤكد السبب الذي دفعهم إلى سوء الظن، فيقول تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ﴾ (النور: 15).
وفي مجتمعاتنا كم من حوادث يجمعها الإفك، ويحركها الهوى، ويصنعها سوء الظن!، وإليك هذه المشاهد التي نعيشها ونراها ويلمسها المتأملون:
– مجالس القيل والقال والخوض فيما لا يفيد، وقد قال الحكماء في ذلك: عدم الخوض في كلامٍ لا ينبني عليه عمل؛ فإنه من التكلف الذي نُهينا عنه شرعًا.
والعجيب أن هذه المجالس قد يقدمها أصحابها باسم التربية أو التوظيف أو ترقية بعض الأشخاص أو لدواعي الأمن؛ فقد تتعدد المبررات وسوء الظن واحد.
– انتقال الحديث دون وعي أو تثبُّت، وهذا مشهد آخر يُعكِّر الأجواء الصافية، ويكدِّر الأوقات الحالمة، ويرهق القلوب الطاهرة، فما الذي يجعل الإنسان ينقل كلامًا عن الآخرين دون وعي به، أو تحقُّق أو تثبُّت منه؟!.
ألا تتفق معي في أن سوء الظن منطلق من هوى النفس؟!.
فإذا سئلت عن الأدلة، كان القول الجاهز: (قالوا لنا، أو سمعنا به، أو وصل إلينا، أو جاءنا من ثقة).
لقد قيل لأحد السلف حينما سأل: وما دليلك؟ فقال: جاءني من ثقة، فرد عليه: الثقة لا يبلغ.
فما إذن الداعي وما الدافع لهذا القول الجاهز ولا يقدم دليلاً واحدًا لإثبات ما يقول أو يخبر به؟! إنه سوء الظن الذي صنعه الهوى في النفس.
5- أعراض وعلاج:
فإن سأل سائل كريم عن أعراض سوء الظن قلنا له: هو ما تراه من أقوال وأفعال تفضح المرضى، وإن أظهروا عافيتهم وابتعادهم عن سوء الظن؛ تراها في:
– التجسس.
– كشف العورات.
– الاتهامات الظالمة.
– الأحوال المضطربة.
– البخل والحرص.
– الكذب والجبن.
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ (الحجرات: من الآية 12).
لماذا يأمرنا الله تعالى باجتناب الكثير من الظن؟ حتى نمنع القليل، فهل أدركنا هذا المعنى؟ وهل تأملنا النتيجة حينما نجتنب الكثير فنمنع القليل من أجل أن يختفيَ سوء الظن بيننا وحتى ندرك أن الله يعالجنا وهو أعلم بنا؟﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الملك: 14).
ولذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر الحبيبُ أحبابَه وأصحابه من سوء الظن فقال: “إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث”.
ولكي تختفي هذه الأعراض أوضح الله لنا العلاج في أكمل صورة وأيسر سلوك، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: 6).