الحمد لله التواب الرحيم، الحليم العظيم، أحمد ربِّي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذُو العرش الكريم، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوث بكلِّ خُلقٍ كريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ وعلى آله وصحبِه الناصِرين لشرع الله القَويم.
فاتقوا الله حقَّ التقوى؛ تكونوا من أهلها، فقد وعدَ اللهُ على أهلها أعظمَ الثواب، ورحِم أهلَها من العقاب.
ما أعظمَ نعمة الله على عبده إذا وفَّقه للإحسان لنفسِه بفعلِ كلِّ عملٍ صالحٍ، ووفَّقه للإحسان إلى خلق الله بما ينفعُهم في دينِهم ودُنياهم، فذاك الذي فازَ بالخيرات، ونجا من المُهلِكات، قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 133، 134].
ألا وإن الأخلاقَ الفاضلَة، والصفات الحسنة الحميدة لها عند الله تعالى أعظمُ المنازِل، يثقُلُ بها الميزانُ يوم الحساب، ويزكُو بها الكتاب.
عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «ما من شيءٍ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حسنٍ، وإن الله تعالى يُبغِضُ الفاحشَ البَذِيء»؛ رواه الترمذي، وقال: “حديثٌ حسنٌ صحيحٌ”.
وعن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن المؤمنَ ليُدرِك بحُسن خُلُقه درجةَ الصائم القائم»؛ رواه أبو داود، وابن حبان في “صحيحه”، والحاكم، وقال: “صحيحٌ على شرطِهما”.
وعن النوَّاس بن سمعان – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «البرُّ حُسن الخُلُق، والإثمُ ما حاكَ في صدرِك وكرِهتَ أن يطَّلِع عليه الناس»؛ رواه مسلم.
إن الرحمة من الخُلُق العظيم أودعَها الربُّ في من شاءَ من خلقِه، وحُرِمَها الشقيُّ من الخلق، وقد رغَّب الإسلامُ في التخلُّق بالرحمة، ووعدَ الله على الرحمة الأجرَ الكريمَ، والسعادةَ الدنيويةَ والأُخرويةَ.
فقال تعالى في خاتَم الأنبياء والرُّسُل – عليهم الصلاة والسلام – نبيِّنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وفي أمَّته: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) [الفتح: 29]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].
وقال تعالى في رحمة الوالِدَين: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24].
وأخبر الله تعالى أنه أرسلَ سيِّدَ البشرَ محمدًا – صلى الله عليه وسلم – رحمةً، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].
ومن ثوابِ الله للرُّحماء: أن الله يرحمُهم، ومن رحِمَه الله لا يشقَى أبدًا. عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «الرَّاحِمون يرحمُهم الرحمن، ارحَموا من في الأرض يرحمُكم من في السماء»؛ رواه أبو داود، والترمذي، وقال: “حديثٌ حسنٌ صحيحٌ”.
ومن لا رحمةَ في قلبِه فهو جبَّارٌ شقيٌّ. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تُنزَعُ الرحمةُ إلا من شقيٍّ»؛ رواه أبو داود والترمذي – واللفظُ له -، وقال: “حديثٌ حسنٌ”.
وتطيبُ الحياةُ وتصلحُ وتزدهرُ بالتراحُم والتعاطُف بين المُجتمع، وتشقَى المُجتمعات بالتظالًُم والعُدوان وفُقدان التراحُم. عن النُّعمان بن بشير – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثَلُ الجسَد الواحد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى»؛ رواه البخاري ومسلم.