كشفت وثائق مسربة نشرتها، صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، كيف أن دولة قطر دفعت مئات الملايين من الدولارات لأفراد ومنظمات إرهابية، في صفقة للإفراج عن مختطفين في العراق.
وقالت الصحيفة إن “دبلوماسيًا قطريًا رفيع المستوى بعث في صباح يوم 16 أبريل/ نيسان 2017، أثناء مفاوضات صفقة الرهائن القطريين، رسالة نصية إلى رئيسه يشكو من ارتكاب جرائم سرقة وقحة في حق بلده”.
وقال المسؤول، إن قطر “دخلت محادثات سرية لتحرير 25 من مواطنيها من قبضة خاطفين عراقيين، ولكن تحولت المساومة إلى نوع من الابتزاز؛ إذ تتصارع حكومات أجنبية وميليشيات من أجل الحصول على أموال الدولة الخليجية الغنية”.
وبحسب ما نقلته الصحيفة، كتب السفير القطري لدى العراق، زايد بن سعيد الخيرين، في الرسالة: “السوريون، وكتائب حزب الله اللبناني، والعراق يريدون أموالًا، وهذه فرصتهم.. جميعهم لصوص”.
وأكدت الرسائل المسربة، أن القطريين “كانوا على استعداد للدفع، وبالفعل دفعوا، فضلًا عن إظهارها قلق وتذمر المسؤولين القطريين في البداية، ولكنهم وافقوا على ما يبدو بعد ذلك على دفع 275 مليون دولار أمريكي على الأقل، لتحرير 9 أشخاص من العائلة المالكة، و16 مواطنًا قطريًا آخرين اختطفوا خلال رحلة صيد في جنوب العراق”.
وأظهرت السجلات السرية لأول مرة أن خطة الدفع “خصصت مبلغًا إضافيًا قيمته 150 مليون دولار نقدًا، لأشخاص وجماعات كانوا يعملون وسطاء، على الرغم من أن واشنطن تعتبرهم من رعاة الإرهاب الدولي، منهم فيلق الحرس الثوري الإيراني، وكتائب حزب الله، ومجموعة عراقية شبه عسكرية متورطة في هجمات على القوات الأمريكية خلال حرب العراق”.
وقالت الصحيفة، إن تلك المدفوعات “كانت جزءًا من صفقة أكبر تشمل الحكومات الإيرانية، والعراقية، والتركية، فضلًا عن ميليشيا حزب الله اللبنانية، وجماعتين على الأقل من المعارضة السورية، مثل جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة”، مضيفةً أن المبلغ الإجمالي مقابل عودة الرهائن “وصل إلى حوالي مليار دولار أمريكي”.
ونفت قطر، التي اعترفت بتلقيها مساعدة من عدة دول لضمان تحرير الرهائن العام الماضي، التقارير التي أفادت بدفعها أموالًا لمنظمات إرهابية كجزء من الصفقة.
وزعم سفير قطر لدى الولايات المتحدة مشعل بن حمد آل ثاني، أن “فكرة دعم الدوحة لأنشطة إرهابية فكرة خاطئة” إلا أنه لم ينف أن بلاده دفعت أموالًا لإنهاء الأزمة، مشيرًا إلى أن المستلمين “كانوا مسئولين حكوميين”.
صفقة معقدة
لكن المحادثات والرسائل النصية التي حصلت عليها “واشنطن بوست” ترسم صورة أكثر تعقيدًا للصفقة؛ إذ تظهر أن دبلوماسيين قطريين رفيعي المستوى “وقعوا على سلسلة من الدفعات الجانبية تتراوح قيمتها من 5مليون إلى 50 مليون دولار أمريكي، لمسؤولين عراقيين وإيرانيين وزعماء جماعات شبه عسكرية، مثل تخصيص 25 مليون دولار لرئيس كتائب حزب الله، و50 مليون دولار للقيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني”.
ونقلت الصحيفة أن السفير القطري في العراق قال بإحدى رسائله الموجهة لمسؤول كبير في كتائب حزب الله، “سوف تأخذون أموالكم بعد استلام أبنائنا”.
وكشفت الصحيفة أن حكومة أجنبية سجلت خلسة التبادلات النصية، التي تعتبر جزءًا من الاتصالات الخاصة بشأن أزمة الرهائن مثل مكالمات هاتفية، ورسائل صوتية عبر البريد الإليكتروني باللغة العربية، وسمعها مراسلو “واشنطن بوست” من أجل التوثيق بشرط عدم ذكر اسم الحكومة الأجنبية.
ورفض مسؤولون قطريون التعليق على قضايا محددة أثيرت في التبادلات النصية، إلا أن مسؤولاً من منطقة الشرق الأوسط، على علم بالاتصالات السرية، قال إن المبالغ المذكورة بالرسائل “تشير إلى اقتراحات قدمها المفاوضون، ولكنها رُفضت في النهاية”.
وأكد المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية الموضوع، أن “بعض النصوص تم تعديلها على الأرجح أو أعيد تجميعها للخروج في نهاية المطاف بانطباع مضلل”.
ولم يشكك المسؤول في تقارير تفيد بأن مئات الملايين من أموال قطر نُقلت إلى بغداد في أبريل/ نيسان 2017، قبل أيام من إطلاق سراح الرهائن، فضلًا عن مصادرة مسؤولين عراقيين الأموال التي لم يتم إعادتها.
ورأت الصحيفة أن مساومة قطر للمسلحين خلال أزمة الرهائن “سوف تثير التوترات بينها وبين جيرانها الذين انتقد بعضهم حكام الدوحة مرارًا لعلاقاتهم الوطيدة مع إيران، ودعمهم جماعة الإخوان وجماعات أخرى متشددة”.
وبعد أسابيع من تحرير الرهائن، قررت المملكة العربية السعودية، والإمارات، ودول أخرى قطع العلاقات مع قطر، ما تسبب في أزمة دبلوماسية سرعان ما تحولت إلى مقاطعة للدوحة.
وإثر الأزمة أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن دعمه المقاطعة، منتقدًا قطر باعتبارها ممولًا للإرهاب على مستوى عالٍ جدًا.
أيادٍ إيرانية
في العام الماضي، كشفت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، توثيقًا للمراسلات حول ارتباط الإفراج عن الرهائن القطريين، بخطة إيرانية مدعومة من تركيا و”حزب الله” اللبناني، لإخلاء 4 قرى سورية، اثنتان من الأغلبية السنية وأُخريان من الأغلبية الشيعية، والتي خضعت لحصار جماعات متشددة مختلفة لعدة أشهر.
علاوة على ذلك، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”الأمريكية، في الشهر الماضي، مقالًا يكشف عن استيلاء مسئولين عراقيين في مطار بغداد الدولي على 360 مليون دولار، من الأموال النقدية القطرية، المُرسلة جزئيًا للمقاتلين السوريين وتنفيذ عمليات الإجلاء، ضمن خطة إطلاق سراح الرهائن المتفق عليها.
وكشفت تسريبات واشنطن بوست، أن الخيارين لوزير الخارجية القطري، إذ طلب المسلحون منه “إحضار الأموال” مقابل تحرير الرهينتين، ثم في وقت لاحق، طلب الخاطفون، عبر وسيط عراقي، تقديم تنازلات أخرى، بدت كأنها تحمل في طياتها فوائد لإيران، كانسحاب قطر الكامل من التحالف الذي تقوده السعودية ضد مقاتلي جماعة “الحوثيين” في اليمن. إلي جانب الوعد بإطلاق سراح الجنود الإيرانيين، الذين يحتجزهم المقاتلون السنة، المدعومون من قطر، في سوريا.
وفي مارس 2016، كتب الخيارين أنه أخبر الخاطفين بـأن “مطالبهم ليست منطقية إطلاقًا”، ولكن بعد فترة وجيزة ، أصبح المال الركيزة الرئيسة في التبادلات النصية والمحادثات الهاتفية، ففي بادئ الأمر، ناقش المسؤولون القطريون دفع 150 مليون دولار إلى كتائب حزب الله في حال إطلاق سراح جميع الرهائن، مع دفع 10 مليون دولار إضافية إلى الوسيط العراقي للمجموعة، الذي يعُرف باسم أبو محمد السعدي.
وكانت هذه الدفعة المالية بداية مناقشات عديدة، حول مجمل الدفعات الإضافية المحتملة لمسؤولي الميليشيات والوسطاء، الذين طالب بعضهم بالحصول على أموال إضافية من القطريين تحت غطاء من السرية، لكي لا يكتشف إخوانهم في الكتائب حصولهم على مكافآت.
وقد أخبر الخيارين وزير الخارجية القطري، في رسالة بالبريد الصوتي، أن “السعدي قال له ماذا عنّي؟”، قائلًا له بصراحة “أريد10 ملايين دولار”، فرد عليه “لن أعطيك 10 ملايين، إلا إذ ضمنت تحرير رفاقي بنسبة 100%، لذا سأدفع لك 150 مليونًا ثم سأعطيك العشرة فيما بعد”.
الدائرة تتسع
وفي وقت لاحق، خلال ربيع العام 2016، اتسعت دائرة الوسطاء والمحاورين لتشمل (سليماني) وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين، ففي شهر مايو أخبر الخيارين) رئيسه بأن المفاوضين توصلوا إلى مبلغ 275 مليون دولار، على أن تتم الصفقة في محافظة السليمانية بالعراق، ثم اُقترح مبلغ مليار دولار ثمنًا لصفقة شاملة، تشمل الإيرانيين وخطة الإخلاء من 4 قرى، إذ يسعى سليماني إلى تنفيذ هذه الخطة منذ أكثر من عامين.
وفي رسالة نصية بتاريخ أبريل 2016، قال الخيارين، إن “قاسم ضغط على الخاطفين وكان مستاءً جدًا منهم”، لتتصف مراسلاته في وقت لاحق، برحلات سليماني للقاء الكتائب في العراق، وكذلك الاجتماعات بين المفاوضين القطريين، وممثلين عن الحرس الثوري، ومكتب المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.
صفقة شاملة
وبحسب “واشنطن بوست”، دخلت المفاوضات مرحلة غير مثمرة لعدة أشهر حتى أواخر العام 2016، عندما بدأت الميليشيات تشعر بالقلق المتزايد من طبيعة الحوار، فكتب الخيارين في نوفمبر من ذلك العام، قائلًا: “أخبرت الكتائب (الوسيط) أنهم سئموا من القضية ويريدون أي حل لإنهائها، لذا يريدون الحصول على بعض المال”، فعلى ما يبدو أن “الجماعة مفلسة”.
وبحلول أبريل 2017، وبعد اجتماعات إضافية مع الإيرانيين، تم وضع الخطوط العريضة لصفقة شاملة تضم سلسلة من الطلبات، إذ وصلت الحافلات إلى القرى السورية الأربع لبدء عمليات الإخلاء، لينقل الرهائن القطريين إلى بغداد قبل إطلاق سراحهم، بحضور كبار المسؤولين القطريين للمساعدة في الإشراف على تنفيذ الخطة، وفقًا للوثائق.”
وفي 25 أبريل 2017، بعد أيام فقط من إطلاق سراح الأسرى ، أمسك الخيارين، هاتفه الخلوي، ليخبر وزير الخارجية القطري الخبر الصادم، مشيرًا إلى مطالبة وسطاء بمبلغ 150 مليون دولار نقدًا، إذ يحصل قاسم على 50 مليون، ووسطاء السليمانية 50 مليونًا، وأبو حسين، قائد الكتائب 25 مليونًا، وبانهاي (مسؤول إيراني متورط في المحادثات) 20 مليونًا”.
وكان الشخص الأخير في القائمة أبو محمد السعدي، مفاوض حزب الله، الذي طلب مبلغ 10 ملايين دولار إضافية، لكنه حصل على 5 ملايين دولار.
وختم الخيارين في رسالة بريد صوتي مدتها سبع ثوانٍ إلى رئيسه مؤكدًا أن جميع المدفوعات تمت: “لقد انتهى الأمر وتم توزيع الأموال”.