عبّرت المعارضة والمجتمع المدني في تونس، عن قلق كبير على الانتقال الديمقراطي بعد إقرار البرلمان قانوناً مثيراً للجدل ينصّ على العفو عن متورطين في الفساد في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وجاء إقرار هذا القانون مساء الأربعاء، إثر نقاش محتدم في البرلمان بعد أيام على إجراء تعديل وزاري واسع أولي على منصبين مهمّين في الحكومة لصالح شخصين شغلا مناصب وزارية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ووُصف هذا التعديل الحكومي أنه تعزيز لسلطة الرئيس “الباجي قائد السبسي” على أبواب استحقاقات انتخابية في البلاد.
جدل واسع.
وقالت الباحثة في جامعة أكسفورد، مونيكا ماركز، إن قانون العفو الذي أقرّه البرلمان يشكّل “انتصاراً لمبدأ الإفلات من المحاسبة، وضوءاً أخضر من رأس المؤسسات الرسمية إلى الأفراد المتورطين في سوء استغلال السلطة”.
وكان مشروع القانون ينصّ في صيغته الأولى على العفو عن رجال أعمال، ومسؤولين سابقين في عهد الرئيس بن علي، ملاحقين بتهم فساد، وذلك مقابل إعادتهم للدولة المبالغ التي جنوها إضافة إلى غرامات مالية.
وإزاء موجة الرفض الكبيرة، تم تعديل النص، وبات لا يشمل إلا الموظفين المتورطين في حالات فساد إداري ولم يتلقَّوا رشى، لكن رغم ذلك ظلّ مشروع القانون يثير معارضة حادة.
وكان السبسي وصف مشروع القانون لدى طرحه في صيف العام 2015 أنه يؤدي إلى تحسين المناخ الاستثماري في بلد يعاني أزمة اقتصادية.
وشدّد مدير الديوان الرئاسي، سليم العزابي على أن القانون يشمل 2000 موظّف في مناصب عليا لم يتلقّوا رشاوى، بل كانوا ينفذون التعليمات المعطاة لهم دون أن تكون لهم مصلحة شخصية في ذلك.
وأضاف:”ثمة 35 % من الميزانية المرصودة في الجهات فقط تصرف، لماذا؟ بسبب الخوف (..) وهناك العديد من الأشخاص يعطّلون المشاريع العمومية”، متوقعاً أن يؤدي القانون إلى نمو بنسبة 1.2 % للاقتصاد التونسي.
لكن هذه التصريحات لاقت رفضاً من جانب المعارضة، وأيضاً من قِبل المجتمع المدني حيث يعتبران أن القانون يشجع الإفلات من المحاسبة في بلد ينتشر فيه الفساد بشكل كبير.
وحّذّر البعض أيضاً، من أن هذا القانون يمكن أن يفتح الباب لعودة الممارسات الاستبدادية التي رغب التونسيون بطيّ صفحتها مع “ثورة الياسمين” في العام 2011.
تهديد لمسار الديمقراطية.
وحذّرت مديرة مكتب “هيومن رايتس ووتش” في تونس، آمنة القلالي، من أن القانون يمكن أن يرسّخ ممارسات كانت سائدة في زمن النظام السابق، ويهدّد الديمقراطية الناشئة في هذا البلد.
وقال النائب أحمد الصدّيق (من الجبهة الشعبية ذات التوجهات اليسارية): “هذه بداية مسار سيضرب في العمق الثورة التونسية”، داعياً الشعب التونسي إلى الحذر من عودة من ارتكبوا جرائم بحقه إلى المناصب العليا.
وندّد بعض النواب، بما رأوا فيه تناقضاً في مواقف السلطات، إذ إن رئيس الحكومة “يوسف الشاهد” سبق أن أعلن “الحرب على الفساد” قبل أشهر.
ورحّب حزب نداء تونس، الذي يضمّ في صفوفه مسؤولين في النظام السابق، بإقرار القانون، معتبراً أنه يفتح باب مرحلة جديدة قائمة على المصالحة والوحدة الوطنية.
وصوّت لمصلحة إقرار القانون، حزب النهضة الإسلامي، الشريك في الحكم مع حزب نداء تونس، معتبراً أن مساندته للقانون كانت من باب تحقيق “المصلحة الوطنية”.
وترى مونيكا ماركز، أن حزب النهضة الذي كان أكثر الأحزاب عرضة للاضطهاد في زمن النظام السابق، وعلى يد بعض الشخصيات التي يمكن أن يشملها قانون العفو، يفضّل الحفاظ على تحالفه مع حزب النداء.
وفيما تستمر موجة الغضب على إقرار القانون على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أوساط المعارضة، ترتفع أصوات مطالبة بمتابعة التحركات الاحتجاجية.
ومن المتوقع أن تخرج مساء غدٍ الجمعة، تظاهرة جديدة لمجموعة تطلق على نفسها اسم “مانيش مسامح”، في الوقت الذي يعمل فيه عدد من النواب على إعداد طعن بالقانون الذي يصفونه أنه مخالف للدستور.