تجلس شادية محمد أسفل أرفف تحمل العشرات من زجاجات زيت المحركات، وهي تصيح ليُسمع صوتها وسط صوت الآلات القريبة الصاخبة “هذا هو جراج شادية” وترفع يديها الملطختين بالزيت بحماسة، علماً بأنها حالة شاذة في العراق المحافظ الذي يهيمن عليه الذكور.
بحسب صحيفة “يو إس إيه توداي” تعتبر شادية مهندسة ميكانيك غير عادية في جراج عادي في مدينة كردية تقع بالقرب من الحدود العراقية الإيرانية، ولكن هذا الجراج يختلف عن غيره في شيء مميز للغاية، وهو أن كل طاقم العمل به من السيدات، فهن يعملن لإعالة أسرهن بينما يخلقن ثورة مصغرة في المجال.
وتقول “شادية” (45عاماً): “أريد أن أغير رؤية المجتمع للمرأة ولقدرات المرأة المفترضة، وأن أبين لهم أن المرأة -أيضاً- قادرة على إدارة جراج كهذا، مثلما يفعل الرجال هنا”.
لم تخطط سيدة الأعمال ذات الشخصية الجذابة وموظفة الخدمة المدنية السابقة للعمل كمهندسة ميكانيكا. ولكن عندما حدثت الأزمة الاقتصادية في المنطقة الكردية في شمال العراق، وتم تخفيض أجور القطاع العام بنسبة تصل إلى 75٪، احتاجت إلى طريقة جديدة لإعالة عائلتها.
كما أرادت شادية أن تبين لابنتيها أن المرأة العراقية يمكنها العمل بأي مهنة تريدها، فقررت الشروع في العمل بمهنة يهيمن عليها الذكور، وهي إصلاح السيارات.
وفرت فكرة “شادية” ورشة لإصلاح السيارات حيث تشعر السيدة بالراحة عندما تأتي بسيارتها لإصلاحها بعيداً عن سخرية ومضايقات الرجال.
وبعد ثلاثة أشهر من العمل، وإنفاق 10 آلاف دولار من المدخرات، كشفت شادية أن المشروع يسير بشكل جيد، وأنها ليست نادمة على شيء.
وتعترف “شادية” بأنها علّمت نفسها إصلاح السيارات، وأن فريقها المكون من 4 نساء يقوم بإصلاح أعطال أكثر تعقيداً يوماً بعد الآخر، وأن الهدف الحالي هو الإلمام بإلكترونيات السيارات في الأشهر المقبلة.
وكما هو متوقع تواجه “شادية” التحيز الجنسي والسخرية يومياً نتيجة لاختيارها غير المعتاد.
وخلال زيارة الصحيفة السابقة، جاء أحد العملاء وتسكع في الجراج لمدة ساعة، وقدم هدايا قبل أن يطلب منها لاحقاً فحص سيارته ذات الدفع الرباعي.
وبعد فحص السيارة، قالت شادية للرجل الواقف يحملق فيها من الخلف: “ليس هناك مشكلة بالسيارة”.
للأسف مثل هذا السلوك هو حدث يومي هناك، إذ يقوم العملاء الذكور بالتظاهر بوجود مشاكل في السيارة حتى يتمكنوا من مشاهدتها هي وفريقها أثناء العمل.
وقالت “شادية”: “لو كنت رجلاً، لما واجهت مثل هذه المضايقات التي أواجهها الآن، وأنا على دراية بسلوك مجتمعي. ففي بعض الحالات يزورنا الناس لأن هناك نساء يعملن هنا، وكأنه متنزه”.
وكشفت أنها اضطرت إلى توظيف النساء سراً بعدما لقي إعلانها العام السخرية.
وقالت “فاطمة سليمان”(37 عاماً) واحدة من موظفاتها، إنها ممتنة للعمل الذي وفرته “شادية” والفرصة لإثبات أن دور المرأة لا يقتصر على المنزل أو الوظائف التقليدية فقط.
وأضافت: “لا أريد أن يحتكر الرجال مثل هذه الوظائف، وأريد أن أقول للمرأة إنه لا فرق بيننا وبين الرجال، وإنه من حقنا العمل بمهن مختلفة”.
وعلى الرغم من مواجهة السخرية والمضايقات، تقول النساء إنهن شاكرات للعملاء المحترمين الذين يدعمون مشروعهن.
وقال أحد هؤلاء العملاء “عروس غفور” (31 عاماً)، إنه لم ير جراج صيانة تملكه وتديره النساء من قبل، ولكنه كان مسروراً بالعمل الذي قمن به.
وأضاف: “أرى مستقبلاً باهراً أمام ما تقوم به “شادية. ولقد شجعتها حقاً على الاستمرار في القيام بعملها.
ولا تقيس “شادية” النجاح بزيادة الأرباح فقط، بل بإلهام الموظفات الأخريات أيضاً.
ويبدو أنها نجحت بالفعل في ذلك، إذ ألهمت “شادية” فريقها على تشجيع النساء الأخريات على القيام بالمثل.
وفيما يتعلق بالمستقبل تخطط “شادية” لتوظيف المزيد من النساء ونقل مقر عملها إلى موقع أكبر، ولكنها تتوقع مواجهة الكثير من العقبات والقليل من المساعدة.
وختمت: “لم يحاول أحد أن يمنعني أو أن يغلق الجراج، ولكن لم يحاول أحد أو الحكومة مساعدتي، ربما لا يريدون تقليل التمييز بين الجنسين هنا”.