تدفع الطفولة العربية والشرق أوسطية فاتورة الحروب والنزاعات الطائفية والانقسامات والاطماع السياسية واستغلال الجماعات الارهابية، بما دفع عشرات الألاف من الاطفال للفرار والهجرة واللجوء الى أوربا. وبينما هم يفرون من نيران المدافع ورصاصات البنادق ومن الموت المحدق بهم في بلادهم يواجه الكثير منهم حتفه بالموت غرقا او جوعا، ومن يسلم من الموت يواجه بما لم يكن في الحسبان من انتهاكات حقوقية وإنسانية كبيرة اثناء رحلتهم للعبور الى القارة الاوربية، مما يجعل وضع الأطفال المهاجرين يمثل كارثة إنسانية في ظل استمرار تفاقمهم وبما يوجب على المجتمع الدولي والإنساني إلى ضرورة التعاون في ايجاد حلول عادلة لعلاجها. تقديرات مفزعة فوفقا لتقارير اليونسكو الصادرة في ايلول 2016 ، فان 50 مليون طفل في العالم اقتلعوا من جذورهم بسبب الحروب، بينما كشفت تقديرات هذه المنظمة الدولية نفسها، عن نزوح 28 مليون طفل عربي من منازلهم بسبب الصراعات في بلدانهم العام الماضي. ورصدت اليونيسف ان نحو 306 آلاف طفل سوري ولدوا في خارج سوريا كلاجئين بحسب تقارير الامم المتحدة في مارس2016، بينما لفتت وكالة الشرطة الأوروبية أن أكثر من عشرة آلاف طفل هاجروا بدون ذويهم إلى القارة الاوروبية اختفوا خلال العامين الماضيين. ويواجه نحو 6 آلاف طفل لاجئ في ألمانيا مصيرا غامضا، بعد الإبلاغ عن اختفائهم، في عام 2015. وصل عدد الاطفال اللاجئين 31 مليون في نهاية العام 2015، واختفي 10 آلاف طفل لاجئ على الأقل في أوروبا، منهم خمسة آلاف طفل عربي لاجئ فقدوا في إيطاليا وحدها. وينحدر غالبية الأطفال المختفين من سوريا وأفغانستان والمغرب وإريتريا والجزائر، أن معظمهم لم يبلغ بعد عامه الرابع عشر، والآلاف ممن لا مرافق لهم أو ممن أبعدوا عن عائلاتهم بطلبات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي لعام2015، معظمهم في ألمانيا والسويد ولفتت التقارير ان نصف عدد اللاجئين في البلدان المجاورة لسوريا من الأطفال، بينهم أكثر من 15 ألفا عبروا الحدود السورية من دون ذويهم. وكشفت احصاءات الاتحاد الأوروبي عن ان نحو أكثر من 63 ألف و300 طفل نصفهم من الأفغان والسوريين، لجأوا إلى القارة الأوروبية دون مرافقة ذويهم خلال عام 2016، بحسب إحصاء للاتحاد الأوروبي. وأوضح الاتحاد في بيان رسمي، إن نسبة اللاجئين الأطفال القادمين من أفغانستان وصلت إلى 38%، فيما لم تزد نسبة السوريين عن 18%.وتضمنت الإحصائية اكتشاف حالات لجوء لأطفال من العراق، وأريتريا، والصومال، وغامبيا، وباكستان دون مرافقة أي شخص من أفراد عائلتهم. تواصل الازمة ومع استمرار الأزمة السورية واشتعال المنطقة العربية والاسلامية بالنزاعات، فان ازمة الاطفال المهاجرين تواصل استمرارها وصعودها ايضا، فقد كشفت احدث التقارير الدولية الصادرة عن شهر مايو (2017 ) عن أكثر من 100 الف طفل لاجئ ومهاجر وصلوا الى أوربا في العام الماضي، 33,800 ألف منهم من دون مرافقين أو تفرقوا عن ذويهم. والمأساة التي يواجهها هؤلاء الأطفال بعيدا عن ذويهم يندي لها جبين الإنسانية حيث يتعرضون خلال رحلتهم في الهجرة لشتى صنوف الانتهاك الجسدي والاخلاقي، وذلك ما أكدته تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة ان العديد من الأطفال اللاجئين يتعرضون الى الإساءة والاستغلال والعنف والانتهاك الجسدي من قبل مهربي البشر لكنهم لا يتحدثون عما يتعرضون له، خوفا من الاعتقال أو الترحيل. أما منظمة الهجرة الدولية فتصف ظروف الأطفال المهاجرين بالمأساة مشيرة إلى أن هؤلاء الأطفال يحتجزون في ظروف “مشينة” لأكثر من شهر، ويحتجز بعضهم في زنزانات الشرطة برفقه بالغين لعدم توافر أماكن شاغرة. لذا أعلن الاتحاد الأوربي اتخاذ اجراءات إضافية لتحسين حماية الأطفال المهاجرين المعرضين للإساءة والإستغلال مع تدفقهم على أوروبا بأعداد قياسية، بما في ذلك تجنب وضعهم في مراكز الاحتجاز. ورحبت جماعات حماية الأطفال بإعلان المفوضية الأوروبية. ويواجه هؤلاء الصغار بعيدا عن ذويهم معاني الحرمان من حقوق الحياة الكريمة خلال تواجدهم في مراكز الإحتجاز وإيواء اللاجئين، حيث يعانون من نقص الإحتياجات الأساسية وانقطاع الخدمات الضرورية من مياه و كهرباء، بل ويضطر بعضهم للكفاح والعمل من اجل الحصول على الاحتياجات الضرورية من اغطية واماكن جافة للنوم والطعام والمياه والرعاية الصحية. وقد وصف تقرير هيئة انقاذ الطفولة شعور الأطفال في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة بأنهم يشعرون انهم درجة ادنى من البشر. ولذلك بدأت تظهر عليهم علامات اضطراب ما بعد الصدمة وأعراض القلق والاكتئاب إضافة إلى الأرق والكوابيس والتبول اللاإرادي. حيث إن الأطفال الذين يقيمون بمخيمات للمهاجرين في اليونان يتعمدون إصابة أنفسهم بجروح ويحاولون الانتحار ويتعاطون أدوية مخدرة حتى يتناسوا مأساتهم. مفقودون في اوربا وتشير الفيدرالية الأوروبية للأطفال المفقودين والمستغلين جسديا أن 10 آلاف طفل على الأقل من اللاجئين فقدوا في أوروبا، خلال هروبهم من تعقيدات المصالح الأمنية والاجتماعية فيما يجهل مصير الآلاف منهم، ما دفع بعدة منظمات إنسانية إلى دق ناقوس الخطر. مراكز الإيواء. وأوضحت الفيدرالية، التي تضم 30 منظمة موزعة عبر 26 بلدا أوروبيا، أن هؤلاء الأطفال يتهربون من المصالح الأمنية والاجتماعية في أوروبا، ويفضلون في الكثير من الحالات خوض رحلة البحث لوحدهم عن عائلاتهم، معتبرة أن العديد منهم يعاملون كـسجناء. دفع هروب هؤلاء الاطفال في القارة العجوز، الفيدرالية الدولية الأوروبية للأطفال المفقودين والمستغلين جسديا إلى شن حملة للفت انتباه المسؤولين الحكوميين الأوروبيين إلى الظاهرة وعلاجها، من خلال إعادة نشر صور بهذا الخصوص، لإعادة جمعهم خاصة بعد ان أثبتت التقارير ان الأطفال اللاجئين في تركيا واليونان بدأوا يعانون من تدهور صحتهم العقلية، خاصة الذين يعيشون في المخيمات اليونانية حيث يتعمدون إيذاء انفسهم يميلون للعدوانية بل والانتحار نتيجة اصابتهم بالقلق والاكتئاب. استغلال جسدي وجود الأطفال اللاجئين في المخيمات الاوربية لا يوفر اية حماية لهم خاصة اذا ما اضطروا للخروج من مخيماتهم، حيث تفضح التقارير الدولية جرائم الاستغلال الجسدي الذي يتعرضون له مقابل بقائهم على قيد الحياة، وآخر هذه التقارير يتحدث عن 15 يورو كمقابل مادي لهذا الاستغلال، كشف أيضًا عن أن جريمة بيع أجسادهم تتم في وضح النهار، بغية البقاء على قيد الحياة أو لتوفير المال للمهربين للانتقال من دولة إلى أخرى. هذه الحقيقة المفزعة نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية في عنوان صحفي صادم لهم وهو “أطفال مهاجرون يضطرون لبيع أجسادهم للدفع للمهربين”، ليدق التقرير به ناقوس الخطر في قضية الاطفال المهاجرين، والذين سيتحولون بالضرورة الى قنبلة موقوتة تهز استقرار اوربا من جراء العذاب الذي عاشوه في القارة العجوز . مجرد تحذير وقف العالم بمؤسساته الدولية العريقة وكأنه مكتوف الأيدي أمام مأساة هؤلاء المهاجرين دون ان يمد يد العون لإنقاذهم من براثن تجار البشر، وما كان من الأمم المتحدة إلا أن أطلقت تحذيراتها من أن عددا كبيرا من الأطفال مازالوا يخاطرون بحياتهم من أجل أن يقوموا بالرحلة من ليبيا إلى إيطاليا. وورد في تقرير لوكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن 26 ألف طفل، معظمهم غير مصحوبين بذويهم، عبروا البحر المتوسط العام الماضي، و أن العديد منهم يتعرضون للعنف والانتهاك الجسدي من جانب المهربين، لكنهم لا يتحدثون عما يتعرضون له، خوفا من الاعتقال أو الترحيل. وتشير اليونيسيف الى إن مراكز الاحتجاز في ليبيا تعاني من شح في الطعام والمياه الصالحة للشرب والأدوية. ويوثق تقرير اليونيسف المعنون ب “رحلة قاتلة للأطفال”، حالات استعباد وانتهاكات جسدية اخلاقية لعدد كبير من الأطفال الذين يحاولون الهجرة إلى إيطاليا. بينما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الأطفال المهاجرين يحتجزون في ظروف مشينة لأكثر من شهر، ويحتجز بعضهم في زنزانات الشرطة برفقه بالغين لعدم توافر أماكن شاغرة ، وهو ما دفع المفوضية الأوروبية إلى نشر مسؤولين عن حماية الأطفال في مراكز استقبال اللاجئين في دول من بينها اليونان وإيطاليا، وتعزيز دور الأوصياء على القصر الذين لجأوا بدون رفقة أي من والديهم. واكدت المفوضية على حق هؤلاء الأطفال على الحصول فورا على مساعدة قانونية ورعاية صحية ودعم نفسي وتعليم. كما دعت جميع الدول الأعضاء إلى تعزيز عمليات التبليغ بشكل منهجي وتبادل المعلومات عن جميع الأطفال المفقودين. هذه الكارثة الإنسانية الذي يعيشها الأطفال اللاجئين بدون ذويهم، تستدعي تكاتف المجتمع الدولي والإنساني لوضع استراتيجيات لحمايتهم من الاستغلال الجسدي وتوفير حياة آمنة وسبل معيشة انسانية توفر لهم الحد الأدنى من حقوق الانسان. وهنا، فان رجال الدين من كل الاديان والمفكرين والادباء والفنانين عليهم التكاتف والتعاون من اجل حملات دولية لجمع تبرعات سريعة لإقامة اماكن أمنة لمعيشة هؤلاء الأطفال المهاجرين، وتوفير مدارس وفرص العمل لمن يستطيع منهم وحمايتهم من اخطار المخدرات والأمراض النفسية التي يتعرضون لها . كما ان المؤسسات الشرطية والامنية مطالبة بشن حملات دولية موسعة للقبض على عصابات تجار البشر الذين استغلوا آلاف الأطفال ممن هاجروا بدون ذويهم إلى أوروبا و اختفوا خلال العامين الماضيين،.