في أحد أيام أخذ شاجداس أردوغان كاميرته إلى حديقة يوغورتكو الشهيرة في إسطنبول، والتقط بضع صور فوتوغرافية، قبل أن يجد نفسه متهمًا من قبل شرطي بالتصوير قرب مبنى جهاز الاستخبارات.
وتم تبليغ الشاب أردوغان أن موظفي هيئة الاستخبارات الوطنية التركية يستخدمون هذا المبنى، ثم تم اعتقاله بتهم الإرهاب، وبعد بضع ساعات أُغلق موقعه الإلكتروني، وتم تعطيل حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
وينشط أردوغان (26 عامًا) في وكالة ” SO Collective” للتصوير المستقلة والتي لا يزال مصدر نشأتها مجهولًا رغم وضع عدد من المصورين المحترفين فيها على القائمة السوداء للدولة، وشُنّ هجوم عليهم من الصحف الحكومية.
وتعهدت الوكالة، التي أُطلق عليها أساسًا اسم جماعة “حالة الطوارئ”، بتوفير “مصدر بديل للمعلومات من خلال صور واقعية وموضوعية للاضطرابات المدنية، والاستبداد المتنامي في تركيا في ظل الرئيس رجب طيب أردوغان“.
وأُطلق سراح الشاب شاجداس أردوغان بكفالة الشهر الماضي، وهو الآن قيد حظر السفر حتى محاكمته في حزيران/ يونيو المقبل، وإذا تمت إدانته فسيحاكم لمدة تصل لـ23 عامًا.
وعلّق أردوغان على هذه الأنباء في حديث لصحيفة الغارديان البريطانية بالقول:”أعتقد أنني سُجنت لأنني على استعداد لإظهار الظلم الذي أشهده في تركيا كل يوم، لكنني تمكنت من أن أحافظ على دافعي، لأنني أؤمن أنني قمت بالأمر الصحيح”.
وقد عُرضت الصور الفوتوغرافية التي التقطها أردوغان مؤخرًا في معرض تصوير باريسي أقيم في دار جنازات سابق، ووصفت صوره أنها غير مناسبة للأشخاص سريعي الحساسية، لأنها تصور شراسة مصارعات الكلاب غير القانونية، والانغماس في الحفلات الجنسية تحت الأرض، والعنف الفوضوي لاحتجاجات الشارع المسلحة المليئة بشباب يافعين يرتدون أقنعة، ويحملون البنادق.
وغمس أردوغان نفسه في غازي المعروفة بمجتمعها الكردي الراسخ بعد انقطاعه عن دراسة علم الاجتماع للسعي إلى التصوير في العام 2013، وهناك اكتسب ثقة من تحت الأرض ببطء، وتمكن من الوصول إلى الثقافات الفرعية التي عثرت على طريقة للتمرد ضد النزعة المحافظة لتركيا المعاصرة وتصويرها، وهذه البيئات غير القانونية في الغالب تعد سرية وخطيرة، لكن أردوغان تمكن من تصويرها بصراحة، وحميمية تعبيرية.
وقال أردوغان إن النتائج جريئة، ومثيرة، وغير فاضحة لهويات الأشخاص، وأضاف:”شعرت في كثير من الأحيان أنني في خطر، لكنني تعلمت كيفية التنقل”.
وسرعان ما استشعر أردوغان بوجود سبب أكبر وراء اضطراب غازي، بأن “الحكومة التركية تسعى إلى القضاء على سكانها الأكراد، وأدّى هذا الشعور بالتهديد إلى دفع الناس للتصرف كما فعلوا”.
وقال أردوغان:”تجارة المخدرات، والدعارة، ومصارعة الكلاب، والاحتجاجات، تبدو للوهلة الأولى مختلفة عن بعضها، لكنها جميعًا تملك نفس الجذور، ونفس الدافع، ومنحت تركيا بعض الأيديولوجيات منصة، وأي شخص يملك أفكارًا معارضة يتم ذمه، وتم دفعهم إلى الليل، وهذا ما أصوره”.
وكان ضمن هذه البيئة المتقلبة توجد حركة مجتمع مثليين ومتحولين جنسيًا محررة حديثًا، فضلًا عن رغبة بين المغايرين جنسيًا للتجربة.
وبدأ أردوغان يحضر تجمعات في “غازي” والتي يقوم خلالها أزواج، وأحيانًا مجموعات من الناس بممارسة الجنس علنًا أمام سائر الحاضرين للاحتفال، فأصبح تصويره “نشاطًا للتمرد بصريًا ومسرحيًا”.
وقال أردوغان:”في تركيا الحديثة، أي شخص لديه أي نوع من التوجه الجنسي المختلف، مجبر على إخفاء نشاطه الجنسي، وسُمح لي أن أشهد تصرفات تتناقض مع الصورة المحافظة لإسطنبول، لقد وثقوا بي بما فيه الكفاية ليتصرفوا بانفتاح أمام الكاميرا، وأن أتمكن من تصوير ذلك كان تجربة مذهلة”.
ونشرت دار نشر الصور “أكينا بوكس” مجموعة أردوغان الأولى بعنوان “سيطرة” في العام 2017.
وقال أحد ممثليها، الذي لم يرغب بأن يذكر اسمه:”يقول أردوغان إن الحكومة موجودة حتى في غرفة النوم، وقد يتعرّض الناس للقمع خلال النهار، ولكن عندما تنطفئ الأضواء، ينفجر كل شيء فجأة، لقد وجد طريقة للتعبير عن كفاحه ضد قوة غير مرئية من خلال إظهار الظلام الذي يعيش فيه من يصورهم”.
وخلال وجوده في غازي، بدأ أردوغان السفر ذهابًا وإيابًا إلى المنطقة الكردية التي وُلد فيها، واندمج مع مقاتلين متحالفين مع حركة الشباب الثوري الوطني ” YDG-H” التي تعد مجموعة انفصالية تابعة لحزب العمال الكردستاني ” PKK”، وتم تصنيفها كمجموعة إرهابية من قِبل السلطات التركية.
ووثق أردوغان بعدسته عناصر الصراع على الأراضي الكردية جنوب شرق تركيا، وتم نشر واحدة من صوره الأولى من قِبل موقع “غيتي” الشهير للصور الاحترافية في العام 2016، واستُخدمت في الصحف في جميع أنحاء العالم، وهي تظهر مقاتلًا كرديًا يعمل في مدينة نصيبين، شرق تركيا، وفي الصورة يعمل الرجل اليافع الذي يلف رأسه بكوفية على إعداد قنبلة صاروخية، بينما تطير حمائم بيضاء فوق رأسه.
ويقول المتحدث باسم “أكينا”:”بعد ظهور الصورة في غيتي، ظهرت في أخبار الصباح، وقال مقدم برامج تلفزيونية إن أردوغان يجب أن يعتبر إرهابيًا لالتقاطه تلك الصورة، لقد كان يعلم أنهم يراقبونه”.
بيد أن التصوير الصحفي لأردوغان خلال وجوده في كردستان لم يشكل سوى جزءٍ من التهم الموجهة ضده، حيث يقول المدعون إن صوره في غازي التي تُعرض الآن في باريس هي ” دليل على عضويته في منظمة إرهابية، ونشر بروباغندا منظمة إرهابية”.
ومع ذلك ذكر أردوغان أن ولاءه الوحيد هو للتصوير الصحفي، وقال: “واجبي هو أن أوثّق الأمور التي تحدث من حولي، وكصحفي، أنا أحاول أن أكون أخلاقيًا قدر الإمكان، ولن أشارك أبدًا هويّات جهات الاتصال الخاصة بي، وهذا، بحسب اعتقادي هو السبب وراء اعتقالي”.
ولا تزال الوكالة التي ينتسب لها أردوغان مستمرة بالنمو دون الشعور بالخوف والجبن إثر تجربة اعتقاله، حيث تقوم بتنظيم الصحفيين المدنيين في أنحاء البلاد.
وذكر أحد المتحدثين باسم الوكالة أنه “لطالما كان التقاط صور للناس في تركيا أمرًا صعبًا، والجميع يشعرون بالريبة، فكونك مصورًا يعني أنه من الممكن أن تكون عميلًا، أو إرهابيًا، وقد يجعل ذلك من المستحيل تقريبًا التواصل مع الناس، والبلاد في حالة شك مستمر، لكننا نعثر على طرق لنكون موجودين، ونكون في الخارج، ونطارد الحقيقة”.