في الوقت الذي اجتاحت فيه أنقرة الشطر الشمالي من جزيرة قبرص سبعينيات القرن الماضي و”تحتل” منطقتي عفرين وجرابلس في سوريا، وتسعى إلى زيادة نفوذها في مناطق الشمال السوري، بانتهاك صريح للقوانين والقرارات الدولية، لم تجد تركيا حرجًا في إبداء قلقها حيال التطورات الأخيرة في جزيرة سقطرى اليمنية.
وجاء في بيان للخارجية التركية يوم أمس الخميس، أن أنقرة تشعر بـ”القلق إزاء التطورات في سقطرى”، وتعتبرها “تهديدًا جديدًا لوحدة أراضي اليمن وسيادته”، في إشارة إلى الحضور الإماراتي في الجزيرة الواقعة قبالة الشواطئ الجنوبية لليمن، الهادفة إلى تنمية الجزيرة وتعزيز استقراراها.
ومن المعروف أن لا “مطامع” للإمارات في اليمن كما تدعي المكانية الإعلامية الإخوانية الموالية لأنقرة، بل هي شريك أساسي وفاعل في التحالف العربي بقيادة السعودية، لدحر “الإرهاب” وكبح جماح المتمردين الحوثيين، الذين ينفذون أجندات طائفية تمولها وتدعمها إيران في اليمن.
ويرى مراقبون أن تركيا، المتورطة في دعم الجماعات الإرهابية في سوريا، ومن بينها على الأقل “جبهة النصرة”، تتجاهل هذه الحقائق، وتسعى إلى التشويش على الجهود الإماراتية، الرامية إلى استتباب الأمن والاستقرار في كل اليمن، بما في ذلك جزيرة سقطرى.
ويضيف المراقبون أن أنقرة، التي عادة ما “تجمّل” بياناتها، بالحديث عن مبادئ القانون الدولي وشريعة الأمم المتحدة، هي ذاتها التي تخرق هذه المبادئ عندما اقتحمت عفرين عسكريا، رغم اعتراض الحكومة السورية، وحين تتدخل عسكريًا في شمال العراق رغم اعتراض حكومة بغداد، فضلًا عن إعلانها دويلة في شمال قبرص، لا تعترف بها أي دولة في العالم، سوى تركيا نفسها.
ويلاحظ محللون سياسيون أن السياسة التركية قائمة على جملة من المفارقات، فهي تستثمر في محيطها الإسلامي الشرقي، لكنها تتطلع، بنفس الوقت، إلى الدخول في النادي الأوروبي الغربي، وهي تزعم أنها داعمة للمعارضة السورية لكنها تتعاون مع روسيا وإيران، وهي تطالب بحقوق أهالي غزة، وفي الوقت نفسه تقيم علاقات متقدمة في مختلف المجالات مع إسرائيل، فضلًا عن التنكيل بالأقلية الكردية.
ويضيف المحللون أن الإعلام المدعوم من تركيا وقطر، الذي تديره أذرع خفية للإخوان المسلمين، يتعامى عن هذا التخبط السياسي التركي، لكنه يركز على مزاعم بأن للإمارات “أطماعًا” أو “أجندات خاصة” في جزيرة سقطرى، وهو ما تنفيه مصادر في الحكومة اليمنية ذاتها.
وبالرغم من ظهور أطراف في الحكومة اليمنية الشرعية، موالية للإخوان، تحاول التقليل من التضحيات الضخمة التي قدمتها الإمارات في إطار التحالف، إلا أن الوقائع على الأرض تثبت أن أبو ظبي سعت منذ البداية إلى الحيلولة دون وقوع اليمن في قبضة المليشيات الحوثية.
ولم تقتصر الجهود الإماراتية على الجانب العسكري في اليمن، بل قدمت مساعدات في مجال الخدمات والتعليم والطبابة والإغاثة، وغيرها من المجالات الحيوية لتخفيف معاناة اليمنيين.
وأعرب مراقبون عن استهجانهم لهذه “الغيرة التركية المفاجئة” على اليمن، مؤكدين أن جهود الإمارات في سقطرى وغيرها من مناطق اليمن، كانت قائمة من قبل، لكنها تعززت في ظل التحالف الذي تقوده السعودية للمساعدة في تخفيف المعاناة عن اليمنيين.
غير أن ما يفسر البيان التركي هو -حسب محللين- موقف الإمارات، الرافض للإخوان والجماعات الإرهابية والتدخل التركي في الشؤون العربية، إذ تدعو الإمارات إلى تطوير العمل العربي المشترك بقيادة السعودية ومصر، حتى يكون في مقدور العرب حل قضاياهم بأنفسهم، بعيدًا عن الأطماع الإقليمية لبعض الدول في المنطقة.
وفي تصريح سابق ـأغضب تركياـ قال الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات، إن “مهاجمة الأراضي العربية والمصالح العربية، والتدخل في الشؤون العربية، هو ما نسعى إلى مواجهته بحزم، إن كان من إيران أو تركيا أو إسرائيل”.