الفساد خطر يدمر منظومة التدفق الطبيعى للثروات فى مصر ، فيزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا ، وقد حقق الفساد أرقاما قياسية ، فهناك آلاف القضايا ضد مسؤليين بالجهاز الإداري للدولة تتعلق باختلاس المال العام والاستيلاء عليه والرشوة والتزوير ، ولا تزال تلك القضايا منظورة أمام القضاء لم يتم حسمها ، وهناك مليارات الجنيهات يحصل عليها الفاسدون في المحليات وحدها سنويا لمنح ما لا حق لهم ما لا يستحقونه ، فالفساد في مصر منتشر بصورة تثير الانتباه ، وأعلى مظاهره هى الرشوة والاكراميات ومجاملة الأقارب والاستيلاء على المال العام ، اى فساد فى كل القطاعات ، فساد يقتل الناس تحت أنقاض عمارات الموت ، أو يحرقهم داخل قطارات السكك الحديدية التى تدار بأكبر قدر من العشوائية في الوقت الذى تكافىء قيادات شرطة النقل والمواصلات عل اثره بملايين الجنيهات كحافز إهمال ، الاهمال الذي يعد من أكبر أسباب الموت الجماعي … وإذا كان الفساد هو الأب الشرعي لكافة لعنات مصر والأفة التي تأكل خيرها وتنهب ثرواتها فإن البطالة هي أم كل الموبقات في المجتمع ، فكل شاب عاطل هو قنبلة موقوتة وطاقة مكبوتة قابله للانفجار في أي وقت ، وخطورة البطالة ليست فى ارقامها المرتفعة ، ولكنها تكمن في الجرائم التي يرتكبها العاطلون ، فهناك علاقة طردية بين زيادة معدل البطالة وبين انتشار الجريمة ، ولأن العاطلون لهم احتياجات لا يقدر سوى المال علي تحقيقها ، فالعاطل اذا لم يحصل على المال بطريقة شرعية فان الجريمة هي السبيل أمامه ، و يمكن ان يكون التوجه إلى احضان اسرائيل او الجماعات الإرهابية بديلاً مطروحاً ، لأن البطالة تقتل الإنتماء وإذا مات الإنتماء تنهار الأمم ، فبسبب البطالة لن تتوقف مراكب الموت وستتوالي أخبار غرق المئات من شبابنا ، ولأن البطالة مرتبطة بتأخر سن الزواج سيؤدي ذلك إلى إرتفاع نسبة مرتكبي جرائم هتك العرض والاغتصاب ، إلى جانب جرائم سرقات المنازل والسيارات وجرائم القتل … وخطورة البطالة المصرية أن 99% من عدد العاطلين تتراوح أعمارهم بين 15 : 30 عاماً أي من الشباب كما أنها بطالة متعلمة من خريجي الجامعات والمؤهلات المتوسطة ، وهو ما يعد على المستوى القومي إهدار استثمارات أنفقت في العملية التعليمية دون ان ينتج عنها عائد ، والبطالة في الريف تزيد من معدلات الهجرة إلي القاهرة والاخلال بالتوزيع الطبيعي للسكان هرباً من العوز والإحتياج … والفساد بجانب مساهمته في صنع البطالة ، كذلك يصنع الفقر الذي يوجد في الأوطان التي لا تجيد العدل في توزيع مواردها ، ففي مصر يقل دخل الفقراء عن عشر جنيهات يومياً مما يؤدي إلى جرائم تتسم بالوحشية هرباً من براثنه التي تدمر التنمية وتهدد استقرار البشر فهو وراء كثير من جرائم الانتحار ، ويمكن أن تصل خطورته إلى أبعد مدى ، ففي سيناء مثلا يهدد الفقر أمن مصر القومي ، فالبدو الذين يعيشون بين مطرقة مطاردات الأمن وسندان الفقر يندفعون نحو الانحراف ويعملون في التهريب ، كما يهدد الفقر الشارع المصري لأنه السبب الرئيسي لظاهرة اطفال الشوارع المتروكين للكلاب الضالة تنهش لحومهم ، أو عصابات الكوكايين تغتصب برائتهم ، أو مشارط معدومي الضمير يتاجرون في اعضائهم ، كما أنه وراء جرائم الدعارة والقوادة ، فكلما زاد الفقر في الأوطان أكلت النساء من بيع الأبدان ، هذا بالاضافة في كونه سبب لانتشار كثير من الأمراض كالسرطان والفشل الكلوي وأمراض القلب والجهاز التنفسي ، ولا يكاد جسد مواطن مصري يخلو من واحد علي الأقل من تلك الامراض أو يعتبر إصابته بها مصير منتظر ، وكان نتيجة ذلك أن أصبحت مصر واحدة من أهم ثلاث دول في العالم في تجارة الأعضاء البشرية وأصبحت مقصد السياحة لزرع الأعضاء وأصبحت تجارة الكلاوي بورصة تجمع بين مريض يبحث عن النجاةو ووسيط يتاجر في البشر وطبيب يحمل مشرط استثماري ، ومواطن يبيع أعضاؤه تحت ضغط الفقر ، ومن المؤكد أن تعاني الأوطان التي تزور إرادتها من التسلط الذي يولد الفساد ، ففي النظم الديمقراطية هناك برلمان يحاسب المتجاوزين مهما كانت مناصبهم ، ولكن في مصر نواب التزوير يمنحون الحصانة ، والحصانة ثروة للبعض وتأشيرات واراضى ومميزات للبعض الآخر ، وإذا وجد تزوير الارادة تربع المال على القمة … وحين يسيطر المال تنهار الأخلاق وتتداعى القوانيين وتداس القيم ، لذلك يجب علينا أن نعمل للحد من تفشي ظاهرة الفساد بمحاربته بشتى الطرق عن طريق الإلتزام الديني والاخلاقي والوطني والإنساني وسن الأنظمة والتشريعات التي تحارب الفساد بأقصى العقوبات على مخالفيها ، والتوعية المجتمعية ، وتخصيص مكافأة مالية لمن يقوم بالتبليغ عن حالات الفساد في الدوائر الحكومية ، وخلق فرص عمل مناسبة للمواطنين لتحسين ظروفهم المعيشية ، وعقد ندوات دينيه وتوعوية في الدوائر الحكومية والمدارس والجامعات ، والقنوات المرئية والمسموعة تحث المواطن للتخلص من الفساد الإداري مع وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب .