تميزت المواقف الإيرانية الداخلية غير الرسمية خلال الساعات الأخيرة بتباين واضح حول الاتفاق بين طهران والدول الغربية. وبينما تحاول الحكومة الإيرانية أن تجعل من توقيعها على تنازلات في” لوزان” انتصاراً، نشرت وكالة “فارس” التناقضات بين النصوص المنشورة من قبل وزارتي الخارجية الإيرانية من جهة، والأميركية من جهة أخرى.
ونشرت وكالة “فارس” نص كلمة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كاشفةً التناقضات الموجودة بين ما نشرته وزارة خارجية إيران ونظيرتها الأميركية.
وكتبت “فارس” في عنوان داخلي “نصين مختلفين حول معايير الخطة الشاملة للاتفاق النووي بين إيران وأميركا” (متن متفاوت از پارامترهای برنامه جامع اقدام از سوی ایران وآمریکا).
وجاء في وكالة “فارس”: في اللحظات الأخيرة من المفاوضات في لوزان، بعد أن خرج ظريف وموغريني معا أمام الكاميرات لقراءة البيان المشترك للاتفاق النووي، تحت عنوان “معايير الخطة الشاملة للاتفاق (PCJPOA)، نشرت وزارة خارجيتنا نصاً تحت عنوان “ملخص من التفاهمات المشتركة التي توصلنا إليها من أجل العمل على خطة شاملة ومشتركة”، ولكن في نفس الوقت نشرت الوزارة الخارجية الأميركية حول نفس الموضوع بياناً في موقعها الرسمي تحت عنوان “معايير لتنفيذ الخطة الشاملة”.
وزارة الخارجية (الأميركية) لم تذكر في بيانها الرسمي أي عبارة “خلاصة” أو “ملخص”، كما أن النص الذي نشرته وزارة الخارجية الأميركية يختلف تماما عن ما نشرته وزارة خارجيتنا والاختلاف شاسع ويثير قلقاً شديداً.. الاختلاف لا يمكن تبريره بحجة ترجمة خاطئة لكلمة أو كلمتين، وإنّما هو اختلاف أساسي وموضوعي في النص”.
وبدوره، كتب أحد أبرز المحللين هذه الوكالة، وهو سيد ياسر جبرائيلي، تحليلا تحت عنوان “البيان الإيراني جيد والأميركي سيئ، أي منهما الوثيقة المعتبرة والحقيقية؟”.
وقال جبرائيلي إنه إذا كان البيان الأميركي الذي نشرته وزارة الخارجية الأميركية على موقعها الرسمي غير حقيقي وبيان وزارة الخارجية الإيراني حقيقياً، يجب على هذه الأخيرة أن تصدر بياناً تنفي وتفند ما جاء في نص بيان نظيرتها الأميركية، وتعلن أنّ الاتفاق حصل على أساس ما نُشر من قبل طهران.
أما التعليقات التي جاءت على هذا الموضوع فكانت أهم من التحليل الذي نشرته وكالة “فارس” وأظهرت تحفظا شديدا لدى الشارع الإيراني حيال الاتفاق، حيث انهال المعلقون بالنقد على الاتفاق بالإضافة لسخريتهم منه.
وفي هذا السياق، قال أحد المعلقين: “شكراً يا سيد ظريف، لا تحتاج أن تعمم الجزئيات على الكل ولا تنظر إلى النصف الفارغ من الكأس، لقد خسرتم كل شيء وأعطيتم كل ما أُنجِز خلال السنوات الماضية بمليارات الدولارات.. أنت تقول رفع العقوبات مباشرة، والأميركيون نشروا نصهم ويقولون فيه “تدريجياً”.
وسخر معلق آخر قائلاً: “محطة فردو تستعد لتكون منتجعا جميلا لزوار العطلة النوروزية”.
ومن جهته، كتب معلق ثالث: “قال القائد: لن نقبل بتوافق يتم على مرحلتين. هذا لم يحصل الآن.. وقال: رفع العقوبات مباشرة. وهذا لم يحصل أيضا. وأصبح رفع العقوبات مبني على نتائج الاتفاق وبشكل تدريجي”.
وكتب معلق آخر: “كان القائد يؤكد على أنّه لن نتراجع عن إنجازاتنا، ويجب أن تبقى أجهزة الطرد المركزي بعددها الحالي 19 ألف جهاز طرد مركزي “سانتریفیوژ” تعمل ولن نقبل بتوقف أي واحد منها. أما اليوم، فنحن قبلنا بـ5000 جهاز طرد مركزي فقط. والعقوبات الأخرى التي تختص بقضية ملفات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب باقية كما هي..”.
أما في مواقع التواصل الاجتماعي، فتفاعل الإيرانيون بآراء مختلفة حول الاتفاق، بين مؤيد ومعارض.
وكتب “پیام فضلی نژاد”، وهو أحد مديري جريدة “كيهان”: “بعد الانتظار الطويل من الحمل النووي ولدت “لوزان” طفلا ميتا”.
ومن جهتهم، وصف نشطاء التيار المتشدد اتفاق لوزان بـ”اتفاقية تركمن شاي” التي وقعّت بين روسيا القيصرية وإيران، والتي أدت إلى اقتطاع أراض واسعة من إيران بعد ما هُزمت في حرب أيام القاجاريين قبل حكم البهلوي.
ووصفها البعض بـ”اتفاقية كامب ديفيد الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، واعتبرها أول علامة لهزيمة الجمهورية الإسلامية.
وفي هذا السياق، كتب أحد معارضي الاتفاق بشكل ساخر، أن السيد محمد باقر قاليباف يعلن “أن محطة فردو مستعدة لتقديم أفضل الخدمات الترفيهية للمسافرين حتى انتهاء أيام العطلة النوروزية”.
كما كتب أحد المعلقين أن توقيع هذا الاتفاق يعني أن مجلس الشورى ليس له أي تأثير في اتخاذ القرارات المصيرية في البلد.
وكتب أحد رجال الدين من قيادات قوات “الباسيج” على موقع “غوغل بلاس” أنه “كان بإمكان السيد جليلي أن يعطل كل هذه المحطات ويحصل على اتفاق”. يذكر أن جليلي كان يرأس فريق المفاوضين الإيرانيين في أيام الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، والذي عُرف بموقفه المتشدد أمام الغربيين حول البرنامج النووي الإيراني.
أما التلفزيون الإيراني فبث صورا ومقاطع لمجموعات من الشباب في شوارع طهران يستقبلون ظريف بالتصفيق ويعبرون عن فرحتهم للاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية.
ومن المواقع الداعمة لروحاني كان موقع “اعتدال” الذي كتب تقريرا عما يدور في الأوساط الإيرانية، مؤكدا أن الشعب الإيراني يريد الانفتاح على العالم. واستند الموقع على تعبير الجماهير عن فرحتهم في شارع بعد سماعهم خبر الوصول لاتفاق نووي.
وفي سياق آخر، قال شكر أمامي كاشاني، خطيب صلاة الجمعة في طهران، الذي يعد منبره ممثلاً للخطاب الرسمي حول السياسة العامة للدولة الإيرانية: “نرجو أن يفي الغربيون بتعهداتهم”. وأضاف: “إن صمود شعب الإيراني أجبرهم على الاعتراف بحقه في التخصيب”.
يذكر أن الاعتراف بحق التخصيب على مستوى منخفض للأغراض السلمية كان معترفاً به من أيام خاتمي، عندما تم التوقيع على اتفاقية “إن.بی.تی” في باريس، وهو ليس بالشيء الجديد. ولكن المسؤولين الإيرانيين، وبعد أن فشلت طموحاتهم النووية أمام الإرادة الدولية، يحاولون اليوم تبرير تنازلاتهم للغرب بهذه العبارات.
وفي هذا الشأن، يقول حسن موسويان، وهو أحد المفاوضين في عهد خاتمي، إن الاعتراف بحق التخصيب ليس حقا يعطى لأي جهة أو دولة، وإنما كل دولة توقع على بروتكول “إن.بی.تی” لمنع الانتشار النووي من حقها أن تخصب اليورانيوم لأغراض سلمية، وهناك دول كثيرة مثل اليابان والبرازيل وغيرها تخصب ولا أحد يعطي تلك الدول اعترافاً مكتوباً.