هناك أشياء تبدو في أعيننا بسيطة متواضعة القيمة … لكن تأملها بعين الحكمة يكشف لنا عن كنوز صحية نهملها ونحن نمضي في طريقنا نحو المدنية المعاصرة … مثقلين بالشحوم ومكتظين بالسكر وملبكين معويا ومعنويا … ومن تلك الكنوز التي أغفلها بصر الإنسان ولم تغفلها بصيرة النبوة … كنز التلبينة !!
والتلبينة هي حساء يحضر من ملعقتين من دقيق الشعير بنخالته ثم يضاف لهما كوب من الماء ، وتطهى على نار هادئة لمدة 5 دقائق ، ثم يضاف كوب لبن وملعقة عسل نحل ، وهي سنة نبوية حيث أوصى النبي علية الصلاة والسلام بالتداوي والإستطباب بالتلبينة قائلا: “التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن” ، وقد سميت تلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها ، وقد أوصت التقارير العلمية الحديثة بالعودة إلى تناول الشعير كغذاء يومي لما له من أهمية بالغة للحفاظ على الصحة والتمتع بالعافية ، حيث أنها تقلل مستوى الكولسترول الضار في الدم من خلال إتحاد الألياف المنحلة الموجودة في الشعير مع الكولسترول الزائد في الأطعمة فتساعد على خفض نسبته في الدم ، كما تحتوي حبوب الشعير على مركبات كيميائية تعمل على رفع القدرة المناعية للجسم ، وأيضا تحتوي حبوب الشعير على مشابهات فيتامينات هـ التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكولسترول … كما يسهم العلاج بالتلبينة في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية حيث تحمي الشرايين من التصلب خاصة شرايين القلب التاجية ، فتقي من التعرض لآلام الذبحـة الصدرية وإحتشاء عضلة القلب ، لذلك تساهم التلبينة بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم الحالات المرضية … ومن الجدير بالذكر أن حبة الشعير تحتوي على مواد تلعب دورًا في التخفيف من حدة الإكتئاب كالبوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها … ومن جهة أخرى تمتاز حبة الشعير بوجود مضادات الأكسدة مثل (فيتامين E ،A ) ، التي تلعب دورا في حماية الجسم من الشوارد الحرة التي تدمر الأغشية الخلوية ، وتدمر الحمض النووي DNA والمتسببة في حدوث أنواع معينة من السرطان وأمراض القلب والشيخوخة … وقد حبا الله الشعير بوفرة الميلاتونين الطبيعي غير الضار ، وهو هرمون يفرز من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين ، ومع تقدم الإنسان في العمر يقل إفراز الميلاتونين ، وترجع أهميته إلى قدرته على الوقاية من أمراض القلب وخفض نسبة الكولسترول في الدم كما يعمل على خفض ضغط الدم وله علاقة أيضا بالشلل الرعاش عند كبار السن والوقاية منه ، ويزيد الميلاتونين من مناعة الجسم وتأخير ظهور أعراض الشيخوخة وله أيضا دور مهم في تنظيم النوم والإستيقاظ … أما بالنسبة لعلاج إرتفاع السكر والضغط فنلاحظ أن الألياف المنحلة (القابلة للذوبان) في الشعير تحتوي على صموغ “بكتينات” تذوب مع الماء لتكون هلامات لزجة تبطئ من عمليتي هضم وإمتصاص المواد الغذائية في الأطعمة ؛ فتنظم إنسياب هذه المواد في الدم وخاصة السكريات مما ينظم إنسياب السكر في الدم ومنع إرتفاعه المفاجئ عن طريق الغذاء … ومن الفوائد الأخرى للتلبينة أنه ملين ومهدئ للقولون حيث تزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها مما يسهل ويسرع حركة هذه الكتلة عبر القولون … وقد أظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون ؛ حيث إستقر الرأي على أنه كلما قل بقاء المواد المسرطنة الموجودة ضمن الفضلات في الأمعاء قلت إحتمالات الإصابة بالأورام السرطانية ، ويدعم هذا التأثير عمليات تخمير بكتيريا القولون للألياف المنحلة ووجود مضادات الأكسدة بوفرة في حبوب الشعير … كذلك فإن الشعير له خاصية إدرار البول .
ومجمل القول أن العودة إلى الطبيعة والطب النبوي والبعد عن العلاج الدوائي بقدر الإمكان طريقنا للعودة إلى الحياة الصحية السليمة وتجنب الأضرار الناجمة عن ذلك بالإضافة إلى محبة الله والإلتزام بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .