كشف الكاتب الأمريكي البارز لوك كوفي، مدير مركز السياسة الخارجية في مؤسسة “هاريتاج” أنه وقف على مشاهد من دعم قطر للإرهاب في عدة ساحات مطالبا الدوحة بتغيير مسارها.
وقال كوفي في مقال نشرته صحيفة “هافنتغتون بوست” الأمريكية إنه رأى بنفسه استعداد قطر لدعم بعض الجماعات المشبوهة خلال الثورة ضد القذافي في ليبيا عام 2011.
وأضاف كوفي الذي كان يعمل حينها مساعداً كبيراً لوزير الدفاع البريطاني، أنه “خلال الحملة الجوية التي قادتها منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تلقينا تقارير لا حصر لها عن دعم قطر لبعض الجماعات الأكثر تطرفاً التي تقاتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وتزويد هذه الجماعات بأسلحة متقدمة مضادة للدبابات في انتهاك لحظر الأمم المتحدة المفروض على الأسلحة في ذلك الوقت، كما تم خلال الحرب، نشر مئات العناصر من القوات القطرية في ليبيا لدعم هذه الجماعات، بما في ذلك العشرات من قواتها الخاصة”.
أيادي قطر في ليبيا وسوريا
وكانت الدوحة مصممة على التخلص من القذافي، عبر دعم عدة جماعات مسلحة ومن الجماعات التي حظيت بدعم قطر كتيبة راف الله السحاتي المسلحة التي كانت تضم متطرفين في صفوفها، ثم انفصلت في وقت لاحق لتشكل تنظيم أنصار الشريعة- الجماعة التي لعبت دوراً في مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز و3 أمريكيين آخرين في العام 2012.
واليوم في ليبيا، لا تزال قطر تدعم الجماعات المرتبطة بالمتشددين، مثل كتائب الدفاع عن بنغازي، بينما تدعم الإمارات العربية المتحدة ومصر اللواء الليبي خليفة حفتر في شرق البلاد.
وتدعم قطر الجماعات الإسلامية في سوريا أيضاً، ومما يزيد من حدة هذا الوضع حقيقة، أن الأفراد الثريين جداً الذين يتخذون من قطر مقراً لهم يمولون بعض الجماعات المتطرفة في سوريا، وقد فشلت الحكومة القطرية في التصدي الكافي لمثل هذه الممارسات، حتى وزارة الخزانة الأمريكية ذكرت في فبراير/ شباط الماضي أن “ممولي الإرهاب يواصلون العمل بشكل علني في قطر”.
وبحسب الكاتب الأمريكي فإن دعم الدوحة لجماعات الإخوان المسلمين له أساس واضح، حيث كان الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، الحاكم آنذاك، صديقاً مقرباً مع أحد الزعماء الروحيين الرئيسيين لجماعة الإخوان المسلمين، وهو المصري يوسف القرضاوي، الذي كان يعيش في قطر منذ العام 1961، وخلال هذا الوقت، وجهت الاتهامات للدوحة مراراُ وتكراراً بتوفير منصة خاصة من خلال قناة الجزيرة العربية للترويج لأيديولوجية الإخوان المسلمين ومعتقداتهم.
حصانة آل ثاني
وبسبب الدعم الذي تقدمه دولة قطر لجماعة الإخوان المسلمين، ظنت أسرة آل ثاني أنها محصنة من التهديد الذي تشكله الجماعة على العائلات المالكة الأخرى في المنطقة. ولكن جيران قطر لم يشاركوها هذا الرأي، ومع كل عدم الاستقرار الذي اجتاح المنطقة خلال العام 2011، كان كل ما تريده دول الخليج هو التخلص بأي شكل من الإسلام السياسي، الذي من شأنه أن يقوض الأسر المالكة الحاكمة.
ولعل هذا الدعم هو أكبر مصدر للغضب في العالم العربي اليوم من قطر؛ فعندما بدأت جماعات المعارضة التي تأخذ صف جماعة الإخوان المسلمين في الظهور على الساحة في العام 2011 خلال المراحل الأولى مما يسمى “بالربيع العربي”، اتخذت قطر مساراً مختلفاً تماماً عن جيرانها، وبدأت في دعمها لتلك الجماعات. وهذا ما جعل دول الخليج الأخرى في حالة غضب وانزعاج شديد.
وبعد أيام من الدبلوماسية المكوكية، فشلت المحاولات التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي ريك تيلرسون، من أجل كسر الجمود بين قطر وجيرانها في الخليج، وكانت أهم نقطة أمام الولايات المتحدة هي المحافظة على وحدة مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التهديدات من قبل إيران والإرهاب.
وكلما طال أمد هذه الأزمة، كان الأمر أسوأ بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، حيث تلتزم واشنطن علناً باتخاذ موقف محايد للحفاظ على وضعها كوسيط، ولكن في الخفاء تحاول وزارة الخارجية والبيت الأبيض الضغط على قطر للتوصل إلى اتفاق مع جيرانها.
وكان انهيار العلاقات بين قطر وجيرانها الشهر الماضي وبالتحديد بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر نقطة الغليان بالنسبة للوضع الذي يتصاعد منذ سنوات، حيث سئمت الدول الإقليمية من دعم قطر المستمر لأذرع الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى دعم فصائل مسلحة في سوريا وليبيا، والتقارب مع إيران.
ضغط في الخفاء
ولا توجد وسيلة لمحاولة تجميل الوضع، فصحيح أن قطر كانت وما زالت حليفاً مفيداً للولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة مع استضافة قاعدة العديد الجوية، إلا أن مجموع الإجراءات التي اتخذتها الدوحة مؤخراً، هي بمثابة سياسة خارجية تضر بمصالح جيرانها العرب والولايات المتحدة على حد سواء.
وكلما طال أمد هذه الأزمة، كلما ازداد الأمر أسوأ بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، التي تسعى أن تتخذ موقفاً محايداً في هذه الأزمة أمام العالم.
ومن السابق لأوانه، التنبؤ ومعرفة كيف أن هذه التحركات الدبلوماسية ستؤثر على علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع قطر. وقد عرفت العلاقات العسكرية الأمريكية في المنطقة بمرونتها. وفي عالم مثالي ستجد قطر وجيرانها حلاً مقبولاً للطرفين لهذه الأزمة، وما يحتاجه الشرق الأوسط الآن هو الاستقرار، خاصة بعد إراقة الدماء والفوضى التي تلت ما يسمى بـ “الربيع العربي”.
ولا ينبغي لنا أن ننسى بأن الدوحة كانت تتصرف فيما يصب في مصلحة الولايات المتحدة على مدى السنوات القليلة الماضية. نعم، قطر كانت حليفاً للولايات المتحدة في المنطقة، حتى مع استضافة ممولي الإرهاب. ولكن إذا لم تنجح الأمور، واحتاج الأمر إلى نقل قاعدة الجوية الأمريكية العديد، فهناك العديد من الدول الأخرى التي ستستضيف وبسعادة القاعدة الأمريكية، والتي تتفق بشكل أكبر مع المصالح الأمريكية في المنطقة، مثل الإمارات العربية المتحدة.
وما زال أمام الدوحة الوقت، ولكن قطر تحتاج إلى تغيير مسارها وإيجاد حل توافقي مع جيرانها من شأنه أن يحل هذا المأزق، وكلما كان ذلك أقرب كلما كان أفضل للجميع.