إذا كانت الصورة الشائعة عن إرهاب تنظيم داعش تمتلئ بالشواهد الدموية، فإن التفاصيل التي تخرج الآن بعد هزيمة التنظيم وهرب الكثير من كوادره، تحمل صورة أكثر بشاعة.
وتروي هذه التفاصيل الجديدة ما كانت تتعرض له النساء من سبي، وتزويج بالإكراه، ومن عقوبات الجلد، والانتقام البشع الذي تنفذه نساء يملأ الحقد قلوبهن، ويجري تدريبهن على ما هو أكثر عنفًا وقسوة.
وأورد موقع “ذي ديلي بيست” الأمريكي قصة مطّوّلة تكاد تكون غير مسبوقة في اقترابها من الزوايا المظلمة في بنيان داعش، وفي أساليبه بتلويث المجتمعات، وإفساد موروثات الحياة الأسرية، وتنشئة أجيال جديدة مسمومة بالحقد.
ماكنة الرعب ومنظومة العقاب.
اثنان من محرري الموقع الإخباري التقيا في تركيا امرأة سورية اسمها “أم راشد”، عمرها 21 عامًا وتحمل مولودًا عمره بضعة أشهر بين ذراعيها، وهي ترتدي لباس “داعش” المخصص للنساء العباءة السوداء الكثيفة.
وقد اكتشفا خلال حديثهما معها أنها كانت جزءًا من منظومة الرعب الوحشي، وكانت عضوًا فاعلاً ضمن كتيبة الخنساء، وهي ذراع داعش النسائية في “الحسبة” أو “شرطة الأخلاق”.
نماذج من الاضطهاد الإنساني.
ذكرت “أم راشد” أن من ضمن النساء اللواتي كانت تساعد في تعذيبهن “نساء يغرين الشبان من خلال ارتدائهن عباءات ملونة”: “كنا نعتقل ونضرب النساء اللواتي يضعن مكياجًا مثل ظلال العيون”.
وتضيف: “كنا نسجن النساء في المقابر مع هياكل عظمية في قفص وسط المقبرة. وكنا نجلد السجناء في المرة الواحدة 40 جلدة كعقاب. وإذا كانت المرأة لا تعرف الإسلام كنا نجبرها على المكوث في السجن لتعليمها الإسلام، وكان ذلك أشبه بمعسكر تدريب”.
الترفيه خلال حفل الزفاف ممنوع.
وذكرت “أم راشد” تفاصيل إحدى حملات التفتيش قائلة: “ذهبنا إلى حي ماسور، وعندما رأينا امرأة ورجلاً في الساعة العاشرة مساءً توقفنا عندهما، فقالا لنا: نحن متزوجان”، وأدركنا قريبًا أنهما ليسا متزوجيْن، كانا خاطبيْن، لم نطلق سراحهما وتزوّجا في السجن بعد دفع الغرامة وتنفيذ العقوبات ضدهما، تزوّجا ثم أطلقنا سراحهما، فالخطبة ليست كافية”.
وأضافت: “خلال مراسم حفل الزفاف كان يُسمح بالتصفيق بالأيدي فقط، لكن إذا تبيّن وجود احتفال واستمتاع خلال الحفل كنا نعتقل العروس والعريس وكانا يمكثان في السجن ولا نطلق سراحهما إلا بعد فترة من الزمن، حيث إن الترفيه خلال مراسم الزفاف كان ممنوعًا في ظل داعش”.
ضحية تحولت لفزّاعة.
يقول التقرير إن هذه الفتاة، “أم راشد”، التي وُلدت في ريف دمشق، وكانت تحلم أن تصبح طبيبة يومًا ما، سُلبت منها كل القوة. وأجبرت على الزواج ثلاث مرات، ورمّلت ثلاث مرات أيضًا، وقُتل والداها في غارة جوية، وخسرت أختها ذراعها، ودُمّر منزلها، وعاملها أهل زوجها كعبدة لهم. في النهاية رضيت بانضمامها لداعش وتمكنها من تناول الطعام أخيرًا بعد الحرمان.
وتحكي “أم راشد” عن زوجها الثاني أبو عبدالله، الذي لم يكن يتحدث عن نفسه أو عن أسرته أو خلفيته، قائلة: “لم يتحدث معي قط عن حياته السابقة، وكان يقدّم كل شيء لي، لكن لم يسمح لي بسؤاله عن نفسه”، وقال لي: “إذا قمتِ بأمر خاطئ وصدر قرار من داعش بقتلك سأقطع عنقك بدلاً منهم، لذلك كوني حذرة”. وقُتل في غارة للتحالف في 23 من شباط/ فبراير العام 2015.
مزرعة للنساء اللواتي دون محرم.
واستذكرت “أم راشد” فترة عدتها فقالت: “تملك داعش مكانًا أشبه بالمزرعة تعيش فيه النساء اللواتي لا يملكن محرمًا. وبقيت في المزرعة فترة عدتي”. ومثل أرامل داعش الأخريات، عرفت “أم راشد” سريعًا مصيرها فيما يتعلق بالزواج من جديد. “أبو عبدالله قال لأبي سيف، صديقه التونسي، إنه إذا مات فعليه الزواج من زوجته”. وبهذا تم نقل “أم راشد” لرجل ثالث خلال فترة سنتين، ليعود هذا الزوج ويُقتل وهي في الشهر السابع من حملها.
وأوضحت: قالوا لي إنني سأبقى معهم في الحسبة، “وبعد أن تنجبي الطفل سنزوجك مرة أخرى. وسنبحث في هذا الأمر”. فقد تزوجت أم الخطاب، إحدى النساء البارزات في التنظيم، 9 مرات وفي كل مرة كان يُقتل زوجها. وقالت لي، “ستتزوجين مرة أخرى”.
سأل المراسلان أم راشد عن تفاصيل ممارسة “العض” الذي تستخدم فيه أسنان معدنية لتعذيب النساء فقالت ” نعم، يستخدمون أسنانًا صناعية لعض النساء بها. كنا نقوم بذلك. الأسنان المعدنية أشبه بأداة صناعية ويسمح لنا بعض أي جزء من الجسم، ظهرها أو كتفها أو صدرها، الأماكن التي لا يمكن رؤيتها من الخارج وتحديدًا أي مكان يوجد فيه لحم وافر، كان أعضاء الحسبة معتادين على القيام بهذا”.
العض طريقة تعذيب مبتكرة.
وتابعت الوصف قائلة: “طلبوا منا القيام بذلك حتى نصبح شجاعات. وباستطاعتي الآن ضرب ثلاث أو أربع نساء في المرة الواحدة. لكن بالطبع كنت أربط أيديهن وأرجلهن”.
زوج شقيقتها ساعدها على الهرب.
وعن طريقة هربها من داعش إلى تركيا بعد مقتل زوجها الثالث الذي كانت حاملاً منه، قالت أم راشد: “كانت أختي متزوجة من أمير داعشي، ما ساعدني على اتخاذ قرار المغادرة إلى تركيا”.
وتضيف: “أختي الآن في العراق، وقلت لأم الخطاب المسؤولة عن تزويج النساء للداعشيين إنني ذاهبة لرؤية أختي. وسأبقى هناك لمدة أسبوع، لأنني لم أرها منذ فترة طويلة. وهكذا تم منحي الإذن بالمغادرة. فأنا من كتائب “الخنساء”، ونظرًا للوضع المتميز في داعش فهذا يعني أنه موثوق بسفرها والعودة: “لقد كذبت حتى أتوجه إلى الحدود السورية، لإنقاذ نفسي من قيام أم الخطاب بإجباري على الزواج مرة أخرى في الرقة، وأردت إنقاذ طفلي”.
كنت على وشك الولادة، و”الحدود كانت صعبة في ذلك الوقت حتى أن المهربين السوريين والأتراك قاموا بأخذ مبالغ كبيرة، وكنت خائفة جدًا أن أضع طفلي أثناء اجتياز الحدود، وكانت هناك امرأة أخرى معي تحاول المرور قابلتها على الحدود، ودفعنا 3000 دولار للمهرّب، واستطعنا اجتياز الحدود في الساعة الثانية صباحًا.