نبذة عن الحرس الثوري:
الحرس الثوري الذي يعتبر أحد أرکان القوة العسکرية للنظام الإيراني، تم تشکيله عام 1979، بقيادة المرشد الأعلى الإيراني الراحل الخميني، وقد تم تشکيله ومنذ اللحظات الأولى من أجل المحافظة على الثورة وردع الأعداء الداخليين و الخارجيين الذين يهددون الثورة، بالإضافة إلى أنه مکلف بحماية الطبيعة و المظاهر الإسلامية لإيران و کذلك منع التدخل الأجنبي والحركات المنحرفة يساعد في التصدي للأزمات المختلفة في البلاد وجميع أعمال الشغب والأذى.
وللحرس الثوري دور و نفوذ استثنائي في إيران و حضور مميز لايمکن تجاهله من مختلف النواحي، فهو إلى جانب امتلاکه للقوات البرية و الجوية و البحرية، وامتلاکه أيضا جهاز استخباري خاص به، فإنه يعتبر صاحب الدور الأهم في التصدي لأية حالة تهدد النظام الإسلامي، وحتى أن دوره يبرز في حالات الصراع بين أجنحة النظام وکذلك في التصدي للتحرکات الاحتجاجية والانتفاضات الجماهيرية، وقد کان دوره مشهودا في انتفاضة عام 2009 للشعب الإيراني و التي شکلت وقتها تهديدا جديا للنظام الإسلامي، فنزل الحرس الثوري بين الحشود الإيرانية المنتفضة بملابس مدنية و تمکن من إرباك الانتفاضة و إفشالها و بالتالي جعل قادتها تحت الإقامة الجبرية.
الحرس الثوري و السياسة:
على الرغم من کون دور الحرس الثوري ذو طابع عسکري ـ أمني بصبغة عقائدية، لکنه مع ذلك نجح في اختراق الميدان السياسي و سجل دوره وحضوره الذي لم يعد بالامکان تجاهله، إذ أن وصول العديد من قادته بعد تقاعدهم أوتسريحهم من الحرس إلى البرلمان الإيراني وإن علي لاريجاني، الذي يشغل منصب رئيس البرلمان، خير مثال على ذلك بالإضافة إلى محمود أحمدي نجاد الرئيس السابق، بمعنى أن الحرس الثوري قد تمکن من الوصول إلى رأسي السلطتين التشريعية و التنفيذية، هذا ناهيك عن مسٶولين کبار في الوزارات أو مختلف مرافق الدولة، وهم بذلك يشکلون قوة سياسية لها اعتبارها ولايمکن الاستهانة بدورها و حضورها.
الحرس الثوري و الاقتصاد الإيراني:
للحرس الثوري دور و حضور قوي و فاعل في مجال الاقتصاد الإيراني، فله دور اقتصادي فاعل من أقصى إيران إلى أقصاها، إذ أنه بالإضافة إلى کونه اللاعب السياسي والأمني الأول في البلاد فإنه کذلك أيضا في الجانب الاقتصادي.
بحسب المعلومات الواردة في التقارير المختلفة المتعلقة بدور الحرس الثوري في مجال الاقتصاد الإيراني، فإنه وعلى سبيل المثال، فإن”مقر خاتم الأنبياء”، وهو الجناح الاقتصادي للحرس الثوري، يعتبر أکبر مقاول في إيران، حيث يضم 812 شرکة في إيران و خارجها، وله أسهم کبيرة في عدد من البنوك و المصافي و مصانع السيارات و البتروکيمياويات و الألمنيوم والصناعات البحرية وصناعة الجرارات والصلب والحديد ومصانع الأدوية والمطاحن وشرکات الحفر و الصناعات الغذائية.
ومن النماذج التي تدل على مدى تغلغل و هيمنة الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني، فقد باعت حکومة أحمدي نجاد51% من شرکة الاتصالات الإيرانية إلى شرکات تابعة للحرس الثوري من خلال مزايدة تمت هندستها بطريقة تجعل أکبر صفقة في تاريخ الأسهم الإيرانية تنتهي لصالح شرکات تابعة للحرس الثوري.
وخلاصة الأمر، فإن الحرس الثوري، يعتبر بمثابة الشريان الأبهر لقلب نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولايمکن لهذا النظام أن يستمر فيما لو جرى شيء غير عادي له.
الحرس الثوري والتدخلات في المنطقة:
للحرس الثوري جناح مختص بالنشاطات الخارجية له، هو”فيلق القدس”، وليس هناك أي جدل بشأن الدور غير العادي لهذا الجناح في العراق و سوريا واليمن و لبنان، وهذا الدور قد يکون مباشرا کما في الحالتين السورية والعراقية أو يکون غير مباشرا کما في الحالتين اليمنية و اللبنانية، کما أن قائد هذا الجناح”الجنرال قاسم سليماني”، له دور و حضور کبير على مستوى البلدان الأربعة، ولاننسى بأنه قد أطلق عليه لقب”الحاکم المطلق للعراق و سوريا ولبنان”، وهو بحسب ماتشير أوساط سياسية واستخبارية وإعلامية مطلعة، صاحب القرار الأهم في سوريا و العراق لبنان، وإن التدخلات الإيرانية التي يکثر الحديث بشأنها، إنما جرت وتجري على يد هذا الجناح وتحت إشراف و توجيه قائده سليماني.
دور الجناح الخارجي للحرس الثوري، و المتمثل في تصدير التطرف الديني و الإرهاب إلى دول المنطقة والسعي لفرض الحالة الإيرانية وسحبها على دول في المنطقة وخصوصا تلك التي يتواجد فيها الشيعة، وإن تشکيل أحزاب و ميليشيات و منظمات من جانب فيلق القدس و الإشراف على تدريبها وإعدادها عسکريا و عقائديا، کما کان يجري في العراق إبان فترة ولايتي نوري المالکي، رئيس الوزراء العراقي السابق، حيث کان يتم إرسال الکثير من الذين تم إعدادهم و تدريبهم إلى سوريا للمقاتلة إلى جانب قوات نظام بشار الأسد.
الملاحظة الأهم عن دور فيلق القدس و قائده سليماني
في الأوضاع السياسية والأمور الأخرى المتعلقة بها، فقد تحدثت وتتحدث التقارير الخبرية وبصورة ملفتة للنظر عن النشاطات والتحرکات غير العادية التي يقوم بها سليماني بين الکتل السياسية في العراق من أقصى العراق إلى أقصاه، وقد برز دوره في العراق إلى الحد الذي لفت الأنظار کثيرا وصارت عليه تحفظات عربية ودولية مما اضطر رئيس الوزراء العراقي ووزير خارجيته إلى القول بأنه يعمل کمستشار لدى الحکومة العراقية، رغم أنه لايوجد في العالم کله مستشار يمکنه أن يمارس دورا و نشاطا و تحرکا غير عادي کما هو الحال مع قاسم سليماني في العراق.
الحرس الثوري وعلاقاته مع التنظيمات الإرهابية:
للحرس الثوري الإيراني، وبناءً على العديد من المعلومات المتباينة، علاقات وطيدة و حتى متميزة مع العديد من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، نظير تنظيم القاعدة و حرکة طالبان وتنظيم داعش بشکل خاص، کما کانت له علاقات قوية مع المجموعات التکفيرية نظير حرکة الجهاد الإسلامي في مصر ، التي قامت باغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بعلم وتنسيق مسبق مع الحرس الثوري وقتئذ، وهناك الکثير الذي قيل عن دور محتمل للحرس الثوري في تفجيرات 11 سبتمبر، وإن الإرهابيين مروا من إيران، کما إن إقامة قادة للقاعدة ومن بينهم أقارب لأسامة بن لادن نفسه، دليل آخر على أن الحرس لم يتغافل أو يتجاهل عن هذا التنظيم و التنسيق معه.
وبالنسبة لتنظيم داعش، فإن هناك الکثير من الأدلة التي تٶکد على وجود علاقة و تنسيق بين الحرس الثوري و تنظيم داعش، خصوصا وإن انطلاقة داعش و بروزه قد کان في عام 2013، عندما کانت الشبهات تحوم على النظام السوري باعتباره قد استخدم الأسلحة الکيمياوية في ريف دمشق، حيث شهد تطورين مهمين في سوريا و العراق على حد سواء، ففي سوريا تم إطلاق سراح المئات من السجناء السنة المتطرفين، کما شهد العراق عملية هروب جماعية کبيرة أيضا للمئات من السجناء السنة المتطرفين، وقد التقت هذه المجاميع بعلم الحرس الثوري والمخابرات السورية و العراقية وقتئذ مع بعضها لتخلق من داعش تلك القوة التي فرضت نفسها على الساحة السورية و غيرت من مسار الأحداث بزاوية مقدارها 380 درجة، ذلك أن الثورة السورية التي کانت لحد تلك اللحظة تحظى بدعم دولي ملموس، صار حضور و دور داعش و کذلك جماعة النصرة وغيرها، سببا لعزوف العالم عن دعمه للثورة، وهذا کان هو الهدف الذي خطط له الحرس الثوري و حققه.
أما مع حرکة طالبان، فقد تم إطلاق الکثير من التصريحات الرسمية من جانب مسٶولين أفغان يطالبون فيها إيران بالکف عن دعمها وتنسيقها مع الحرکة، الذي جرى و يجري عن طريق الحرس الثوري، علما بأن الحرس الثوري نفسه کان رتب الأمور، أيام کانت حرکة طالبان تحکم أفغانستان للإطاحة بها من أجل تحقيق أهداف خاصة له.
الحرس الثوري والإرهاب:
بعد الذي ذکرناه آنفا، فإن دور و علاقة الحرس الثوري بالإرهاب، صار أمرا ملموسا وواضحا للعيان، خصوصا وأن علاقته بالعمليات الإرهابية تعود إلى العقد الثامن والألفية الماضية، عندما جرت عمليات تفجير مقر المارينز في لبنان و عمليات التفجير في الکويت و محاولة اغتيال أمير الکويت وعمليات الخبر الإرهابية في السعودية وقد أشارت أصابع الاتهام کلها إلى دور الحرس الثوري بهذا الصدد، کما أن تفجير مقر السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين في نفس تلك الفترة کانت تحمل آثار بصمات الحرس الثوري الايراني، أما الذي جرى و يجري حاليا من عمليات إرهابية في المنطقة و نشاطات وتحرکات مريبة تثير القلق و تزعزع السلام والأمن والاستقرار، فإن جميعها ترتبط بشکل أوبآخر بالحرس الثوري، بل وهناك اتفاق ضمني بين کافة دول المنطقة ماعدا تلك الخاضعة للنفوذ الإيراني، بخصوص أن الحرس الثوري هو جهاز إرهابي يغذي و يوجه الإرهاب في المنطقة و العالم.
رأينا:
لحرس الثورة الإيراني دور بالغ الخطورة تعدى وتجاوز الحدود الإيرانية منذ بدايات الثورة، وهو اليد المدبرة للتدخلات السافرة في المنطقة وکذلك مختلف النشاطات المشبوهة التي تٶثر سلبا على الأمن والاستقرار ولاسيما عندما تتطلب الأوضاع في إيران ذلك، ولايمکن للمنطقة أن تنعم بالهدوء من دون إنهاء تدخلات الحرس الثوري الذي يعتبر القوة الأولى الأهم في إيران، وإن إدراجها في قائمة التنظيمات الإرهابية يخدم السلام و الأمن و الاستقرار في المنطقة، خصوصا وأنه وکما أسلفنا يمثل الشريان الأبهر لقلب نظام الجمهورية الإسلامية الايرانية، وإذا ماتم قطع هذا الشريان فإن النظام کله يصبح في مواجهة خطر مصيري.