لَبّى الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان سماحة العلامة الدكتور السيد محمد علي الحسيني دعوة سمو الأمير تركي بن طلال لإلقاء محاضرة في اللقاء الثقافي الندوات الرمضانية، وأكد سماحته أن هناك طائفية حميدة وهي تلك التي ترسخ الانتماء الوطني في ظل دولة المواطنة، ولاتصبح هذه الطائفية الدينية ممقوتة إلا عندما تنسلخ من الحس الوطني ويصبح الولاء لها مقدماً على الأوطان، وعندما تخالف النظام والقانون بل وحتى الدين لتعزيز الانتماء إليها، كما شدد سماحته على ضرورة العيش في ظل دولة المواطنة ولكلٍ حقوقه وليس هناك أي تعارض بين الانتماء للدين والوطن، مشيرا أن الطائفية الدينية صنيعة للطائفية السياسية التي تتحكم بها.
وفي إطار العلاقة بين السنة والشيعة أكد الحسيني أن كليهما يؤمنان بالربوبية والرسالة والكتاب المنزل ويتفقان في جوهر العقيدة، والاختلاف بينهما يكمن في بعض الأمور الفرعية كالاختلاف بين الشافعي والحنبلي، ونبه إلى أنه لاوجود لمسلم يسيء إلى زوجات نبينا أو أصحابه لاسيما الخلفاء الراشدين، مذكرا أن الشيعة مذاهب ومرجعيات وفيهم المتطرف وغير ذلك ولا يمكن وضعهم في سلة واحدة.
وتابع الحسيني التأكيد على أن هناك خلافا فكريا بين أهل العلم من الطائفتين ولكن هذا الخلاف تم استغلاله الآن من أجل تقسيم المنطقة، لافتا إلى أنه لا يؤمن بنظرية المؤامرة ولكن مؤامرة التقسيم على أسس طائفية واقع ملموس والدليل على ذلك ما قاله المستشرق برنارد لويس بأنه سيعاد تقسيم منطقتنا على أسس طائفية، لذلك تم استغلال الكثير من الاختلافات بين السنة والشيعة.
إلى ذلك لفت الحسيني إلى خطورة نظام ولاية الفقيه الذي يلعب على وتر الطائفية، من خلال تقديم نفسه بأنه مرجعية لكل الشيعة في العالم وبقية الشيعة هم مجرد رعايا لها، فهولا يعترف بالجغرافيا السياسية ويقوم بتضليل الشيعة بهذه الدعوة.
ونبه الحسيني أن فكرولاية الفقيه نتج عن نظرية سياسية إستبدادية لا علاقة لها بالدين، مشددا على أن الثورة الإيرانية صدرت للخارج وأول دولة استهدفتها هي المملكة كما أن إيران تتدخل في البحرين باستمرار لأنها ترى المواطن البحريني الشيعي تابعا لها، وفي نفس السياق لفت الحسيني إلى أن الفقيه منح نفسه الحق في التدخل بالشؤون الخاصة للدول العربية والمملكة خصوصاً التي تمثل لنا المرجعية الإسلامية -المتسامحة المنفتحة التي تصدر الإسلام بسماحته- والعمق العربي وبما لها من مكانة خاصة ولا يستطيع الخميني المتابعة بمشروعه الطائفي إلا بالسيطرة على الحرمين، مشيرا أن هذا النظام استهدف الحج بالتقسيم الذي يمثل مقصدا لكل المسلمين فشعائر الحج موحدة لدى المسلمين ولكن الخميني ابتدع ليؤسس للإسلام الصحيح الذي يدعيه.
ونبه العلامة السيد الحسيني أن استغلال الولي الفقيه للخطاب الديني يشكل خطرا على المسلمين والعرب والشيعة خصوصاً، لافتا الى أن هناك رؤية بأن الفقيه يمثل الشيعة وداعش ممثل للسنة وكلاهما نتج عن فكر متشابه، فهما وجهان لعملة واحدة وكلاهما يدعم مشروع التقسيم على أسس طائفية، و أفسدا في الدول التي تمكنا من التغلغل في عمقها وما يحدث الآن في العراق المنقسم بين داعش والحشد الشعبي هو تطبيق إيراني للتوجه الأمريكي لشرق أوسط جديد، كما تساءل الحسيني كيف لمن وضع مقاماً لقاتل خليفة المسلمين أن يكون داعياً لوحدتهم ؟.
وأضاف الحسيني أن الشيعة العرب يستغلهم نظام ولاية الفقيه لأنهم لم يجدوا داعما لهم سوى ايران والدليل أن أغلب الحوزات العلمية الشيعية تابعة لإيران بينما لا يملك الشيعة الوسطيون حتى مساجد.
وفي اطار الحديث عن سبل مواجهة نظام ولاية الفقيه الذي يستغل العامل الطائفي لمئاربه أكد الحسيني أن هناك مسؤولية تاريخية على الشيعة العرب لرفض ولاية الفقيه والوقوف في وجه كل من يحرض على الأوطان.
ولمواجهة الظاهرة الطائفية يرى الحسيني ضرورة تحقيق الاتحاد سياسياً لنوحد أوطاننا ولا نسمح بالتدخلات الخارجية، لأن الطائفيين يريدون تغليب الانتماء لطوائفهم على الانتماء للأصل وهو الإسلام، ونحن العرب يجمعنا قواسم مشتركة كثيرة والخطر علينا واحد، وقال الحسيني: نعم أنا عروبي وإن حاولوا تفريقنا طائفياً فلن يفرقونا كعرب.
ونبه الحسيني أن المسؤولية الأمنية الفكرية تقع على الشيعي قبل السني للحفاظ على الأوطان وبقاءها لأن الأمن الفكري أهم من الأمن العسكري فالأفكار الملوثة أخطر من أفتك الأسلحة، والانتماء لغير الوطن بغض النظر عن المذهب أو حتى الديانة هو كارثة حقيقية.
وعلى المستوى الديني دعا الحسيني الى ضرورة تجديد الخطاب الديني للتقليل من أهمية الخلافات الطائفية، وقال: أخاف على جيلنا القادم لأن صغارنا تربوا على كراهية الآخر على ذات الأساس الطائفي، لذلك يجب أن نتحاور ونتحدث فمن باب أولى الجلوس فيما بيننا قبل الجلوس مع أرباب الديانات الأخرى.